دعم الوقود في مصر.. بين مطرقة المساس به وسندان قرض صندوق النقد

محللون: الحكومة ستمتلك جرأة تنفيذه حال توفير منظومة نقل مقبولة

الحكومة المصرية ما زالت تشهد ضغوطا كبيرة جراء نقص الوقود لتوفير طاقة كهربائية كافية (رويترز)
TT

قال محللون إن اتجاه الحكومة المصرية إلى تقليص الدعم الموجه للطاقة، خاصة وقود السيارات، قد يبوء بالفشل، في ظل التخوفات من قبل المسؤولين من تقليص جذري له.

وبدا للجميع أن الحكومة المصرية بدأت في اتخاذ إجراءات أكثر جرأة لم تستطع حكومات النظام السابق اتخاذها، خاصة بعد أن أعلنت، وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي، أنها ستطبق نظاما يتيح للمواطنين الحصول على حصص معينة من وقود السيارات المدعوم بدءا من يوليو (تموز) المقبل، إلا أنها تراجعت عن تطبيق تلك الحصص، وقالت إنها سترجئ تطبيق هذا النظام إلى حين تجميع بيانات ومعلومات عن الكميات الحقيقية المستهلكة فعليا من البنزين والسولار على مستوى الجمهورية، وتحديد أنماط الاستهلاك.

وقال وزير البترول المصري شريف هدارة إنه اعتبارا من شهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين سيتم البدء في توزيع الكروت الذكية لحائزي السيارات، التي تعمل بالبنزين والسولار على مستوى محافظات الجمهورية، والتي ستتيح الحصول على أي كميات من الوقود لصاحب السيارة، بهدف تجميع بيانات ومعلومات عن الكميات الحقيقية المستهلكة فعليا من البنزين والسولار على مستوى الجمهورية، وتحديد أنماط الاستهلاك في كل المناطق والمحافظات، وبناء على تلك المعلومات سيبدأ حوار مجتمعي لتحديد سبل ترشيد استهلاك البنزين والسولار، وتحديد مستحقي الدعم وسبل تحقيق ذلك.

وقال تقرير صدر عن البنك الاستثماري (إتش سي) في وقت سابق، إن اعتماد المصريين الكبير على نظام الدعم، والضغوط التضخمية، والاضطرابات الاجتماعية المحتملة، منع الحكومة من فرض تخفيضات أكثر حدة على الدعم، وهو ما يفاقم عجز موازنة الدولة الذي تسعى الحكومة إلى وصوله إلى 9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام المالي المقبل.

وفي دول مشابهة لمصر، فقد تسبب رفع الدعم عن الوقود في اضطرابات بالأردن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويقول بعض المحللين إن التحرك لرفع أسعار الكهرباء المدعومة بشدة في يونيو (حزيران) المقبل تنفيذا لاتفاق قرض تحت الطلب مع صندوق النقد يمثل خطوة محفوفة بالمخاطر.

وأكد سياسيون أن الحكومة لن تخفض الدعم خاصة عن وقود السيارات قبل انتخابات البرلمان المزمع إجراؤها في أكتوبر (تشرين الأول)، ولفتوا إلى أن أي تقليص في الدعم خلال تلك الفترة سيؤثر على شعبية الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها رئيس البلاد، والتي تسعى للاستحواذ على نسبة حاكمة في البرلمان الذي سيتولى السلطة التشريعية في البلاد.

وقدر مشروع موازنة العام المالي المقبل 2013 – 2014 مصروفات الدعم بنحو 205.5 مليار جنيه، منها 30.8 مليار جنيه لدعم السلع التموينية بزيادة قدرها 4.2 مليار جنيه عن العام الماضي، و99.5 مليار جنيه دعم المواد البترولية بانخفاض قدره 405 ملايين جنيه عن العالم المالي الماضي.

وبلغ إجمالي قيمة الدعم الحكومي خلال النصف الأول من العام المالي الحالي نحو 67 مليار جنيه، منها 8.9 مليار جنيه دعم السلع التموينية، و52.7 مليار جنيه دعم السلع البترولية، مما يمثل نحو 79.1 في المائة من إجمالي الدعم.

ويرى محللون أن التراجع عن ترشيد دعم الوقود الموجه إلى المواطنين قد يكون عثرة أمام الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي. وقال مسعود أحمد مدير صندوق النقد لـ«الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا إن المغرب وتونس ومصر والأردن، وجميعها دول مستوردة للنفط، تواجه ضربة مزدوجة، نتيجة ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والغذاء وتأثير التراجع الاقتصادي العالمي، إلى جانب تنامي الاستياء الشعبي منذ بداية موجة الانتفاضات العربية قبل عامين. ومن جهتها، تقول الدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة إن «استمرار دعم الطاقة بهذه الصورة التي هي عليها الآن في مصر يؤثر في المفاوضات مع المؤسسات الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي».

وتابعت: «لا توجد دولة نامية مثلنا، سواء كانت عربية أو حتى في أميركا اللاتينية تقوم بدعم وقود السيارات بهذه الطريقة».

وأضافت بكر لـ«الشرق الأوسط» أن الصندوق لن يعطي لمصر القرض إلا إذا قامت الحكومة بعملية إصلاح اقتصادي حقيقي.

وتابعت: «الصندوق لا يملي على مصر أي شروط، ففي التسعينات كان الصندوق يأتي إلى البلاد ويعطيهم روشتة (شروطا) معينة لتطبيقها، أما الآن فلا يتدخل، ويقوم فقط بمراجعة برامج الدول لإصلاح اقتصادها».

وأشارت بكر إلى أن الحكومة ستمتلك الشجاعة في تقليص دعم الطاقة الموجه إلى السيارات بشكل جذري، إذا استطاعت إيجاد منظومة نقل عام مقبولة. وقالت: «مواطنو الدول الأخرى لا يستخدمون السيارات كما نستخدمها نحن الآن، لأن لديهم منظومة نقل عام جيدة يمكنهم الاعتماد عليها بشكل كبير».

وترى بكر أن «اتجاه الحكومة لإرجاء تطبيق نظام حصص وقود للمواطنين ضروري، لأن هذا يتيح للحكومة معرفة أنماط استهلاك المواطنين، فهذا القرار يحتاج إلى دراسة وافية»، وتابعت: «قامت الحكومة برفع الدعم عن بنزين 95، وهذا لم يكن فيه أي مشكلة لها، لأنها تعلم أن من يستخدمه هم من يمتلكون سيارات فارهة، فبالتالي لم يمسّ طبقة متوسطي أو محدودي الدخل، أما باقي الفئات فهي تحتاج إلى دراسة حتى لا تتأثر الفئات التي تحتاج الدعم في مصر».

من جانبه، يرى الدكتور محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه الرئيس المصري، وأغلب أعضاء الحكومة، أن استراتيجية تقليص الدعم، خاصة الموجه للمواطنين، تسير بشكل جيد.

وأشار إلى أن إرجاء تطبيق الحصص للمواطنين ليس لتخوف الحكومة من اضطرابات أو تخوفها من أن يؤثر ذلك على شعبية حزب الحرية والعدالة أو الإخوان المسلمين في الانتخابات، كما يزعم البعض، ولكنها تستهدف في الأساس معرفة أنماط الاستهلاك الفعلي للمواطنين.