بروكسل تراقب تداعيات مظاهرات ضد الفساد في إسبانيا

محاولة إسقاط الحكومة في إيطاليا

متظاهرون في مدريد يطالبون بالقضاء على الفساد حاملين صورا لرئيس الوزراء الإسباني ماريو راخوي والأمين العام مايا دولوريس (أ.ف.ب)
TT

أدت المظاهرات التي شهدتها إسبانيا أخيرا على خلفية أزمة فساد، والتهديدات بإسقاط الحكومة في إيطاليا بسبب محاولة سحب الثقة من وزير الداخلية، إلى إثارة المخاوف لدى الكثير من الأوساط الأوروبية من تأثيرات ذلك على الأسواق المالية والوضع الاقتصادي.

فقد اندلعت مظاهرات في إسبانيا احتجاجا على ادعاءات الفساد التي يتهم بها كبار المسؤولين في حزب الشعب الذي يشكل الحكومة الحالية. وأوضحت مصادر الشرطة إسبانية، أن 14 شخصا من بينهم 7 من الشرطة، أصيبوا بينما اعتقلت الشرطة 5 أشخاص، في الاحتجاجات التي استمرت حتى منتصف الليل في العاصمة مدريد ومدينة فالينسيا. وكانت التحقيقات قد أظهرت أن المسؤول المالي السابق لحزب الشعب الحاكم «لويس برثيناس» المتهم بالفساد، اعترف بتورط رئيس الوزراء الإسباني «ماريو راخوي» وبعض الإداريين رفيعي المستوى في الحزب معه بنفس القضية.

وفي روما دعا الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو إلى تفادي المغامرة، بإيجاد فراغ سياسي أو إسقاط الحكومة، مؤكدا ضرورة استمرار حكومة رئيس الوزراء إنريكو ليتا، ذات التآلف الموسع بين الحزب الديمقراطي متزعم يسار الوسط، وحزب برلسكوني شعب الحريات متزعم يمين الوسط. وأكد نابوليتانو، خلال مراسم اختتام أعمال البرلمان عشية العطلة الصيفية السنوية، ضرورة استمرار الحكومة الحالية في تحقيق التزاماتها، معتبرا أن تعطيلها سيلحق الضرر بالبلاد على صعيد العلاقات الدولية والأسواق المالية، وسينعكس هذا الضرر على الفور، وقد يكون من المستحيل تجاوزه، ورأى أن يستمر تركيز الاهتمام على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيطاليا.

جاءت دعوة الرئيس الإيطالي على أثر تصاعد الجدل والتوتر بسبب قضية ترحيل زوجة المعارض الكازاخي وابنتها ذات السنوات الست إلى كازاخستان، مما اعتبرته أصوات معارضة مخالفا للقواعد الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي تحظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه إلى الملاحقة والتهديد. وتفاقم الوضع عند الاستعداد للتصويت في البرلمان على سحب الثقة عن نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية أنجيلينو الفانو.

