تراجع المؤشرات الاقتصادية في لبنان والأردن بسبب أزمة سوريا وعبء اللاجئين

أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان.. و650 ألفا في الأردن

فقدت الليرة السورية 77% من قيمتها منذ بداية الأزمة السورية وهي مرشحة لمزيد من التراجعات وتوقعات ببلوغ سعر الدولار الواحد 300 ليرة قريبا («الشرق الأوسط»)
TT

أكد تقرير اقتصادي أعدته منظمة «الإسكوا» في بيروت أن العلاقة بين الاقتصادين اللبناني والسوري علاقة وثيقة جدا، انطلاقا من تقديرات تشير إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 31 في المائة في عام 2012 و7 في المائة منذ بداية 2013، ويمكنها أن تفسر جزءا من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من 7 في المائة قبل الأزمة السورية إلى 1.5 في المائة عام 2011، و1.2 في المائة في عام 2012.

وقالت «الإسكوا»، استنادا إلى بيانات من مصادر رسمية وأخرى غير رسمية وإلى متابعة خبرائها، إن عدد السوريين الموجودين في لبنان اليوم تخطى عتبة المليون نازح، انطلاقا من وجود 300 ألف عامل سوري قبل بدء الأزمة السورية، استقبلوا عائلاتهم مع تفاقم الوضع في سوريا. وأشارت إلى أن 71 في المائة من السوريين في لبنان، يعيشون في ظروف سيئة تحت خط الفقر، متطرقة إلى حجم التحديات التي يواجهها لبنان، خصوصا في مجالات الديموغرافيا والصحة والتعليم وفرص العمل والبطالة.

وتظهر بيانات «الإسكوا»، التي عرضت في مقرها في بيروت، أول من أمس، خلال مؤتمر بعنوان آثار الأزمة السورية على الاقتصادين اللبناني والأردني، بحضور وزير الاقتصاد اللبناني نقولا نحاس ووزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني إبراهيم سيف، مدى الترابط القائم بين الاقتصادين اللبناني والسوري، والسوري والأردني، حيث سجلت غالبية المؤشرات الاقتصادية انخفاضا ملحوظا.

وفيما يتعلق بسوريا، توقع رئيس قسم التحليل الاقتصادي في «الإسكوا» محمد هادي بشير، خلال الجلسة الأولى من المؤتمر، بإدارة كبير الاقتصاديين ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في «الإسكوا» عبد الله الدردري، أن يؤدي استمرار الأزمة إلى خسارة سوريا نحو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأشار إلى أن معدل البطالة المتوقع خلال عام 2013 يلامس عتبة 45 في المائة، بينما يتراوح مستوى العجز في الميزانية بين 14 و15 في المائة.

وأوضح بشير أن «القطاعات الاقتصادية السورية تأثرت كلها بالأزمة، لا سيما مع وصول نسبة الانكماش الاقتصادي إلى مستوى مرتفع جدا (31 في المائة)». وثمة تراجع ملحوظ على صعيد القطاعات الأساسية، ويعد قطاع الصناعة من أكثر القطاعات تأثرا، إذ انخفضت مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي من 7 في المائة عام 2010 إلى 2 في المائة عام 2013، وفق تقديرات «الإسكوا»، مقابل تقديرات بمساهمة قطاع الزراعة بنسبة 27 في المائة عام 2013، مقابل 17 في المائة عام 2010.

وأوضح بشير أن تأثر قطاعي النفط والغاز اقتصر على الإنتاج، وليس على رأس المال، لافتا إلى انخفاض إنتاج سوريا بنسبة 95 في المائة منذ بدء الأزمة، وفي حين كان يساهم بـ13 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، تتوقع تقديرات أن يساهم عام 2013 بنسبة 3 في المائة فقط.

وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية، تفيد تقديرات «الإسكوا» بأن معدل البطالة الذي سجل نسبة 44 في المائة عام 2012 سيرتفع إلى 49 في المائة عام 2013، وهو مرشح لبلوغ عتبة 65 في المائة، إذا استمر النزاع حتى عام 2015. وفي حين بلغ معدل التضخم نسبة 51 في المائة عام 2012، تفيد التقديرات بارتفاع نسبة العجز الناتج المحلي الإجمالي من 14.5 في المائة عام 2012، إلى 21.4 في المائة عام 2013.

