أزمة الطاقة في الصيف تهدد بمزيد من الاضطراب في مصر

بينما تواجه البلاد عجزا في الغاز الطبيعي

تواجه مصر التي كانت تشير التوقعات حتى وقت قريب إلى أنها ستكون أحد مصادر نمو الغاز الطبيعي عجزا في العرض (أ.ب)
TT

تكثف الحكومة المصرية وحلفاؤها الدوليون الجهود من أجل تفادي حدوث أزمة طاقة في فصل الصيف مدفوعة في الأغلب بزيادة العجز في الغاز الطبيعي، والتي جنبا إلى جنب مع المشكلات الاقتصادية الحالية، تهدد بزيادة الاضطراب السياسي والخلل الاجتماعي في هذه المرحلة الحرجة.

وتواجه مصر التي كانت تشير التوقعات حتى وقت قريب إلى أنها ستكون أحد أكبر مصادر نمو الغاز الطبيعي، بالفعل عجزا في العرض يجبرها على وقف جزء من قدراتها التصديرية، مع تحويل احتياطات صناعية إلى قطاع الطاقة لتلبية الطلب المتزايد. يفوق إنتاج الدولة حجم استهلاكها، ولكن نمو الإنتاج لا يكفي للالتزام بعقود التصدير طويلة الأجل والطلب المحلي المتزايد.

تعمل الحكومة مع دول الجوار والحلفاء من أجل الحصول على قروض واستيراد الغاز، وذلك عبر وحدة غاز طبيعي مسال عائمة مخطط إنشاؤها ترغب في تشغيلها هذا الصيف من أجل تعويض النقص المتوقع في العرض، مع أن الخبراء يشكون في قدرتها على تحقيق ذلك على المدى القصير.

لقد كان العجز في الغاز بمثابة نتيجة للزيادة السكانية وأسعار الكهرباء والطاقة المدعمة بشكل ضخم، مع أن هذا العجز قد تفاقم بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك، إذ أدت حالة الاضطراب السياسي إلى إبطاء الاستثمارات الخاصة المهمة في إمكانات الإنتاج. لكن فيما لا تعتبر جذور المشكلة سياسية، فإن تبعاتها سياسية.

سوف يؤدي تقلص المعروض من الغاز حتما إلى تفاقم حالة تزعزع الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما سيستنزف الاحتياطي النقدي للبلاد في مرحلة حرجة، وهي حلقة مفرغة ستظل مستمرة لفترة طويلة. يستغل الجزء الأكبر من الغاز في مصر نحو 56 في المائة في توليد الطاقة. ومن المرجح أن تؤجج أزمة الغاز في ذروة موسم الصيف، حالة الاهتياج والاضطراب، في ظل زيادة انقطاع الكهرباء، والتي ستثبط رغبة المستثمرين، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تفاقم الموقف الاقتصادي الكلي وزعزعة الاستقرار، بحسب محللين.

يقول مايكل نايبي، محلل رفيع المستوى لشؤون الشرق الأوسط في شركة الاستخبارات الجيوسياسية (ستراتفور) الكائنة في هيوستن: «سوف تواجه مصر عجزا في الغاز. هذا أمر حتمي لا يمكن تجنبه. وهم يدفعون تكاليف باهظة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، بينما تقل احتياطياتهم النقدية. علاوة على ذلك، فإنهم أيضا تحت ضغط تقليل الدعم، لكنهم بحاجة إلى منع الناس من الخروج إلى الشوارع للاحتجاج».

لقد صرحت الحكومة بأن لديها خططا لإلغاء الدعم، لكن «ينبغي أن تتوخى الحذر الشديد نظرا لأنها سوف تمس المصريين من الطبقة المتوسطة وقد يثير ذلك مشكلة».

لا يمكن تنفيذ أي من هذه الإصلاحات بأي وسيلة ملموسة، إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية ومن المحتمل ألا تجد أي حكومة خيارا، خلاف إصلاح قطاع الطاقة بشكل مؤثر، بحسب ياسر الشيمي، محلل ودبلوماسي سابق بمجموعة الأزمات المالية مقيم في القاهرة.

تحول الحكومة الإمدادات الصناعية من الغاز لزيادة متطلبات قطاع الكهرباء، لكن حقيقة أن الجيش هو أكبر لاعب صناعي وحيد، تزيد الأمر تعقيدا. يقول نايبي: «يتم استثمار الجيش بصورة مكثفة في الاقتصاد ويتلقون مساعدات ضخمة في مجال الطاقة ومن الصعوبة بمكان تقليص المساعدات العسكرية».