وهدد حزب برلسكوني بإسقاط الحكومة في حال سحب الثقة أو إجبار الفانو على الاستقالة. ودعا الرئيس نابوليتانو إلى عدم الربط بين قضايا لا رباط بينها مثل الحديث عن علاقة القضايا التي يتهم فيها رئيس الوزراء الأسبق سلفيو برلسكوني ومستقبل الحكومة الحالية. وقالت مصادر بروكسل إن المؤسسات الاتحادية تتابع التطورات عن كثب، وتأمل في أن تنتهي الأمور دون تطورات تؤثر سلبا على الوضعية الاقتصادية والأسواق المالية. من جهة أخرى، سيقوم المصرف المركزي الأوروبي بتوسيع قائمة الضمانات التي يقبل بموجبها عمليات الإقراض كما سيتم تسهيل حصول المصارف في منطقة اليورو على السيولة، مما سيسهل عمليات الإقراض للشركات المتوسطة والصغيرة من جانب المصارف، وحسب ما ذكرت «يوورونيوز» الأوروبية في بروكسل، الإجراء يتضمن قبول المركزي الأوروبي لقيم أقل لبعض الموجودات المالية كضمان من المصارف المقرضة. وأضافت المصادر نفسها أن حجم الموجودات الذي يشكل ضمانا للمركزي الأوروبي سجل ارتفاعا، حادا خلال ست سنوات منذ عام ألفين وسبعة، إذ قفز من تسعة مليارات وأربعمائة مليون يورو، إلى أربعة عشر مليارا وخمسمائة مليون يورو. وبالتزامن مع ذلك، أظهرت إحصاءات أصدرها مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات) اليوم تسجيل الحساب الخارجي للاتحاد فائضا بلغ 29.1 مليار يورو خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالعجز الذي شهده في الفترة ذاتها من عام 2012 الماضي والذي كان يقدر بنحو 1.5 مليار يورو. ولفتت الإحصاءات إلى أن الفائض مع الولايات المتحدة بلغ 29.0 مليار يورو، وسويسرا 15.9 مليار، والبرازيل 8.1 مليار، وهونغ كونغ 7.9 مليار، وكندا 5.0 مليار، والهند 0.3 مليار، أما العجز مع الصين فقدر بـ25.7 مليار يورو، وروسيا 18.0 مليار يورو، واليابان 2.4 مليار يورو. كما بينت انخفاض حساب السلع بشكل كبير خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 0.1 مليار يورو مقارنة بـ2.8 مليار يورو، في حين انخفض فائض حساب الدخل بدرجة بسيطة إلى 15.9 مليار يورو مقارنة بمبلغ 17.7 مليار التي كان عليها. بينما بقي فائض حساب الخدمات مستقرا تقريبا عند 32.4 مليار يورو مقارنة بـ13.9 مليار وحساب التحويلات الحالية على 19.0 مليار مقارنة بـ18.4 مليار. ويأتي ذلك بعد أن وافق المجلس الأوروبي على مشروع موازنة الاتحاد الأوروبي للعام المقبل، والتي وصلت إلى أكثر من 142 مليار يورو. وقال بيان أوروبي صدر ببروكسل، إن مجلس السفراء الممثلين للدول الأعضاء وافقوا على مشروع الموازنة التي تعد الموازنة السنوية الأولى في الإطار المالي المتعدد السنوات لفترة ما بين 2014 و2020، والذي جرى التوصل إلى اتفاق سياسي بشأنه بين المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، ويتعين الآن اعتماد الموازنة من جانب المجلس الأوروبي رسميا في مطلع سبتمبر (أيلول) ويحترم بنود الاتفاق الأخير مع البرلمان فيما يتعلق بالإنفاق مع الحفاظ على الهوامش المناسبة لتلبية الاحتياجات المحتملة، ويتضمن مشروع الموازنة للعام القادم ترك هامش يصل إلى ما يقرب من 770 مليون يورو.. ففي بيان صدر ببروكسل، رحبت فعاليات داخل البرلمان الأوروبي بمقترح للمفوضية بإنشاء مكتب المدعي العام الأوروبي، وحث تكتل الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية، حكومات الدول الأعضاء على الموافقة بسرعة على هذا المقترح، والذي قال عنه يانس جاير مسؤول ملف الموازنة في التكتل البرلماني، إن تأسيس هذا المكتب يعني توسيع إمكانيات المواجهة عبر الحدود ضد التزوير، حيث لا يسمح المكتب الأوروبي الحالي لمكافحة الغش بإجراء أي تحقيقات جنائية، وفي أحيان كثيرة لا تتابع سلطات التحقيق في الدول الأعضاء توصيات المكتب، وإن تأسيس الادعاء العام الأوروبي يشكل خطوة إلى الأمام على طريق مكافحة الغش في موازنة الاتحاد الأوروبي، وجاء في البيان: «الاشتراكيون