مختصون يثيرون سجالا حول شرعنة استثمار صناديق الزكاة

استحسنوا إطلاق مبادرات بتسييل الأصول المستثمرة بسند شرعي

TT

أثار مهتمون بالشأن الزكوي سجالا حول إمكانية شرعنة استثمار صناديق الزكاة في البلاد الإسلامية بالإجماع، مؤكدين أن هناك خلافا بائنا في الاتجاه بأموال الزكاة نحو هذا المنحى من الناحية الشرعية.

ومع ذلك رأوا بأهمية إطلاق مبادرات، من شأنها تسييل الأصول المستثمرة، إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم، مع ضرورة التحقق من جمع تلك الأموال والتصرف فيها، وفق ما تمليه بعض القوانين الاقتصادية أو الاجتماعية المنسجمة مع قوانين الشريعة الإسلامية.

وفي هذا السياق، أصر عبد الله براهيمي، المهتم بالشأن الاقتصادي الزكوي، على أن توزيع جزء من حصيلة الزكاة السنوية استثمارا مسألة خلافية، مبينا أنها تحتاج إلى ضوابط، منها ما أثير في الندوات التي تم تنظيمها بشأن الزكاة كمقصد شرعي، مشيرا إلى أن المسألة المنظورة ليست حادثة فحسب، بل لم يتطرق إليها أحد بالبحث والدراسة ولا حتى برأي محرر.

واستند في حديثه على إفادات الدكتور نايف العجمي العضو بهيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الكويت، حيث قال: «تتبعت الكتابات والدراسات التي تناولت مسائل الزكاة المعاصرة، فلم أجد أحدا تكلم في مسألتنا هذه، وهو يقصد استثمار أموال الزكاة، كما لم أظفر بعد طول بحث برأي أو فتوى بشأنها سوى فتوى بالجواز صدرت عن لجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف الكويتية».

وأكد أنه لا تتوافر وجوه صرف عاجلة، تقتضي التوزيع الفوري لأموال الزكاة، مبينا أن الصعوبة تكمن في إمكانية استثمار أموال الزكاة كغيرها من الأموال بالطرق المشروعة.

وشدد براهيمي في هذه الحالة على ضرورة أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة، وكذا ريع تلك الأصول، مشيرا إلى أهمية إطلاق المبادرات بشأن تسييل الأصول المستثمرة، إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم.

ولفت إلى أهمية بذل الجهد للتحقق من كون الاستثمارات، التي ستوضع فيها أموال الزكاة، مجدية ومضمونة وقابلة للتسييل عند الحاجة، مع ضرورة أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها، لمراعاة مبدأ النيابة الشرعية، مع أهمية أن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاءة والخبرة والأمانة.

ويرى براهيمي أن ربط التجربة الجزائرية لصندوق الزكاة الجزائري بمسألة نازلة، وهي استثمار أموال الزكاة، أمر لا يعزز ولا يخدم مسيرة الصندوق، لأن الأمر برأيه يتطلب فهما واسعا وإدراكا عميقا للثابت والمتغير في ركن الزكاة، مع ضرورة الإلمام الشامل بمقاصد هذه العبادة المالية، بغية الوصول إلى رأي راجح، يحقق المقاصد ويستقر عليه العمل الزكوي.

وقال: «إن الدولة قادرة اليوم إذا رغبت على فتح قنوات تمويل أخرى دون فائدة، كقرض حسن للشباب العاطل المؤهل، وهي ليست في ضائقة حتى لا تضيق على الصندوق، وتطمع في تخصيص ما نسبته 37.5 في المائة من حصيلة زكاة الأموال»، داعيا إلى إصدار قانون خاص بالزكاة في الجزائر.

واختلف خبير الاقتصاد الإسلامي الدكتور محمد بوجلال من الجزائر مع براهيمي في ما ذهب إليه من قول في هذا الشأن بالإشارة إلى التجربة الجزائرية في هذا المجال، مؤكدا أن القروض الحسنة الموزعة من طرف صندوق الزكاة على فقراء المسلمين مكن من استحداث أكثر من 20 ألف منصب شغل في بلاده، وأخرج المئات من الشباب من حالة الفقر التي ألمت بهم.