تحديات هيكلية يعتبر احتياطي مصر من الغاز البالغ 2.2 تريليون متر مكعب ضخما، بحيث يكفي على مدى عقود، غير أن الاتجاهات الحالية ليست دائمة. هبط الإنتاج في عام 2012 لثالث عام على التوالي، مع كونه هبوطا نسبيا، بينما ارتفع الطلب في عام 2012 بنسبة تربو على 5 في المائة عن عام 2011، بعد زيادة نسبتها 10 في المائة عن عام 2010 بحسب مجموعة بيانات مصرية ودولية.

زادت الصادرات، التي تعادل نحو ربع إنتاج الغاز، نسبيا في عام 2012، غير أنه من المتوقع أن تعاود الانخفاض مجددا في عام 2013 نتيجة القرارات الحكومية بتحويل إمدادات الغاز إلى قطاع الطاقة، والذي يستهلك تدريجيا نصيبا أكبر من إجمالي الإنتاج. إضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن يقل الاستهلاك الصناعي، الذي بلغت نسبته نحو 30 في المائة في الأعوام الماضية، في عام 2013، بينما يحتمل أن يبقى الطلب الخاص بقطاعي الإسكان والنقل اللذين يشكلان معا نسبة تقل عن 5 في المائة، مقيدا. تفسر عوامل عدة تلك الاتجاهات. أولا، كانت توقعات الإنتاج مبالغا فيها. فضلا عن ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية تضر بأسعار الغاز العالمية وبالاستثمار، الأمر الذي أثر في نهاية المطاف على التوقعات. إن احتواء حالة تدهور الأسواق العالمية وتراجع الطلب، وإمكانية زيادة الإنتاج، قد منعها استنفاد الموارد السلسلة والرخيصة، ولكن توفير الاحتياطات الأعمق والأكثر تعقيدا والمكلفة يتطلب قدرا أكبر بكثير من الاستثمارات، والتي ليست متوقعة في ظل ظروف السوق الراهنة.

يقول نايبي: «كانت مصر هي الأمل الأكبر الذي لم يتحقق. إن احتياطي الغاز ليس ضخما بالصورة المتوقعة، ولديك فقط عدد كبير من المستثمرين الصغار غير القادرين على التعامل مع الموارد المتاحة الأكثر تعقيدا».

علاوة على ذلك، فإن خطة الحكومة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر باستخدام وحدة عائمة مضجرة. يقول نايبي: «لست موقنا مما إذا كانت لديهم الإمكانات اللازمة للتعامل مع هذا على المدى القصير. وحتى مع وجود وحدة عائمة، فليس بمقدور البنية التحتية لشبكة الغاز في مصر استغلالها بالكامل». كذلك، فإن مشكلات الطاقة تعتبر مجرد فئة واحدة من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها مصر. فالاحتياطي الأجنبي لمصر يتم استنفاده بسرعة في دعم العملة المصرية وسداد الديون الدولية المتزايدة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، بما فيها قطاع الغاز.

يقول الشيمي: «حقيقة، إن الحكومة المصرية قد واجهت أزمة سيولة وتكافح من أجل سداد قيمة مشتريات الغاز للشركات بالكامل وبالعملة الصعبة أدت لتفاقم الوضع. ولا تنجذب كثير من الشركات للعمل في ظل هذه الظروف».

إن تقليل الدعم، والذي بالنسبة لقطاعي الغاز والطاقة يضيف قرابة 10 مليارات دولار سنويا، أمر حتمي يتعذر تجنبه، وتوافق الحكومة عليه. ولكن القيام بذلك في ظل هذه المرحلة الحركة قد يأتي بنتائج عكسية، ليس فقط بسبب الاضطراب السياسي، وإنما أيضا لأن النمو الاقتصادي قد يعاني جراء ذلك.

لقد دخلت مصر منذ فترة في مفاوضات حول قرض أولي من صندوق النقد الدولي قيمته نحو 5 مليارات دولار، غير أن الدائنين يرغبون أن تقوم مصر بتقليل الدعم، ليس فقط في قطاع الطاقة، وإنما في معظم قطاعات الاقتصاد أيضا.