والديمقراطيون سبق أن طالبوا بإنشاء مثل هذا المكتب لأنه سيسهم في مكافحة الاحتيالات في موازنة الاتحاد، والتي تصل سنويا إلى ما يقرب من نصف مليار يورو، كما أنه ضروري من أجل تعزيز التعاون بين السلطات القضائية في الدول الأعضاء بالتكتل الأوروبي الموحد». واختتم البيان بالقول: «إننا نحث الدول الأعضاء على دعم الاقتراح، وأما البرلمان الأوروبي فهو جاهز للقيام بمسؤولياته في هذا الملف». وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إنها اتخذت إجراء من أجل حماية أموال دافعي الضرائب ضد الاحتيال، وهو طرح مقترح لتأسيس مكتب المدعي العام الأوروبي لتعزيز الضمانات الإجرائية لمكافحة الغش، وستكون المهمة الحصرية في التحقيق والمقاضاة على أن تتم المحاكمة أمام محاكم الدول الأعضاء، ويركز على الجرائم التي تؤثر على موازنة التكتل الأوروبي الموحد، وسيكون المكتب مؤسسة مستقلة تخضع لرقابة ديمقراطية. وقال مانويل باروسو رئيس المفوضية، إن هذا المقترح يؤكد التزام المفوضية بتعزيز سيادة القانون، بل بشكل حاسم تعزيز حماية أموال دافعي الضرائب والتصدي الفعال لعمليات الاحتيال التي تنطوي على أموال الاتحاد الأوروبي كما تدعم الإجراءات الأوروبية التي يجري تطبيقها لمكافحة الغش. وقالت فيفيان ريدينغ نائب رئيس المفوضية، إن الاقتراح يؤكد التزام المفوضية بتطبيق سياسة عدم التسامح مطلقا إزاء حالات الغش في موازنة الاتحاد، وخصوصا أن الأمر يتعلق بأموال دافعي الضرائب وفي ظل المناخ الاقتصادي الحالي، ومن المفترض أن يبدأ المكتب عمله مع مطلع عام 2015. وقال ألجيرداس سيميتا المفوض المكلف مكافحة الغش، إن إنشاء المكتب الجديد يعني حماية موازنة الاتحاد في أولويات العمل، وسوف يسد الفجوة بين أنظمة الدول الأعضاء الجنائية التي تتوقف عند الحدود الوطنية، كما أن المقترحات الجديدة التي قدمتها المفوضية تتضمن إجراءات لجعل إجراءات مكافحة الغش أكثر كفاءة. وكانت المفوضية الأوروبية ببروكسل، قد أعلنت الأربعاء الماضي عن خططها لتأسيس مكتب المدعي العام الأوروبي لحماية المصالح المالية، وتعزيز عمل وكالة العدل الأوروبية (يوروجيست)، وهي الوكالة الأوروبية للتعاون القضائي في المسائل الجنائية. وجاء ذلك في مؤتمر صحافي في مقر المفوضية بحضور فيفيان ريدينغ مفوضة شؤون العدل والمفوض الأوروبي ألجيرداس سيميتا. وقالت المفوضية إن مكتب المدعي العام الأوروبي يأتي تنفيذا للمادة 86 من معاهدة لشبونة بشأن إعادة هيكلة المؤسسات الاتحادية، والمادة 85 بشأن تعزيز عمل «يوروجيست»، وسيكون مكتب المدعي العام الأوروبي مختصا فقط بالتحقيق والملاحقة القضائية وتقديم المتورطين للعدالة في الجرائم التي تؤثر على موازنة الاتحاد الأوروبي. وسيتم إعداد المكتب باستخدام الموارد المتاحة على المستوى الأوروبي بناء على تجربة المكتب الأوروبي لمكافحة الغش والعمل الوثيق مع وكالة «يوروجيست». وكانت المفوضية الأوروبية قد اعتمدت في مايو (أيار) 2011 اتصالات جرت لتحسين القانون الجنائي لحماية المصالح المالية للاتحاد الأوروبي بما في ذلك إنشاء مكتب المدعي العام الأوروبي. وحسب الكثير من المراقبين، في عاصمة أوروبا الموحدة، فان ما حدث هو استحداث لعمل وظيفي قضائي جديد هو مركز المدعي العام الأوروبي الذي سيتولى مع فريق من المدعين العامين قضايا مكافحة المخالفات المالية خاصة والتهرب الضرائبي والفساد وتزوير أو تهريب البضائع عبر بلدان الاتحاد الأوروبي. المفوضة الأوروبية للشؤون العدلية فيفيان ريدينغ قالت إن «نصف مليار يورو تتم خسارتها سنويا بفعل عدم التمكن من ملاحقة المخالفين خارج دولهم وما أقر هو أقل ما يمكن أن نفعله لاستعادة أموال كثيرة». وذكرت تقارير إعلامية في بروكسل، أن بريطانيا كانت قد أبدت حذرها التقليدي تجاه المبادرات التي توحد عمل وسلطة القضاء الأوروبي من خلال مؤسساته الرسمية، أما المدعي العام الأوروبي فسيعاونه مدعون عامون من كل بلدان الاتحاد.