مختصون: التبادلات الاقتصادية بين السعودية ودول أوروبا الشرقية تبقى ضعيفة

أكدوا أن حجمها لا يعبر عن إمكانات الفرص الاستثمارية المتاحة

جانب من الإنشاءات التي تشهد فورة في بولندا، التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا الشرقية بعد روسيا
TT

أقر مختصون في العلاقات الاقتصادية السعودية الشرق أوروبية لـ«الشرق الأوسط» بفتور هذه العلاقات تجاريا واستثماريا، مطالبين بضرورة بحث المعوقات التي تعتريها.

وشدد بعض رؤساء مجالس أعمال سعودية على أن العلاقات الاقتصادية بين السعودية ودول شرق أوروبا على حداثتها إلا أنها تنمو ببطء، معزين ذلك لتدني الإدراك بإمكانات البلدين لدى مجتمع الأعمال والفرص المتاحة، في ظل غياب الرؤى الاستراتيجية.

وتشمل قائمة أهم مجالس الغرف السعودية التي لها علاقات مع دول شرق أوروبا، مجلس الأعمال السعودي الأوكراني ومجلس الأعمال السعودي البولندي ومجلس الأعمال السعودي التشيكي ومجلس الأعمال السعودي الروسي ومجلس الأعمال السعودي الكازاخستاني.

وتواجه بعض اقتصادات أوروبا الشرقية، وخصوصا الصغرى، أزمة كبيرة جراء الأزمة المالية العالمية، خصوصا على صعيد قطاع العقار الذي واجه في لاتفيا قدرا من التدهور، حيث سعت بنوكها إلى الاقتراض من المصارف السويسرية.

وكانت بعض البلدان الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية واجهت مخاطر كبيرة في فترة الاضطرابات المالية لسببين، أولهما أن الاستثمارات الأجنبية الضخمة عمقت الخلل في الميزان التجاري، وثانيهما أن المصارف المركزية أقل قدرة على حشد الطاقات المالية المستخدمة في الاقتصادات الكبرى في الغرب.

من ناحيته أكد عبد الله المليحي رئيس مجلس الأعمال السعودي السنغافوري: «تجيء أهمية التحول إلى اقتصاد السوق من وجهة خليجية، بالنظر إلى محدودية فرص التعاون والاستثمار والتجارة بين المجموعتين إبان سيطرة اقتصاد الدولة والنظم الاشتراكية بصورتها المتطرفة نسبيا من قبل، ذلك أن التحول إلى اقتصاد السوق فتح أبوابا من أنواع وفرص التبادل التجاري والاستثمار والتعاون في مجالات اقتصادية شتى. وعلى الرغم من اهتمام الخليجيين بالدول الأوروبية الشرقية، سواء في الوفود التجارية الزائرة المتبادلة بين الطرفين، أو في الحركة السياحية إلى دول أوروبا الشرقية، أو في حجم الصادرات والواردات، غير أن حجم التبادلات التجارية والمشاريع المشتركة بين المجموعتين، مجلس التعاون وأوروبا الشرقية، يبقى صغيرا مقارنة بحجم تبادلات مجلس التعاون مع دول أوروبا الغربية».

ووفق المليحي فإن هذا الحجم الضعيف لا يعكس الإمكانات الاقتصادية والفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة بين هذه الدول، مبينا أن الصادرات السعودية إلى بولندا تبلغ نحو 536 مليون ريال (142.9 مليون دولار)، في حين تبلغ الواردات السعودية من بولندا نحو 1.8 مليار ريال (480 مليون دولار) في عام 2011، مشيرا إلى أن بولندا تعتبر أكبر ساحة للتشييد والبناء في أوروبا.

وأوضح أن نطاق تبادل حركة الوفود التجارية بين كبرى دول شرق أوروبا كبولندا وهنغاريا ومجلس التعاون اتسع في الأعوام الأخيرة، حيث تضم وفود شرق أوروبا كما في وفود الدول الأخرى عددا من أصحاب الأعمال وممثلي الشركات الكبرى وصناع القرار الاقتصادي.

وأضاف أن هذه الوفود تسعى إلى ترويج فرص استثمارية والتعريف بمجالات التعاون وتعزيز فرص الاستثمار وإقامة الفعاليات وتشجيع شركات تلك الدول للاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم والسياحة والطاقة المتجددة والقطاعات المختلفة كافة، مشيرا إلى اهتمام تلك الوفود بتكوين تحالفات وشراكات تجارية واستثمارية، ووضع خارطة طريق بين منشآت القطاع الخاص.

وقال رئيس مجلس الأعمال السعودي السنغافوري: «لبعض دول شرق أوروبا أهمية جغرافية، فمثلا تقع هنغاريا في جنوب مجموعة شرق أوروبا، وهذا الموقع الجغرافي يسهل على رجال الأعمال السعوديين الوصول إلى بقية دول شرق أوروبا».