من جهة أخرى، قالت الخبيرة في «الإسكوا» ساندرا سنو، في تقرير عرضته خلال المؤتمر يشرح تأثير أزمة سوريا على لبنان، إن «عدة قطاعات تأثرت في لبنان، أبرزها التجارة والسياحة والقطاع العقاري والقطاع المالي والمصرفي. ولم تستبعد أن تؤثر الأزمة السورية سلبا على الناتج الإجمالي المحلي اللبناني الذي تتفاوت التقديرات بشأن نموه بين 1.8 في المائة (الإسكوا)، و2.5 في المائة، بحسب صندوق النقد الدولي، وما بين 2 و4 في المائة، بحسب مصرف لبنان المركزي.

وأشارت سنو إلى أن معدل التضخم لم يتأثر بالنازحين السوريين، بينما يواصل الميزان التجاري مراوحته في خانة العجز، حيث تفيد تقديرات البيانات للفترة بين 2008 و2013 بأن الميزان التجاري في حالة عجز تتراوح بين 30 في المائة و40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وساهمت الأزمة السورية في زيادة هذا العجز، بسبب توقف خطوط الترانزيت عبر سوريا.

وعلى صعيد السياحة، انخفض عدد الوافدين إلى لبنان بنسبة 24 في المائة بين عامي 2010 و2011، ثم انخفضت 18 في المائة بين 2011 و2012، نظرا للتطورات الإقليمية وعدم الاستقرار المحلي، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى انخفاض عدد السياح العرب، إضافة إلى تحذيرات دول الخليج على خلفية تداعيات الأزمة السورية، علما بأن أكثر من 35 في المائة من الوافدين إلى لبنان يأتون من الدول العربية. وتشير تقديرات «الإسكوا» إلى تراجع أكبر عام 2013 بنحو 25 في المائة، وإذا كانت السياحة تساهم بما نسبته بين 10 في المائة و12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن تأثير مثل هذا الانخفاض يمكن أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة 2.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي.

وأوضحت سنو أن تدفق أعداد كبيرة من السوريين أدى إلى زيادة الطلب على المساكن، وفرض ضغطا تصاعديا على الإيجارات، وبنسبة أقل، على أسعار العقارات.

لم يتأثر القطاع المصرفي اللبناني عمليا بالأزمة السورية. وعلى الرغم من تقديرات تشير إلى دخول أموال سوريا بقيمة 11 مليار دولار إلى المصارف اللبنانية، لكن لم يدخل أكثر من مليار دولار أميركي في الاقتصاد اللبناني جراء الاستهلاك. ويقدر مصرف لبنان خسائر المصارف اللبنانية العاملة في سوريا بقيمة 400 مليون دولار (وهو ما يشكل 18.7 في المائة من إجمالي أرباح القطاع المصرفي).

من ناحيته، قال وزير الاقتصاد اللبناني في حكومة تصريف الأعمال نقولا نحاس إن «العلاقة بين الاقتصادين اللبناني والسوري علاقة طبيعية جغرافية نشأت عبر التاريخ، ومرت بمراحل تكامل وتشنج ثم قطيعة»، معتبرا أن «المشهد اليوم مختلف، لأن الوضع في سوريا ديناميكي ويتغير ميدانيا».

وتحدث عن أربعة جوانب في العلاقة مع سوريا: «التبادل التجاري، الترانزيت، الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين والمناخ العام حيث تشيع الأزمة السورية مناخا مؤثرا على اقتصادات المنطقة».

وفي موازاة إشارته إلى ثقل عبء النزوح السوري، وما يخلقه من ضغط على المرافق ويسبب توترات في بعض المناطق، لم ينكر نحاس دخول استثمارات سورية إلى لبنان من خلال العقارات ووجود المتمولين السوريين.

من ناحيته، قال وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني إبراهيم سيف إن أكثر من 650 ألف لاجئ سوري وصلوا إلى الأردن، منهم أكثر من 136 ألفا توزعوا في المخيمات والباقي في المدن والقرى. وأعلن أن الأعباء تتزايد على الحكومة الأردنية وعلى المجتمعات المضيفة في الأردن، حيث تقدر التكلفة المباشرة لاستضافة نحو 650 لاجئا سوريا على الحكومة الأردنية نحو 468 مليون دينار.

كما في لبنان، كذلك في الأردن، تأثرت قطاعات الصحة والتعليم من جراء الطلب المتزايد، كما ارتفعت أسعار الفواكه والخضار مع عدم المساواة بين العرض والطلب، وارتفعت أسعار العقارات نظرا للطلب على الإيجارات. كما فاقم وجود النازحين من أزمة النقص الكبير في الموارد المائية.