الاقتصاد العالمي قلق ويراقب عن كثب أزمة سقف الدين الأميركي

أزمة سقف الدين تدفع الدولار للانخفاض مقابل الين > الذهب قرب أدنى سعر في ثلاثة أشهر

ما زال الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين قائما، بينما اقترب ميعاد تمديد سقف الدين الأميركي (أ.ف.ب)
TT

لا تزال أنظار العالم تراقب واشنطن، حيث لم يبق أمام الرئيس باراك أوباما وأعضاء الكونغرس سوى ثلاثة أيام لإيجاد تسوية حول الميزانية تبدد مخاطر تعثر الولايات المتحدة عن سداد مستحقاتها لأول مرة في تاريخها.

وحذرت الخزانة الأميركية من أنها لن تتمكن من الاقتراض، وقد لا تتمكن عندها من الإيفاء بجميع مدفوعاتها، في حين يكفي أن يصوت الكونغرس على قانون يقتصر على صفحة ترفع ما يسميه الأميركيون «سقف الديون».

من جهته حذر حاكم البنك المركزي الفرنسي كريستيان نواييه من عواقب تعثر الولايات المتحدة في سداد مستحقاتها، مشيرا إلى أن ذلك سيثير بلبلة بالغة الشدة في جميع الأسواق المالية في العالم.

وتراجع الدولار وارتفع الين بفعل طلب عليه كملاذ آمن لمخاوف من أن الولايات المتحدة قد تتخلف عن سداد ديون، في الوقت الذي يبذل فيه مشرعوها جهودا مضنية للتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الاقتراض قبيل الموعد النهائي لذلك هذا الأسبوع.

وهبط الدولار 3.‏0% إلى 26.‏98 ين بعد أن انخفض في وقت سابق إلى نحو 05.‏98 ين. وانخفض الدولار من أعلى مستوى في نحو أسبوعين 60.‏98 ين الذي سجله يوم الجمعة. والين خيار آمن نسبيا في أوقات عدم التيقن نظرا لسيولته العالية.

وقال نواييه في مقابلة نشرتها صحيفة «لو فيغارو»: «في حال واجهنا.. حادثا بشأن الدين الأميركي، فسيكون لذلك كما قال صندوق النقد الدولي وقع الصاعقة في الأسواق المالية، (وسيثير) بلبلة عالمية بالغة العنف والعمق».

وأوضح نواييه أن بيان مجموعة العشرين التي اجتمعت في نهاية الأسبوع الماضي في واشنطن ودعت الولايات المتحدة إلى العمل للخروج من المأزق، تمت صياغته بحيث «يجعل الرأي العام الأميركي يدرك العواقب الطائلة الكامنة في هذا النوع من العرقلة».

الذهب قرب أدنى سعر في ثلاثة أشهر مع اقتراب مهلة الدين الأميركي حوم الذهب قرب أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، حيث فضل المستثمرون السيولة على الأصول التي تعتبر ملاذا آمنا مع استمرار أزمة الميزانية الأميركية بينما هزت أوامر بيع كبيرة ثقة السوق.

وارتفع السعر الفوري للذهب 02.‏0% إلى 85.‏1272 دولار للأوقية (الأونصة) بعد أن نزل 1% يوم الجمعة، عندما أدت أوامر بيع كبيرة في عقود نيويورك إلى تراجع الأسعار نحو 30 دولارا في غضون ثلاث دقائق وتوقف وجيز للتداول.

وتراجع الذهب على مدى الجلسات الأربع الأخيرة.

وقال متعامل في المعادن النفيسة مقيم في هونغ كونغ: «يخشى الناس من تداعيات الوضع الأميركي ويبادرون إلى الاحتفاظ بالسيولة وعندها فقط يمكن أن ينظروا إلى أصول تعتبر ملاذا آمنا مثل الذهب.. لهذا السبب إذا لم تعثر الولايات المتحدة على حل سيتعرض الذهب لعمليات بيع». وارتفعت عقود الذهب الأميركية تسليم ديسمبر (كانون الأول) 4.‏0% إلى 1273 دولارا للأوقية.

وزادت الفضة في المعاملات الفورية 3.‏0% لتسجل 26.‏21 دولار للأوقية.

