انهيار الليرة السورية يضع المغتربين السوريين بين نارين

خبير شبه المتاجرة بها بـ«الانتحار المالي»

فقدت الليرة السورية 77% من قيمتها منذ بداية الأزمة السورية، وهي مرشحة لمزيد من التراجعات وتوقعات ببلوغ سعر الدولار الواحد 300 ليرة قريبا («الشرق الأوسط»)
TT

شبه الخبير الاقتصادي المصرفي فضل سعد البوعينين المتاجرة في الليرة السورية بالانتحار المالي، في ظل انهيار الاقتصاد السوري.

وأوضح أن الكثير من التجار السوريين اتجهوا إلى التخلص مما بحوزتهم من الليرة السورية وتحويلها إلى دولار، لمعرفتهم أنها باتت منتهية، في ظل عدم الاستقرار وتدمير البنية التحتية والاقتصادية لبلدهم. وقد فقدت الليرة السورية 77% من قيمتها منذ بداية الأزمة السورية، وهي مرشحة لمزيد من التراجعات وتوقعات ببلوغ سعر الدولار الواحد 300 ليرة قريبا.

واستغرب البوعينين من بعض المصارف السعودية التي ما زالت تتعامل بهذه العملة، بهدف تحقيق أرباح كبيرة من ذلك، والتخلص مما هو موجود لديها، مستغلين سذاجة بعض الأشخاص الذين لا يقدرون المخاطر والخسائر التي سيتكبدونها جراء ذلك، مثلما حدث للعملة العراقية مطلع التسعينات من القرن الماضي، فقد مُني كثير من المستثمرين بخسائر كبيرة.

ولفت إلى أن الاستثمار في مجال العملات يتبع نظرية القطيع، منوها بوجود كثيرين، يوصون باستغلال الظروف الحالية، التي انخفضت فيها الليرة وسعر شرائها ومن ثم بيعها في ما بعد.

وقال البوعينين: «هذا للأسف لن يحدث، خصوصا أن المؤشرات في سوريا تؤكد أن الأوضاع فيها متجهة إلى الانهيار الكامل في جميع مناحي الحياة سواء كانت سياسيا أو اقتصاديا أو غير ذلك»، مطالبا الجهات المختصة بمراقبة ذلك وإيقاف هذا الاستغلال، ووضع تشريعات تمنع مثل تلك الممارسات.

من جهة أخرى حذر ناشطون في مجال الإغاثة لدعم الشعب السوري بالسعودية، المقيمين السوريين من التحويل من قبل المصارف وشركات الصرافة المنظمة الخاضعة لمراقبة مصرف سوريا المركزي.

وأكدوا أن تحويلات المغتربين والمساعدات الإغاثية الدولية، التي تأتي بالعملة الصعبة وتحولها في السوق السورية إلى العملة المحلية، شكلت أحد عوامل الدعم للنظام السوري سابقا، على حساب أرزاق وثروات المغتربين السوريين ومدخراتهم.

وأكد تيسير الكوجك الناشط في مجال الإغاثة لدعم الشعب السوري لـ«الشرق الأوسط: «الجالية السورية في السعودية تقع بين نارين، نار انهيار الليرة السورية بفعل الأزمة التي أججها النظام السوري، ونار تحويل مدخراتهم بالعملة الصعبة لتفادي فقدان قيمتها، في الوقت الذي يستغلها فيه النظام في تقوية نظامه المصرفي المنهار».

وأضاف: «انهيار الليرة السورية شكل للأسف الشديد خسارة كبيرة للشعب السوري بأكمله وليس للنظام وحده، وإعادة الثقة بها قد يأخذ وقتا طويلا قد يمتد ربما لأعوام».

وشدد على ضرورة امتناع المغتربين السوريين بالسعودية بالتعامل مع الليرة السورية، على أن يتم تحويل أي مبالغ إلى أهاليهم، وأن يتم تسليمها لهم بالدولار أو اليورو أو الريال السعودي، مقرا بأن النظام قد يستفيد من التحويلات بالعملة الصعبة.

