خريج مدرسة القناطر على رأس وزارة المالية المغربية.. ورجل أعمال محنك لـ«التجارة والصناعة»

بوسعيد من اكتشافات المستشار الراحل بلفقيه.. والعلمي مثال النجاح في إطلاق وتقويم الأعمال

حفيظ العلمي و محمد بو سعيد
TT

شكل إسناد حقيبة المالية لمهندس القناطر والوزير والوالي السابق محمد بوسعيد، وحقيبة التجارة والصناعة لرجل الأعمال مولاي حفيظ العلمي، إحدى مفاجآت التشكيلة الجديدة لحكومة عبد الإله ابن كيران، ذلك أن اسمي الرجلين لم يكونا متداولين بتاتا أو مرتقبين خلال المفاوضات التي جرت على مدى أربعة أشهر بين رئيس الحكومة، وصلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الوافد الجديد على الغالبية الحكومية.

فبالنسبة للعلمي لم يكن معروفا عنه ارتباطه بعلاقة مع حزب التجمع الوطني للأحرار، بل لم يكن معروفا عنه أصلا أي نشاط سياسي. أما بوسعيد فقد جمد نشاطه الحزبي مند أكثر من ثلاث سنوات، عندما غادر وزارة السياحة عقب تعديل حكومة عباس الفاسي في ديسمبر (كانون الأول) 2009.

وكان حزب التجمع الوطني للأحرار آنذاك يعيش على وقع الصراع الشرس على الزعامة بين الرئيس الحالي مزوار والرئيس السابق مصطفى المنصوري. ومنذ ذلك الحين تفرغ بوسعيد لمهامه الجديدة في إدارة التراب الوطني واليا (محافظ) على منطقة سوس ماسة درعة (منطقة أغادير) ثم واليا على منطقة الدار البيضاء الكبرى.

يعد بوسعيد، الذي عين وزيرا للاقتصاد والمالية، 52 سنة، من بين الكفاءات الشابة التي احتضنها ودفع بها إلى الواجهة المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه. ولعل متانة العلاقة التي كانت تجمع بين الرجلين ترجع إلى أنهما من خريجي المدرسة الوطنية للقناطر والطرق في باريس.

وعرف عن المستشار الراحل بلفقيه دعمه القوي لخريجي هذه المدرسة واحتضانه لهم، وكان وراء تولي العديد منهم مناصب حكومية.

بدا المسار السياسي لبوسعيد عندما تولى بلفقيه حقيبة وزارة الأشغال ضمن حكومة عبد اللطيف الفيلالي فيما بين 1995 و1998؛ إذ عينه بلفقيه مديرا لديوانه بعد أن راكم 10 سنوات من الخبرة في القطاع الخاص في مجال الإدارة المالية وتدبير المشاريع وتقييم الاستثمارات..

فبعد حصوله عام 1986 على دبلوم مهندس دولة في الهندسة الصناعية من مدرسة القناطر والطرق في باريس، عمل بوسعيد مديرا في البنك التجاري المغربي التابع لمجموعة «أونا»، ثم مديرا عاما لشركة متخصصة في الصناعات الكيماوية، قبل أن يعود للقطاع المصرفي مديرا عاما مساعدا لدى البنك المغربي للتجارة والصناعة، وهو الفرع المغربي للمجموعة الفرنسية «بنك باريس الوطني».

وقبل مغادرة بلفقيه وزارة الأشغال في 1998، على أثر تشكيل حكومة التناوب الأولى، حرص على تثبيت بوسعيد بوصفه إطار في الإدارة المغربية عبر تعيينه مديرا للبرامج والدراسات بوزارة الأشغال. خلال تلك الفترة ثابر بوسعيد وواصل دراسته العليا بمدرسة القناطر والطرق في باريس ليحصل منها على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال سنة 1999، ليلتحق على أثر ذلك بوزارة المالية مديرا للمؤسسات العمومية والمساهمات، ثم مديرا لقطاع الشركات العمومية والتخصيص. هذه المهام الأخيرة هيأت بوسعيد لتولي منصب وزير الإدارة وتحديث القطاعات الحكومية خلال تعديل حكومة إدريس جطو في يونيو (حزيران) 2004، وهو التعيين الذي رأى فيه العديد من المحللين بصمة بلفقيه. وفي تلك السنة التحق بوسعيد بحزب التجمع الوطني للأحرار، وأصبح عضوا في لجنته التنفيذية.

وخلال توليه حقيبة الإصلاح الإداري، قاد بوسعيد أكبر عملية عرفها المغرب في تاريخه للمغادرة الطوعية للموظفين، التي أسفرت عن مغادرة نحو 40 ألف موظف الإدارات والدوائر الحكومية مقابل تعويضات مغرية، وهي العملية التي أثارت جدلا كبيرا في المغرب.