ولفت إلى أن هنغاريا تتمتع بتوافر موارد مائية طبيعية عدة، ما يساعدها تجاريا على التنوع الزراعي وإنتاج الطاقة الكهربائية، مبينا أن الناتج الإجمالي للبلاد بلغ في عام 2011 أكثر من 140 مليار دولار، وبلغت صادراتها إلى السوق العالمية 103 مليارات دولار، بينما شكلت الأجهزة والمعدات 55,3 في المائة منها، والمنتجات الصناعية شكلت 30,6 في المائة منها، والمنتجات الغذائية شكلت 7,4 في المائة.

ووفق المليحي فإن واردات هنغاريا بلغت عام 2011 قرابة 94 بليون دولار، شكلت الأجهزة والمعدات 44,7 في المائة، والمنتجات الصناعية بنسبة 41,4 في المائة، والمواد الخام والمنتجات الغذائية بنسبة 6,7 في المائة، بينما يشكل القطاع الصناعي 31,3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، و30,6 في المائة من صادرات البلاد.

وبالمقابل فإن بولندا تتمتع بموارد طبيعية وزراعية وصناعية كبيرة، محققة نموا اقتصاديا يعد أحد الأعلى بين دول أوروبا، دفع بها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، مشيرا إلى أن حجم اقتصادها يقارب حجم الاقتصاد السعودي، أي قريبا من تريليون دولار.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد البولندي يعد ثاني أكبر اقتصاد شرق أوروبي بعد الاقتصاد الروسي من حيث الترتيب، فإن حجم التبادل بين السعودية وبولندا وفق المليحي أقل من 20 في المائة من حجم التبادل مع دولة أوروبية غربية كبرى.

ومع ذلك فإن المليحي يعتقد أن الفرصة لا تزال مهيأة لزيادة حجم التبادل بين البلدين، مبينا أن أوروبا الشرقية تملك موارد اقتصادية هائلة، بجانب موارد بشرية ماهرة، مشيرا إلى أنها الأرخص نسبيا من دول أوروبا الغربية، مشددا على ضرورة أن تزيد دول الخليج من اغتنام الفرص والاستفادة من هذه الموارد.

وفي هذا السياق قال الدكتور ياسر الحربي رئيس مجلس الأعمال السعودي البولندي: «إن طبيعة وشكل العلاقات الاقتصادية التجارية بين السعودية ودول شرق أوروبا تعتبر جديدة، غير أنها تنمو ببطء، وذلك لتدني الإدراك بإمكانات البلدين لدى مجتمع الأعمال والفرص المتاحة».

ومع ذلك أكد الحربي أن المشاركة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين السعودية ودول شرق أوروبا بات أمرا مهما جدا لفتح أسواق جديدة للبلاد، مشيرا إلى أن بعض هذه الدول حافظ على نمو اقتصادي مضطرد مع خفض العجز والديون في ذروة الأزمة الاقتصادية التي عاشتها دول وسط وغرب أوروبا.

وأوضح أن هناك مجهودا تبذله السعودية لخلق نوع من العلاقات الاقتصادية مع تلك الدول، من خلال الدور الذي تلعبه مجالس الأعمال السعودية التي تنضوي تحت مظلة مجلس الغرف، مبينا أن دورها تعاظم في الفترة الأخيرة من خلال التعريف ونشر الوعي بالمزايا التنافسية في تلك البلاد، مقرا في الوقت نفسه بحزمة من التحديات والمعوقات التي تحول دون تحقيق إنجازات ضخمة، غير أن العمل على تذليلها مستمر والأمل موجود.

أما على صعيد المعوقات التي تواجه رؤساء الأعمال السعوديين في تلك البلاد وفق الحربي، فتتلخص في صعوبة التفاهم من حيث اللغات بين الجانبين، مؤكدا أن اللغة أكبر عائق، يليه الاختلاف الثقافي والبعد الجغرافي وعدم وجود رحلات طيران مباشرة، مشيرا إلى أن مجالس الأعمال السعودية تطالب الجانب الحكومي بإلحاح بضرورة المساهمة في حل تلك المعوقات.

وفي الإطار نفسه وافق محمد الحمادي رئيس مجلس الأعمال السعودي المغربي المليحي في ما ذهب إليه بضرورة تطبيق تفاهمات تجارية جرت بين عدد من دول مجلس التعاون وعدد من دول أوروبا الشرقية، مثل التفاهم الذي تم بين السعودية وبولندا عام 2006. واتفق مع المليحي على أهمية تعزيز نفاذ الصادرات السعودية لأسواق أوروبا الشرقية الحية، مثل السوق البولندية، مع تفعيل دور سفارتي البلدين في مجال تبادل المعلومات بشأن الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة في البلدين، وتنشيط تبادل هذه المعلومات عبر الموقع الإلكتروني لمجلس الأعمال الذي اتفق على إنشائه»، مشيرا إلى أنه من أمثلة ما تم التفاهم عليه إقامة معارض للمنتجات السعودية في بولندا.