خمس سنوات على الأزمة المالية العالمية.. وأوروبا لا تزال تكافح للتغلب على عواقبها

رئاسة الاتحاد الأوروبي أكدت استمرار تداعيات الركود الاقتصاد العالمي

TT

بعد مرور خمس سنوات على الأزمة المالية العالمية، لا تزال أوروبا تكافح من أجل التغلب على عواقبها. ومع ذلك تتحرك حكومات المنطقة لبيع حصصها في إنقاذ المصارف. ويأتي ذلك في وقت اعترف فيه الاتحاد الأوروبي بزيادة معدلات الشيخوخة وأيضا معدلات البطالة، وحذرت رئاسة التكتل الأوروبي الموحد والجهاز التنفيذي من تبعات هذا الأمر.

كما حذرت منظمات دولية من تزايد أعداد الفقراء في دول الاتحاد الأوروبي وتداعيات ذلك على المستوى الاجتماعي. وفي بروكسل أيضا جرى الإعلان عن قواعد جديدة تتعلق بكيفية إعداد مقاييس أسعار السلع وأسعار الفائدة. وتعتبر المقترحات الجديدة من وجهة نظر الخبراء والمراقبين في عاصمة أوروبا الموحدة بمثابة جزء من طموحات أبعد للاتحاد الأوروبي لفرض رقابة على الأسواق ذات القيمة التريليونية. وفي الوقت الذي يتوقع فيه البعض انكماش الركود الاقتصادي، وأن بعض الدول ستعرف من جديد ارتفاع في معدلات النمو الاقتصادي، فإن دولا أخرى تعلن عن خفض تلك التوقعات، ففي روما على سبيل المثال خفضت الحكومة الإيطالية توقعاتها بالنسبة لنمو الاقتصاد لـ2013، حيث قدرت نسبة الانكماش بـ1.7 في المائة مقارنة مع توقعات سابقة بـ1.3 في المائة قبل ستة أشهر. وفي عام 2014، سيتوقف النمو عند 1 في المائة منخفضا عن نسبة 1.3 في المائة.

رئيس الوزراء إنريكو ليتا حذر من إمكانية أن تقوض التوترات السياسية استقرار حكومة ائتلاف يمين ويسار الوسط، مما قد يفضي إلى الإخفاق في تحقيق هدف الانتعاش الاقتصادي والعقلنة الضريبية. وتترقب الحكومة الإيطالية عجزا في الميزانية باتجاه نسبة 3.1 في المائة من ناتج هذا العام، وفقا للاتجاهات الحالية.

وعقب اختتام قمة مجموعة العشرين الأخيرة قالت رئاسة الاتحاد الأوروبي إنه لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي. وأشار هرمان فان رومبوي، رئيس مجلس الاتحاد، إلى أن القمة الأخيرة التي انعقدت في سانت بطرسبورغ في روسيا هي الرابعة بالنسبة له، لكنها اختلفت عما سبقها، حيث جاء التركيز في القمة الأخيرة على مشاكل الأسواق الناشئة وقرارات السياسة النقدية في الولايات المتحدة وقضايا مالية واقتصادية في اليابان، بينما تراجع تسليط الضوء على منطقة اليورو والأزمة الاقتصادية والمالية للدول الأوروبية، وجاء ذلك في منتصف نقاط الاهتمام بعد أن كان في صدارة الاهتمامات خلال قمم مجموعة العشرين ومجموعة الثماني خلال السنوات الثلاث الماضية.

وقال فان رومبوي في كلمة له أمام منتدى اقتصادي في إيطاليا قبل أيام، نشرتها بروكسل، إن «هذا يشكل خبرا سارا بالنسبة لنا، ويعني الاستجابة بفعالية للأزمة من جانبنا سواء من خلال جهود وطنية جريئة للدول الأعضاء أو من خلال العمل الجماعي، كما أن الصبر والمثابرة أتيا بنتائج ملموسة». وعاد المسؤول الأوروبي ليقول «على الرغم من أن الأسابيع الأخيرة جلبت أخبارا اقتصادية إيجابية بالنسبة لأوروبا وهي متواضعة وهشة في بعض الحالات، فإنه مع ذلك تبقى هناك أرقام إيجابية، خاصة تحسن أرقام النمو في بعض الدول خاصة في البرتغال وارتفاع ثقة المستهلكين والشركات في إيطاليا، وهي كلها أمور بمثابة براعم خضراء ينبغي العناية بها ورعايتها، ولهذا لا بد علينا أن نبقى في حالة تأهب ومواصلة الإصلاحات الجارية حاليا وتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه لأننا ما زلنا بعيدين جدا عن الوضع الذي نريد أن نصل إليه».

