مباني قمم الجبال.. لماذا؟!

سعود الأحمد

TT

التمدد العمراني العشوائي مشكلة عالمية لها آثار سلبية صحية وأمنية واقتصادية! مما يستلزم معالجتها بإطار تنظيمي يحقق مصلحة الأفراد والمجتمعات في الحاضر والمستقبل. فهذه الظاهرة بدأت مشكلتها تتراكم منذ زمن طويل بمعظم دول العالم، وما زلنا نشاهدها تتفاقم دون أي تحرك! ولعله آن الأوان أن يُدق ناقوس خطرها لحث المنظمات الاقتصادية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق الدولي وحقوق الإنسان أن تقوم بدراسة هذه الظاهرة وآثارها السلبية المتضاعفة خاصة على مجتمعات الدول الفقيرة! فالملاحظ على المساكن النائية في الدول المتقدمة أن معظمها تكون بمواقع مغرية. فتجدها تقع على أنهار جارية أو بمنطقة مساحات خضراء طبيعية مميزة وبأجواء جذابة. ورغم بعدها عن المدن، فإنها مكتملة الخدمات الحيوية! إما على حساب الحكومة، بحكم التغطية الشاملة للخدمات الحيوية بهذه الدول أو على حساب ملاك هذه المساكن. لأن غالبية من يبنون مساكنهم في هذه المواقع يكونون من الطبقات البرجوازية، القادرة على دفع تكاليف إيصال الخدمات لمساكنهم. لكنها على النقيض بالدول النامية والفقيرة يكون سكانها من الأسر الفقيرة، ونجدها تفتقر لمعظم الخدمات الحيوية! وكل ذلك بسبب سوء التخطيط وغفلة وتقاعس أجهزة البلديات! لتشكل هذه الظاهرة مشكلة اجتماعية وإنسانية، لها آثار سلبية من عدة نواح! وتجد الدولة تواجه صعوبة في الاختيار.. إما أن تحمل تكلفة اقتصادية عالية وغير مبررة لتوصل لها الخدمات، على حساب مشاريع أكثر إلحاحا! أو تتركها بلا خدمات، وهذا ما يحصل في الغالب مع الأسف! فالواضح أن هناك تمددا عمرانيا عشوائيا بالدول النامية بأماكن غير مؤهلة للسكن! وأقصد بها البعيدة عن الخدمات الحيوية وبالمواقع الوعرة يصعب إيصال الطرق والخدمات الأخرى لها! كالمساكن المبنية على قمم الجبال العالية وتلك المنزوية والنائية عن المدن والطرق الرئيسية. فليس من المعقول أن كل من اشتهى أن يبني له بيتا بمسقط رأسه على قمة جبل في أقصى الدنيا أن تصله الخدمات الحيوية حيثما وجد! إلى درجة أن هناك من يبني فيللات نموذجية وقصورا في الصحراء! ثم يأتي ليطالب بالخدمات إليه! هذه المشكلة نلاحظها بشكل جلي في بعض محافظات دول كاليمن الشقيق. حيث تكثر المباني العشوائية المتناثرة والمتباعدة على الجبال البعيدة عن المدن والقرى، والنائية عن الطرق الرئيسية. يقول أحدهم إننا بعيدون عن الخدمات، إلى درجة أنه عندما يمرض أحد أبناء القرية ننعشه فوق أكتافنا إلى أن يصل إلى أقرب طريق لتحمله سيارات المارة إلى أقرب مركز طبي! وتبعا لذلك، فمعظم أطفال هذه المساكن لا يحصلون على الرعاية التعليمية ولا الصحية! ونظرا لبعد هذه المساكن عن مراكز الشرطة، فإنهم يعتمدون على أنفسهم في تحقيق الأمن لأنفسهم ولأسرهم وممتلكاتهم، مما يستلزم معه اقتناء بعض الأسلحة لمواجهة حالات الطوارئ! وهذا بالطبع يقود إلى أن البعض (قد) يستغل هذه المساكن للمتاجرة وترويج الأسلحة والممنوعات الأخرى؟ هذه المشكلة موجودة لدينا في السعودية ببعض المناطق، وموجودة في مصر والسودان والمغرب وباكستان وربما في معظم الدول العربية والإسلامية. لكن ولأن هذه الظاهرة لا تشكل مشكلة للدول الغنية، فإن المنظمات الاقتصادية الدولية لا تجعلها ضمن أولوياتها لدراستها ومعالجتها! هذه المباني تبنى باجتهادات شخصية غير مرشدة ودون تطبيق لأبسط مواصفات الجودة والسلامة، مع أن بعضها يكلف أصحابه مبالغ تزيد بكثير عن المباني داخل المدن. بالنظر إلى تكاليف النقل والبناء في هذه المواقع النائية! أو تجدها مبنية بمواصفات متدنية جدا، بعضها من الصفيح والزنك والأخشاب الخفيفة التي لا تقي من البرد ولا من الحر. وهي في الحقيقة مجرد حاضنات لأجيال مستقبل تزيد معاناة مجتمعات الدول النامية والفقيرة الفقر والتخلف والجهل. وكل ذلك نتيجة غض البلديات الطرف عنها حتى تفاقمت مشاكلها! ثم يدفع أثمانها أطفال وأجيال (لا ذنب لهم) يولدون ويترعرعون في هذه المواقع وعندما يكبرون يجدون أنفسهم في بيئات متخلفة؟! وختاما... فإنني أدعو المنظمات الدولية المعنية إلى تبني قوانين تمنع بناء المساكن في المواقع البعيدة عن الخدمات. وبهذه المناسبة، لعلي أشيد بفكرة كرسي الأمير خالد الفيصل بجامعة أم القرى الذي أتوقع له أن يساهم في معالجة هذه المشكلة العالمية.

[email protected]