في 2007 أعيد انتخاب بوسعيد في اللجنة التنفيذية للحزب، وخلال السنة نفسها عين وزيرا للسياحة والصناعة التقليدية في حكومة عباس الفاسي، وهي الفترة التي صادفت السنوات الأخيرة لتنفيذ مخطط «رؤية 2010» للنهوض بالسياحة، التي عرفت أيضا دخول القطاع السياحي في مرحلة أزمة نتيجة تداعيات التفجيرات الإرهابية قرب السفارة الأميركية والمركز الثقافي الأميركي بالدار البيضاء في أبريل (نيسان) 2007، ثم اندلاع الأزمة المالية العالمية وآثارها على القطاع السياحي المغربي. ولمواجهة الأزمة، أعاد بوسعيد هيكلة سياسة الترويج السياحي مع إعادة توجيه مخطط «رؤية 2010»، ووضع أسس المخطط الجديد «رؤية 2020»، قبل أن يغادر الحكومة في 2010 ويبتعد عن العمل الحزبي بعد أن عين واليا (محافظا) لمنطقة سوس ماسة درعة (أغادير) في مارس (آذار) 2010، ثم واليا (محافظا) لمنطقة الدار البيضاء الكبرى في مايو (أيار) 2012.

أما العلمي، الذي عين وزيرا للصناعة والتجارة، فيعتبر نموذجا للنجاح في مجال المال والأعمال؛ إذ تمكن خلال وقت وجيز من بناء إمبراطورية «سهام» المالية، معتمدا على براعته في المجال المالي، وحدسه الثاقب في اختيار المشاريع الاستثمارية وقدرته على تقويمها وإعادة بيعها.

بدأ العلمي مساره المهني في كندا، حيث اشتغل بعد إتمام دراسته في مجموعة «سوليداريتي يونيك» الكندية، وترقى فيها إلى أن أصبح نائبا لرئيس المجموعة. اكتشفه أحد مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني، رجل الأعمال روبير أسراف، الذي كان حينها مديرا عاما لمجموعة «أونا»، وشجعه على العودة للمغرب. وفي 1989 عين العلمي مديرا في مجموعة «أونا» مكلفا بناء قطب التأمين التابع للمجموعة. غير أن مزاياه وقدراته سرعان ما جعلته مقربا من مركز القرار في مجموعة «أونا»، فجرى تنصيبه كاتبا عاما (وكيلا) للمجموعة في سنة 1994، ليساهم في صياغة الاستراتيجية الجديدة للمجموعة، إلى جانب رئيسها آنذاك فؤاد الفيلالي، صهر الملك الراحل الحسن الثاني، التي كان من أبرز محاورها انفتاح رأسمال «أونا» على مساهمين جدد مغاربة ودوليين.

إلا أن خلافات العلمي مع المدير العام الجديد للمجموعة، الفرنسي جيل دينستي، سرعت بمغادرة العلمي المجموعة في سنة 1996 ليبدأ العمل لحسابه الخاص عبر شراء شركة «أكما» للوساطة في التأمين، التي كانت تابعة لمجموعة «أونا». طور العلمي شركة «أكما» بشكل كبير وأدخلها البورصة، وأصبحت محط اهتمام مستثمرين محليين وأجانب. وتوصل أخيرا إلى اتفاق في سنة 1999 لإعادة بيعها لمجموعة «أونا» بسعر أعلى من ضعف السعر الذي سبق أن اقتناها به من المجموعة ذاتها.

نوع العلمي استثماراته ودخل مجالات جديدة كتقنيات الاتصالات ومراكز النداء، وأطلق علامات الألبسة الفاخرة، كما استثمر في التجارة العصرية وفضاءات التسوق في المغرب والخارج. وفي سنة 2005 عاد العلمي إلى حبه الأول عبر شراء شركة التأمين «سينيا»، الفرع المغربي لمجموعة التأمين «أريج» البحرينية، التي كانت تعاني صعوبات مالية، وفي العام التالي اشترى شركة تأمينات «السعادة»، التي كانت في طور الإفلاس، مقابل إنقاذ الشركة، وهو ما نجح فيه العلمي عبر دمج الشركتين، وتشكيل شركة عملاقة أصبحت اليوم تقود مشروعا طموحا للتوسع في أفريقيا، معتمدا على دعم الإماراتية «أبراج الدولية»، وشركة التمويل الدولية التابعة للبنك العالمي والمتخصصة في تمويل القطاع الخاص، واللتين اشترتا 37 في المائة من رأسمال مجموعة «سهام» المالية.

وأصبح العلمي بفضل ميزاته ونشاطه الدؤوب يتربع اليوم على عرش إمبراطورية مالية ذات محفظة متنوعة تشمل التأمينات والإسعاف الدولي والمصارف والصناعات الصيدلية والتقنيات الحديثة وترحيل الخدمات والتجارة العصرية.

وفي منصبه الجديد، يعول على العلمي لإعطاء نفس جديد لمخطط الإقلاع الصناعي المغربي وجذب الاستثمارات الخارجية وتطوير التجارة الداخلية والخارجية للمغرب.