قفزة في التبادل التجاري بين الخليج ودول آسيا الناشئة

صادرات مجلس التعاون إليها زادت من 15 إلى 43% خلال الـ23 عاما الماضية

أصبح الطلب الآسيوي على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة النفط هو الأهم
TT

يشهد مركز الاقتصاد العالمي نقلة سريعة نحو اقتصادات الشرق، حيث إن النمو العالمي خلال العقد الماضي كان مدفوعا من دول آسيا الناشئة التي كانت ولا تزال المصدر الأساسي للنمو، وهو ما يشير إلى تغييرات هيكلية في النظام الاقتصادي، تؤثر كذلك على دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. فقد ساهمت زيادة النشاط الاقتصادي في آسيا الناشئة في زيادة الطلب على الطاقة بشكل كبير، مما جعل من دول آسيا الناشئة أهم شركاء تجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي. منذ 1990، كانت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان تستورد 45% من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، بينما كانت تشكل واردات آسيا 15% فقط من الطلب. ولكن بعد 23 عاما فقط، تغيرت هذه النسب بشكل محوري لتصبح دول مجموعة الثلاث (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان) تستورد 23% فقط من إجمالي الصادرات الخليجية، بينما ارتفع حجم الطلب من دول آسيا إلى نسبة 43% من إجمالي الصادرات الخليجية. وتعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، منها انتقال النشاط الصناعي إلى آسيا، وزيادة اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على مصادر الطاقة المحلية، والزيادة الهائلة في بناء البنية التحتية في آسيا، ونمو حجم الطبقة الوسطى فيها.

وبحسب تحليل لشركة «آسيا للاستثمار» المتخصصة في الاستثمار في الأسواق الآسيوية الناشئة، أعده الباحث كميل عقاد، فهذا ليس التغير الوحيد، حيث شهد العالم تغيرا أيضا في هيكل التجارة العالمية. كما تغيرت كذلك مصادر الواردات إلى الخليج؛ حيث أصبحت آسيا الناشئة هي المورد الرئيس لدول مجلس التعاون الخليجي. فقبل 20 عاما كانت دول مجلس التعاون تستورد 15% فقط من السلع من آسيا الناشئة، بينما كانت تستورد أكثر من نصف وارداتها من دول مجموعة الثلاثة (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان)، أما اليوم، فتستورد دول مجلس التعاون من آسيا الناشئة أكثر مما تستورده من مجموعة الثلاث، حيث تفوق وارداتها من آسيا حصة 35% من إجمالي وارداتها. وزاد هذا التوجه خلال العقد الماضي حيث ارتفعت واردات الخليج من آسيا الناشئة بمعدل 15% وانخفضت الواردات من مجموعة الثلاث بمعدل 12% من إجمالي واردات الخليج.

وهناك عدة عوامل تفسر توجه دول مجلس التعاون الخليجي للاستيراد من الشرق؛ فطبيعة اقتصادات الخليج لها خصوصية، حيث إن النشاط الزراعي والصناعي فيها قليل جدا، بينما يتم الاعتماد على صناعات استخراج الموارد في دعم التصدير وبالتالي الحصول على العوائد المرتفعة جدا التي يتم إنفاقها على استيراد جميع أنواع السلع. وتعادل الواردات من الفئات الثلاث الرئيسة؛ وهي السلع المصنعة والآلات ومعدات النقل، 77% من إجمالي واردات الخليج. وتتضمن هذه الفئات سلعا مختلفة مثل الملابس والأجهزة الكهربائية والسيارات وغيرها، وهي التي تأتي غالبا من آسيا في الوقت الحالي. ولا تزال المنتجات المتطورة تكنولوجيا تصنع في الغالب في دول مجموعة الثلاث، إلا أن هذه الصناعة تنتقل تدريجيا إلى الشرق. وفي الاقتصاد الصيني الذي تستورد منه دول الخليج 12% من إجمالي وارداتها، تتضح الظاهرة بشكل جلي؛ ففي العقد السابق، زادت نسبة العمالة الصينية العاملة في قطاع صناعة المنتجات العالية الجودة من 38% إلى ما يقارب 50% اليوم، بينما زادت نسبتهم في قطاع الكومبيوتر والإلكترونيات أربع مرات. كما أن الصين قد تفوقت على اليابان في عدد براءات الاختراع في عام 2010، وتتصدر بلدان العالم بوصفها أكبر مصدر للسلع المصنعة، بنسبة 43% من إجمالي الصادرات، بينما تبلغ حصة الولايات المتحدة 20% فقط من الإجمالي، وحصة أكبر أربعة اقتصادات أوروبية مصدرة للسلع 26%، وحصة اليابان 19%. وتشكل الآلات والسيارات نسبة 47% من الصادرات الصينية. فعند جمع هذه السلع، نرى أن الصادرات الصينية تلبي الفئات الثلاث الرئيسة من الواردات التي تحتاجها دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا الانتقال في مصدر الواردات الخليجية لم ينتج عن تغير متطلباتها، بل عن تطور الصناعة الآسيوية وتوجهها لصناعة متطلبات دول مجلس التعاون الخليجي. والنتائج الاقتصادية والمالية المترتبة على هذا التغير قوية جدا.

يتزايد التعامل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الناشئة، مما يزيد من اعتماد كل من المنطقتين على الأخرى. ولا تنمو هذه العلاقة على أساس المنافسة، بل على أساس التكامل الاقتصادي. فمع انتقال النشاط الصناعي إلى دول آسيا، أصبحت هذه الدول المصدر الرئيس لواردات الخليج. ومع انخفاض احتياجات الولايات المتحدة للطاقة، أصبح الطلب الآسيوي على الصادرات الخليجية هو الأهم، وستستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من هذا الطلب القوي على النفط للعقد المقبل على الأقل. وتشهد كذلك العلاقات والروابط الاستثمارية قوة، حيث يزيد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين المنطقتين، وعدد المشاريع الصناعية التي تكسبها الشركات الآسيوية في المنطقة يتزايد كذلك بشكل كبير. وهذه التوجهات ليست مؤقتة، بل هناك عدة محفزات لاستمرار هذه الشراكة التجارية. وخلال العقدين المقبلين ستتحول آسيا من اعتمادها على التصدير إلى اعتمادها على الطلب المحلي. وسيبدأ الفائض التجاري الآسيوي بالانخفاض، مما يشكل فرصة للدول التي تملك المدخرات مثل دول مجلس التعاون للعب دور رئيس في تمويل النمو الآسيوي مستقبلا، والتأكد من استدامة الطلب العالمي على النفط.