وصعد البلاتين 4.‏0% إلى 50.‏1368 دولار بينما هبط البلاديوم 1.‏0% إلى 97.‏710 دولار للأوقية.

ومع اقتراب الموعد الحاسم أبدت الأسواق توترا وفتحت البورصات الأوروبية الثلاث (فرانكفورت وباريس ولندن) صباح أمس على انخفاض.

ويتوقف مصير الدولار، عملة الاحتياط في العالم، ومصير سندات الخزينة التي تعتبر الاستثمار الأكثر أمانا في العالم، على المحادثات التي تجري منذ السبت بين بعض نواب الكونغرس وخصوصا مجلس الشيوخ، حيث ما زالت المفاوضات التي بدأت السبت بين الجمهوريين والديمقراطيين غير مثمرة حتى الآن.

والجميع مدرك أن تعثرا في السداد سيكون بمثابة كارثة على البلاد، غير أن الجمهوريين مصممون على اغتنام هذا الاستحقاق من أجل إجراء إصلاحات في الميزانية وتحديدا في نظام التقاعد وبرامج الضمان الصحي لما فوق الخامسة والستين من العمر والأكثر فقرا ومنها برنامجا ميديكير وميديكايد، والتي تستهلك 43% من الميزانية الفيدرالية.

لكن أوباما يرفض التفاوض تحت الضغط متهما خصومه بـ«اللامسؤولية».

ويرد الجمهوريون أن بفضل مثل هذه الاستراتيجية تعين على بيل كلينتون الموافقة على تسويات مالية ثم أوباما نفسه في أغسطس (آب) 2011 القبول بجدولة اقتطاعات سنوية في الميزانية حتى عام 2021.

وقال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هاري ريد، الذي اختاره حزبه ليترأس المفاوضات من جانبهم الأحد «أجرينا مناقشات جوهرية وسنواصل هذه المناقشات»، مضيفا: «إنني متفائل حول فرص التوصل إلى نتيجة إيجابية».

ويحاول أعضاء الكونغرس إيجاد حل لمشكلتين في آن، وهما رفع سقف الدين وإقرار قانون ميزانية يغطي نفقات الوكالات الفيدرالية المعطلة منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) بسبب خلافات في وجهات النظر بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وانتقلت المبادرة إلى مجلس الشيوخ بعدما أبدى أعضاء جمهوريون فيه استياءهم من تعثر الحوار بين زملائهم في مجلس النواب، الذين عجزوا عن التوصل إلى اتفاق مع أوباما الأسبوع الماضي.

وفي مطلق الأحوال، سيترتب على مجلس النواب الموافقة على أي تسوية يتوصل إليها مجلس الشيوخ.

وقال السناتور الجمهوري روب كوركر: «ما سنرسله، في حال أرسلنا أي شيء، قد لا يكون مطابقا تماما لما يريده مجلس النواب وقد يعود إلينا بالتالي».

وسقف الدين هو «خط ائتمان» أقصى يمنحه الكونغرس منذ 1917 للسلطة التنفيذية التي لا يمكنها في أي من الأحوال تخطيه.

غير أن الدولة الفيدرالية تواجه عجزا بلغ 3.9% من إجمالي الناتج الداخلي عام 2013 وهي مضطرة إلى مواصلة الاقتراض لتجديد دينها وتمويل نفقاتها، سواء لدفع استحقاقات سندات الخزينة أو معاشات التقاعد.

ولا أحد يعرف بالتحديد متى لا يعود بوسع الخزانة تأمين كل مدفوعاتها غير أن هذا قد يحصل في أي وقت بعد انقضاء استحقاق 17 أكتوبر وقدر مكتب الميزانية في الكونغرس أن يحصل بين 22 و31 أكتوبر.

ويبقى أن تعثرا ولو جزئيا لأول اقتصاد في العالم سيولد فوضى دولية يصعب التكهن بعواقبها ويراقب المسؤولون بقلق في العالم بأسره من الصين إلى أوروبا اختبار القوة الحالي في الولايات المتحدة.

وحذرت كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي الأحد بأن العواقب ستتخطى ما نتج عن الأزمة المالية عام 2008، في حديث أجرته معها شبكة «إن بي سي» الأميركية. من جهتها تتوقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عودة الانكماش إلى الدول المتطورة في 2014.