مؤسسات مالية عالمية تربط تسريح قروض لتونس بإجراء إصلاحات اقتصادية وتجاوز الأزمة السياسية

عجز بثلاثة مليارات دولار في موازنة 2013.. ومصاعب أكبر منتظرة في 2014

«النقد الدولي» قرر في يونيو 2013 منح تونس قرضا ائتمانيا بـ1.7 مليار دولار أميركي لـ2014 و2015.. سحبت منه تونس في نفس الشهر 150 مليون دولار ليمتنع الصندوق بعد ذلك عن تسريح أي مبلغ آخر
TT

على هامش الاجتماع الدوري للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، الذي انعقد مؤخرا بواشنطن، أقر إلياس فخفاخ وزير المالية التونسي بأن مصاعب الاقتصاد التونسي ستتزايد في حالة تمسك هاتين المؤسستين الماليتين العالميتين بعدم تسريح أقساط القروض التي تم الاتفاق عليها سابقا. وقد أبدت هذه المؤسسات المالية تمسكها بوجوب استجابة الحكومة التونسية لجملة من الشروط، والقيام بإصلاحات مالية واقتصادية وسياسية قبل صرف أي أقساط جديدة لقروض اتفقت عليها مع تونس التي تسعى من خلال الحصول على هذه القروض إلى الوفاء بالتزاماتها المالية؛ سواء الداخلية أو الخارجية.

وحول حجم المصاعب المالية التي تواجهها تونس، قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «ميزانية تونس لسنة 2013، تعاني من فجوة مالية تفوق الثلاثة مليارات من الدولارات (نحو خمسة مليارات دينار تونسي) متأتية بالخصوص من ارتفاع حجم الدعم للمواد الأساسية والطاقة والانزلاق الكبير في نفقات التسيير والتصرف بنحو 1.8 مليار دولار (ثلاثة مليارات دينار تونسي) وكذلك النقص في مداخيل الدولة المقدر بنحو 1.2 مليار دولار (ملياري دينار تونسي)، «متوقعا أن يفوق العجز العام في ميزانية 2013 الـ10 في المائة».

وتعكس هذه المصاعب أهمية حصول تونس على هذه القروض للوفاء بتعهداتها الداخلية والخارجية، علما بأن صندوق النقد الدولي كان قرر في يونيو (حزيران) 2013 منح تونس قرضا ائتمانيا بـ1.7 مليار دولار أميركي لسنتي 2014 و2015، سحبت منه تونس في الشهر نفسه مبلغ 150 مليون دولار، ليمتنع الصندوق بعد ذلك عن تسريح أي مبلغ آخر.

في حين كان البنك العالمي قرر سنة 2011 إقراض تونس مبلغ 1.5 مليار دولار على ثلاث سنوات، صرف منها لتونس 500 مليون دولار، بعنوان سنة 2011، و500 مليون دولار لسنة 2012، ممتنعا عن صرف الـ500 مليون دولار المتبقية سنة 2013. أما البنك الأفريقي، فقد قرر بدوره إلغاء قرض لتونس بـ250 مليون دينار بسبب ما وصفه البنك بـ«المخاطر الكبيرة من عملية إقراض تونس».

وتأتي على رأس الشروط التي تتمسك بها المؤسسات المالية العالمية لتسريح القروض التي وعدت بها الحكومة التونسية، وجوب معالجة السلطات التونسية لظاهرة تفاقم العجز المتأتي من دعم بعض المواد الأساسية والطاقة، وإصلاح النظام البنكي التونسي، وإصلاح المنظومة الجبائية، وإصدار مجلة جديدة للاستثمار، فضلا عن الشروط ذات الطابع السياسي المرتبطة أساسا باستكمال عملية الانتقال الديمقراطي، وعلى رأسها المصادقة على دستور جديد للبلاد، وعلى قانون انتخابي، وتكوين هيئة مستقلة للانتخابات، وكذلك ضبط مواعيد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ويعتزم كل من البنك العالمي وصندوق النقد العالمي إيفاد بعثة من خبرائه إلى تونس شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لتقييم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وخاصة مدى تقدم الإصلاحات المتفق عليها لاتخاذ قرار بشأن صرف القروض التي وقع التفاوض بشأنها سابقا.

وبخصوص تأكيد وزير المالية التونسي إلياس فخفاخ أن الحكومة طلبت من الولايات المتحدة الأميركية ضمان قرض جديد لتونس على السوق المالية العالمية بقيمة مليار دولار، قال عز الدين سعيدان لـ«الشرق الأوسط» إن «الولايات المتحدة سبق أن قدمت ضماناتها لحصول تونس على قرض»، مبينا من جهة أخرى أن «هناك مؤشرات توحي بأن الموقف الأميركي قد تغير بعد الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية بتونس في 14 سبتمبر (أيلول) 2012»، ومضيفا أنه «حتى في حالة الموافقة على ذلك فإن هذا المبلغ لن يكون كافيا لسد الفجوة المالية التي تعاني منها ميزانية الدولة»، ومتوقعا أن تكون سنة 2014 «أصعب على المستوى الاقتصادي مما سيزيد من المخاطر التي تواجهها البلاد».

وحول تصريحات بعض الخبراء القائلين إن تونس يتهددها خطر الإفلاس، أكد عز الدين سعيدان في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة لا يمكن أن تفلس في عملتها»، وأنه يتوقع «أن تلتجئ الحكومة إلى الاقتراض بالدينار التونسي بأسعار مشطة جدا للإيفاء بتعهداتها، وهو ما سيزيد في انهيار قيمة الدينار التونسي»، منبها إلى أن «الخطر الحقيقي يتمثل في عجز الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية»، ومضيفا قوله إنه «لا يمكن تجاوز هذه المصاعب الاقتصادية إلا بتجاوز الوضع السياسي الذي تمر به البلاد، وتوضيح الرؤية أمام الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب في أقرب الأوقات».