وأشار فان رومبوي إلى أنه «لا بد من التفكير استراتيجيا حول أسس النمو المستقبلي في أوروبا، ولهذا علينا التركيز على موارد النمو وفرص العمل في أوروبا من أجل حياة أفضل لمواطنينا واقتصاد يواجه تحديات القرن 21». وأضاف أن «الإنتاجية هي بمثابة المحرك أو الوقود من أجل الانتعاش الاقتصادي»، منوها بضرورة الاهتمام بالابتكار والتقدم التكنولوجي في ظل وجود روح المبادرة ووجود الأسواق. وقال «لا بد من الاستثمار في الابتكار ورأس المال البشري من خلال دعم البحث والتطوير وبراءات الاختراع والاهتمام بالتعليم والتعلم والتدريب». كما تناول ضخامة مشكلة البطالة وحقوق المواطنين في الحصول على وظائف، مؤكدا على أنه من دون الإنتاجية والعمل لا يمكن أن يتحقق النمو.

وقال فان رومبوي «هناك ملحوظة مهمة وهي أن متوسط الأعمار في أوروبا، القارة العجوز، متوقع له الارتفاع خلال ثلاثة أشهر كل عام، وخلال العام الحالي ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فإن عدد السكان الأوروبيين القادرين على العمل يهبط إلى أقل من معدل 300 مليون من بين ما يقرب من نصف مليار نسمة إجمالي تعداد سكان الاتحاد الأوروبي. وبالتزامن مع هذا فإن عدد كبار السن في الارتفاع، وبالتالي سيكون لدينا ثلاثة متقاعدين مقابل كل عشرة عمال. وفي عام 2060 سيكون هناك ستة متقاعدين مقابل كل عشرة عمال».

ودعت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء في التكتل الموحد لأن تكثف من جهود التوظيف لمواجهة البطالة التي وصلت إلى مستويات عالية خاصة بين الشباب. وقال المفوض الأوروبي لاتسيو أندور، المكلف بالشؤون الاجتماعية، في بيان ببروكسل، إن هناك أمورا مشجعة خاصة بعض الدول التي نجحت في الحد من البطالة ولو بشكل موسمي وبنسب قليلة بعد أن حققت نموا اقتصاديا أو حتى في دول أخرى لا تزال تعاني من حالة ركود. وأشار إلى نجاح دول مثل إسبانيا وآيرلندا والبرتغال في الحد من ارتفاع معدلات البطالة. وقال المسؤول الأوروبي من خلال البيان «لكن حدوث هذا الانخفاض الطفيف في معدلات البطالة ببعض البلدان يدلل على أهمية التدابير التي تتخذ في إطار سياسات التشغيل وتنشيطها، ومنها تقديم الإعانات المطلوبة من أجل إعادة تشكيل وتوظيف المهارات، وخدمات التوظيف ذات النوعية الجيدة، وخفض الضرائب على العمالة منخفضة الأجر».

وأضاف أندور بالقول إن التحسن الأخير في المعدلات يكاد يكون معدوما، والوضع لا يزال هشا للغاية، ولا بد من العمل وتكثيف الجهود لخلق الوظائف. وشدد المسؤول الأوروبي على أهمية توسيع وتوحيد السياسات في هذا الصدد مع استمرار الجهود الرامية للتغلب على الأزمة المالية والاقتصادية في منطقة اليورو، والعمل على إحراز تقدم في إصلاح المنطقة بما في ذلك الاتحاد المصرفي، وضبط أوضاع المالية العامة.

واختتم المسؤول الأوروبي بالقول «إن الاتحاد الأوروبي أظهر أنه قادر على العمل الجماعي، ولكن يجب أن نفعل أكثر من ذلك بكثير فهناك حاجة لمزيد من الخطوات الحاسمة بشأن أزمة اليورو والتنفيذ السريع للاتحاد المصرفي وتعزيز البعد الاجتماعي للاتحاد النقدي والاقتصادي». وأوضح المسؤول الأوروبي من خلال البيان أنه من غير المقبول أن يكون هناك ما يقرب من 27 مليونا من الباحثين عن العمل، ولا يزال هؤلاء يبحثون عن وظيفة في الاتحاد الأوروبي، منهم ما يزيد على 19 مليونا فقط في منطقة اليورو، وهناك ما يقرب من 6 ملايين منهم أقل من 25 عاما، منهم ثلاثة ملايين ونصف المليون في منطقة اليورو التي تضم 17 دولة تتعامل بالعملة الموحدة والتي تعاني بعض الدول فيها مما يعرف بأزمة الديون السيادية التي بدأت من اليونان وانتقلت إلى آيرلندا والبرتغال. وهناك دول أخرى تعاني من صعوبات مالية واقتصادية ولجأت إلى طلب المساعدة المالية من صندوق الإنقاذ الأوروبي.