من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي عبد الحليم محيسن أنه من مصلحة المغتربين السوريين محاولة الاحتفاظ على قدر ما يستطيعون بمدخراتهم من الأموال بالعملة السعودية، كونها عملة ثابتة أمام الدولار، مع ضرورة التخلص مما لديهم من العملة السورية (الليرة) تفاديا لمزيد من الخسائر التي من المتوقع أن يتكبدوها بفعل الهبوط المتصاعد لليرة أمام الدولار.

ويعتقد محيسن أن الخيار المتاح للسوريين المغتربين الذي يودون تحويل بعض الأموال إلى أهليهم في بلادهم أن ينهجوا طريقة التحويل بالدولار، أو إرسالها في شكل معينات عينية شريطة أن تكون ضروريات ملحة، حفظا على أكبر قدر من قيمة مدخراتهم من الأموال بالعملة السعودية.

وفي تواصل لـ«الشرق الأوسط» عبر الإيميل أكدت بعض السوريات اللائي فضلن عدم ذكر أسمائهن أن الليرة السورية تتدهور سريعا بفعل الأزمة والحصار، والأسعار ترتفع باستمرار ارتفاعا صاروخيا. وقالت أم زياد: «في كل يوم، إن لم يكن في كل لحظة، السعر يتغير، باتجاه الأعلى دائما، إلا ما ندر بالنسبة لبعض السلع التي يتذبذب سعرها كالدجاج»، مبينة أن الحالة المعيشية من سيء إلى أسوأ، مشيرة إلى بعض شكاوى بعض المكتويات بلظى الحرب السورية بهذا الخصوص.

وقالت أم سعيد: «كنا نشتري قنينة الغاز قبل الأزمة بمائتي ليرة، في حين صار سعرها الآن ألفا وثمانمائة ليرة، بينما كيلوغرام التمر، أي علبة رطب، يبلغ سعرها ستمائة ليرة». وأضافت: «لما تخرجت من الجامعة كان راتبي ثلاثمائة وخمسا وسبعين ليرة، هذا ما دفعته الآن كله من أجل شراء بطيخة واحدة متوسطة الوزن، في ظل وجود بطالة مقنعة وأجور متدنية لكل العاملين بما في ذلك الأطباء في المشافي في ظل ندرة أدوية مع ارتفاع أسعارها».

وأوضحت أم سعيد أن أقساط المدارس والجامعات باهظة، وأسعار الفواكه والخضار مرتفعة ارتفاعا جنونيا، حيث إن كل شيء يباع وكأن المائة ليرة هي ليرة واحدة، مشيرة إلى أن علبة من البلاستيك فيها مقدار من التوت لطفلها بلغ سعرها مائتين وخمسا وسبعين ليرة. وزادت: «لم يقتصر الأمر على ذلك، بل انتشر عندنا نوع من اللبنة بسعر الكيلو مائة وخمس وعشرين ليرة، واشتريت منه عدة مرات، ولم أفرق في الطعم بينه وبين اللبنة التي أشتريها في العادة! ثم خطر في بالي أن سعر كيلو اللبنة رخيص غير معقول بالنسبة لسعر كيلو اللبن! فيجب أن تباع اللبنة على الأقل بثلاثمائة ليرة». وتابعت أم سعيد: «سألت أحد الباعة عن اللبنة فأكد لي أنها مواد غير ضارة بالصحة، غير أنني لا أصدق ما قاله، لأنني أحتمل فيها وجود مواد مسرطنة، ولكن لا يستطيع أحد أن يصرح بذلك، ولو كان عالما، وإلا أودع في السجن، أو أطلقوا عليه النار ومشوا في جنازته وجعلوه شهيدا»! وأكدت أن طوابير الخبز تطول منذ الصباح الباكر، وأعدادها تزيد، فضلا عن صعوبة الحصول على ربطة خبز بخمس عشرة ليرة، ويصل سعرها في السوق السوداء إلى مائة وخمسين ليرة.