وقال: «إن الأموال المسترجعة توزع على فقراء آخرين وهكذا، أي أننا استطعنا من خلال القرض الحسن أن نرتقي بمفهوم الفقر من الفردانية إلى الجماعية، والظاهرة الجماعية لا بد لها من حلول جماعية»، مؤكدا أن ذلك انعكس إيجابا على المستفيدين من القرض الحسن.

وأضاف بوجلال: «إننا نقسم موارد الزكاة إلى توزيع استهلاكي وآخر استثماري، والشاب الفقير حر في أن يأخذ مبلغا زهيدا يتملكه كمصروف شهر على الأكثر، لأن الحصيلة ليست كبيرة، أو قرضا حسنا معتبرا يمكنه من إطلاق مشروعه الإنتاجي. واشترط في هذه الحالة أن يسدد المستفيد المبلغ لاحقا عندما ينضج مشروعه، وتوجه الأموال المستردة إلى فقير آخر، وهكذا دواليك»، لافتا إلى أن هذه خصوصية جزائرية بدأت تعطي ثمارها.

محمد الحمادي المهتم بصناعة مصرفية الصناديق الإسلامية، اتفق مع براهيمي في أن مسألة الإقراض من صندوق الزكاة مسألة خلافية، مبينا أن من أجاز الإقراض وضع ضوابط، مشيرا إلى أنها لا تخرج مطلقا من مصارفها المشروعة، مشيرا إلى أنه في حالة توزيع أموال صناديق الزكاة، وفق ما يسمى بالقرض الحسن، فإنه ليس من آلية تؤمن «أيلولة» هذا إلى شخص ممن تجوز فيهم زكاة الأموال.

وذهب الحمادي إلى ما ذهب إليه براهيمي في أنه عند تقديم الزكاة كقرض حسن فستقدم لشاب فقير عاطل ممن له مؤهلات، ولا يود التعامل بالفائدة عند الاقتراض والبدء في مشروعه، لافتا إلى أن توزيع الزكاة استثمارا يحتاج إلى تضييق وإلى ضوابط صارمة تحفظ حصيلة الزكاة وتوجهها نحو مستحقيها.

وأكد أن التجربة التي خاضها صندوق الزكاة الجزائري في هذا الشأن تتحدث عن تجربة توزيع جزء من حصيلة الزكاة استثمارا، ولكنها لم تتحدث عن مشروعيتها ومحدداتها الشرعية، مبينا أن التجربة تحتاج إلى تأطير وضبط، مشيرا إلى أن عليها مآخذ حتى من قبل العاملين في الصناديق الزكوية بشكل عام.

وقال الحمادي: «على الرغم من أن مسألة الحديث عن استثمار الصناديق الزكوية في بعض البلاد الإسلامية، أخذ حيزا من الحديث إلى حد ما، إلا أن الخلاف لا يزال قائما حول الآلية الشرعية لتوزيع أموال الزكاة بطرق شتى من حيث مدى إجازتها شرعا، مع التعامل بهذه الأموال المجمعة بطرق الاستثمار الحالية، والمتمثلة في القروض الحسنة وغيرها في نفس الوقت».

كما تساءل براهيمي: «هل شرعا يحق جمع تلك الأموال والتصرف فيها حسب ما تمليه بعض القوانين الاقتصادية أو الاجتماعية، باعتبار أن تلك الأموال ملك للفقراء والمساكين وغيرهم في الأساس وفق النص القرآني: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها)؟»، مستصعبا فكرة التصرف فيها دون استناد شرعي مجمع عليه. هذا مع جزمه بأنه في حالة عدم وجود من تجوز فيهم الزكاة مع استحالته فإن صرفها يكون في منافع خيرية عامة، مثل بناء مدارس ومستشفيات وحفر آبار وترميم طرقات، مبينا أن هذه المصارف متعددة في الوقت الحاضر، مثل تهيئة الأحياء وإيصال الكهرباء والغاز، وترميم قنوات الصرف الصحي وغيرها.