مديرة هيئة الاستثمار في كردستان: استثمارات القطاع الخاص بلغت 22 مليار دولار

الأمن والاستقرار شجعا 800 شركة أجنبية على ضخ الأموال في الإقليم

مركز مدينة أربيل وفي الاطار نوروز أمين مديرة عام هيئة الاستثمار في كردستان («الشرق الأوسط»)
TT

يبتسم عبد الله عبد الكريم وهو يجلس عند معرض لبيع السيارات في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق الشمالي، الذي يشهد تطورا وازدهارا سريعا، بينما يعيش وسط وجنوب البلاد موجة عنف متواصلة. وعبد الكريم ليس الوحيد الذي يلمس أن الحياة في أربيل تسير كل يوم نحو الأفضل.

فالأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان، وعاصمته أربيل، تنمو بشكل متواصل وسريع مقارنة مع باقي مناطق التي يسكنها العرب في وسط وجنوب العراق.

وكردستان تتألف من محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، وتحمل كل منها الاسم ذاته لعواصمها. ولها رئيس مستقل ورئيس وزراء يدير حكومة الإقليم.

وفي أربيل (320 كلم شمال بغداد)، تنتشر المقاهي التي يجلس زبائنها على امتداد الأرصفة دون خوف من التعرض لأي هجوم، وقد يكون هذا الاستقرار الدافع الأكبر وراء سعي المستثمرين الأجانب لاتخاذ موقع فيها.

وتقول نوروز مولود محمد أمين مديرة هيئة الاستثمار في حكومة إقليم كردستان، وبلغة الأرقام عن حجم الاستثمارات في الإقليم، قائلة إن «حجم استثمارات القطاع الخاص العراقي والعربي والأجنبي في عموم الإقليم يبلغ 22 مليار دولار تتوزع على قطاعات بناء المجمعات السكنية والفنادق والسياحة والتجارة والصناعة، ويأتي المجال الزراعي في ذيل القائمة»، مشيرة إلى أن «حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي حتى الآن يبلغ 285 مليون دولار».

وأوضحت نوروز أمين قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الطموحة وخبرته الاقتصادية هي التي مكّنت الإقليم من النهوض في مجالات البناء والتجارة، وفتحت الأبواب أمام المستثمرين المحليين والعرب والأجانب».

ويقول جورج ريستريبو أميركي من أصل كولومبي يدير شركة استشارات لصالح شركات إسبانية وكندية في كردستان لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه من «السهل جدا أن تفتح لك متجرا هنا». وأضاف أن «حكومة كردستان منفتحة للغاية على الأجانب». وتمكن الإقليم من الاعتماد على نفسه بشكل كبير عن باقي مناطق العراق، على مدى 22 عاما، منذ فرض منطقة حظر للطيران لمنع دخول قوات نظام صدام إلى هنا. وتتولى قوات البيشمركة (جيش) والأسايش (الأمن) مسؤولية حفظ الأمن في الإقليم. ويتمتع الإقليم حاليا بنمو اقتصادي يصل إلى 12 في المائة، وفقا للجنة الاستثمار في الإقليم، في حين يتوقع أن تصل نسبة النمو الكلية في باقي أنحاء العراق إلى تسعة في المائة هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وشجع استقرار أوضاع الإقليم نحو 800 شركة غالبيتها من تركيا المجاورة للإقليم على الدخول إلى أسواقه، مستفيدة من قانون الاستثمار للإقليم لعام 2006 الذي يعفيها من الضرائب على الاستيراد والاستثمار على مدى العشر سنوات الأولى من العمل، في الإقليم.

ووفقا لرئيس لجنة الاستثمار في الإقليم كاميران مفتي، فإن هذه الشركات ليست ملزمة تعيين موظفين محليين، ويمكنها تحديد أرباحها حسب تقديراتها.

لكن فارق الوضع الأمني يبقى العامل الرئيس بين الإقليم وباقي مناطق العراق. وتقول غادة جبارة المدير التنفيذي لشركة «كورك» للاتصالات، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الأمن هو مفتاح النجاح، فعلا». وكورك ثالث أكبر شركة اتصال للهواتف الجوالة في العراق، ومقرها الرئيس في أربيل.

وكانت حصيلة ضحايا العنف خلال شهر مايو (أيار) الماضي، الأعلى منذ عام 2008، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة ومصادر رسمية عراقية.

وفي الوقت ذاته، يؤكد مفتي أن إقليم كردستان لم يشهد أي أحداث عنف خلال الشهر الماضي. وبالإضافة إلى فارق الوضع الأمني بين الإقليم ومناطق العراق، هناك فوارق كثيرة أخرى بينها الفساد المالي والإداري.

ويرى ريستريبو أن «البيروقراطية كبيرة هنا (في كردستان) لكن في بغداد هناك انقسامات دينية (سنة وشيعة) والفساد بالطبع» منتشر هناك.

ويأتي العراق في المرتبة الـ169 بين 176 دولة الأكثر فسادا في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية. بينما يؤكد مفتي أن قادة إقليم كردستان قد «وضعوا خطة لمكافحته». أما الأوضاع العامة، فتبدو جيدة في الإقليم، حيث اعتمد المسؤولون الاقتصاد المختلط، وليس كباقي مناطق البلاد، فهناك الإسمنت والمواد الطبية والمعادن والكهرباء.

ويغطي إنتاج الكهرباء حاجة الإقليم ويكفي لتلبية قسم كبير من حاجة محافظات المجاورة، مثل كركوك ونينوى، في حين تتواصل معاناة باقي مناطق العراق، إثر نقص الكهرباء. ويشترك إقليم كردستان مع باقي مناطق البلاد، في الاعتماد على إنتاج النفط في بناء اقتصاده. ويشكل إنتاج وبيع نفط الإقليم، الذي يقدر المسؤولون فيه وجود احتياطي يصل إلى 45 مليار برميل (أي ما يعادل ثلث احتياطي البلاد)، أزمة مستمرة بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد. وتعتبر الحكومة المركزية العقود التي أبرمها الإقليم مع الشركات الأجنبية، دون موافقة وزارة النفط في بغداد، غير شرعية، كما يعد تصدير نفط الإقليم إلى تركيا عملية «تهريب».

وترى رئيسة شركة «كورك» أن الخلافات بين الإقليم وبغداد التي تشمل مناطق متنازعا عليها تمتد على الحدود مع إيران (شرقا) وأخرى إلى جانب سوريا (غربا)، تمثل «حوارا ديمقراطيا صحيا»، بينما يرى مسؤولون ومحللون أنها تشكل أكبر تهديد على الاستقرار في البلاد.

ولا يدعو الخوض في الأعمال التجارية في أربيل، إلى القلق. ويقول عبد الكريم إنه يريد شراء شاحنة صغيرة يصل سعرها إلى 24500 دولار. أما صاحب الوكالة هونار مجيد فيبدو متفائلا في بقاء أسعار السيارات التي يملكها على حاله.

ويؤكد عبد الكريم الذي كان يرتدي الزي الكردي «في الماضي، الحياة كانت صعبة، لم أكن أستطيع أبدا أن أدفع قيمة هذه الشاحنة»، مؤكدا «لكن الآن، كل شيء أصبح أفضل».