تخمة منح النفط تخلق مشاكل جديدة لتجارة الوقود المصرية

الناقلات تقف قبالة مرافئ الإسكندرية والسويس لشهرين

TT

انتقلت مصر من النقص الحاد في الوقود إلى التخمة بفضل منح من دول الخليج العربية بعدما عزل الرئيس محمد مرسي في يوليو (تموز)، غير أن هذا يسبب مشكلات جديدة لشركة الوقود الحكومية وللتجار الأجانب.

وفي مواجهة تزايد الرسوم لتأخر الناقلات مع امتلاء الموانئ بالشحنات الممنوحة بدأت الهيئة المصرية العامة للبترول تلغي أو تؤجل مشتريات تعاقدت عليها. وخسر التجار (إلى حين) أحد أفضل عملائهم في منطقة البحر المتوسط، ويقول البعض إن الارتباك يمنعهم من التعامل مع مصر.

ولعب الارتباك في سلسلة إمدادات الوقود الذي جعل السائقين يقفون في صفوف طويلة عند المحطات دورا في الاحتجاجات الشعبية التي سبقت عزل الجيش لمرسي. أما الآن فقد باتت مرافئ استيراد الوقود في مصر مزدحمة لدرجة أن الناقلات تقف قبالة الإسكندرية والسويس لشهرين، وهو ما يرفع الفواتير.

وأبلغ طارق الملا رئيس الهيئة رويترز الأسبوع الماضي أنه يعطي الأولوية لتفريغ الشحنات التي تأتي منحا في إطار حزم مساعدات من السعودية والإمارات والكويت. وتتراكم الغرامات بسبب تأخير الشحنات المطلوبة من السوق الحرة.

وقال الملا: «الشحنات المتعاقد عليها تنتظر في المياه لذلك بدأت الحكومة تطلب تأجيلها أو إلغاءها».

ويقول تجار إن الهيئة لم تصدر خطابات الائتمان اللازمة لإنجاز السداد قبل التفريغ، وهو ما يسبب تأخيرا وضبابية بشأن التسليم ويجعل من الصعب على الشركات التحوط في دفاترها التجارية.

وقال تاجر مشيرا إلى نظرائه من التجار الذين ارتبطوا بعقد توريد لمصر: «الوضع كارثي إلى حد بعيد لمن يبيعون لمصر. يقولون دائما.. لا توجد خطابات ائتمان.. لا توجد خطابات ائتمان. لكن لا يوجد حافز لإصدار واحد بسبب المنح».

وانتظر هذا التاجر نحو شهرين لتفريغ ناقلة بنزين في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) ولا ينوي إرسال المزيد إلى مصر في الوقت الحالي. وتنتظر بعض ناقلات البنزين التابعة لشركات تجارية وشركات نفط كبرى قبالة السواحل المصرية منذ وصولها في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول).

وقال مصدر مطلع إن إحدى شركات النفط الكبرى من بين من ألغوا توريد البنزين لمصر حتى نهاية العام. ومن المقرر أيضا أن تورد الشركة البنزين لكن شحنتها التي كان مقررا تسليمها في أغسطس ما زالت تنتظر قبالة السويس.

وكانت «بي بي» شركة النفط الكبرى الوحيدة بين الفائزين الرئيسيين بمناقصات مصرية لتوريد البنزين للتسيلم في الإسكندرية والسويس في النصف الثاني من 2013، ورفضت الشركة التعليق بشأن ما إذا كانت قد ألغت شحناتها.

وغرامات التأخير الإضافية من شأنها أن تزيد الديون المتصاعدة على الهيئة المصرية العامة للبترول لشركات الطاقة العالمية.

ولم يحصل بعض التجار على تعويضات عن التأخيرات التي حدثت قبل عزل مرسي وتواجه الحكومة أيضا ضغوطا لسداد ديون تتجاوز ستة مليارات دولار لصالح الشركات المنتجة للنفط في البلاد.

وأصبحت السعودية أكبر مورد للوقود إلى مصر، وقال تجار إنها ترسل البنزين والسولار وغاز الطهي وتورد أغلب احتياجات مصر من البنزين منذ أغسطس لدرجة أن مصر لا تحتاج لاستيراد المزيد.

وقال الملا الأسبوع الماضي إن إمدادات البنزين متوفرة بنسبة مائة في المائة، لكن مصر ما زالت بحاجة لاستيراد السولار وغاز الطهي. وأضاف أن السعودية تورد البوتان والبروبان بينما لا تفعل الكويت والإمارات ذلك، في حين تورد الدول الثلاث البنزين.

وبدأت الإمارات إرسال منتجات نفطية بقيمة مليار دولار في يوليو في إطار اتفاق قيمته 9.‏4 مليار دولار.

وقال مصدر مطلع إن الكويت خصصت نحو خمسة ملايين برميل من المنتجات النفطية لمصر للفترة من أغسطس حتى ديسمبر (كانون الأول)، وهو ما يعادل نحو 130 ألف طن شهريا.

وقال الملا إن الكويت تورد أيضا مليوني برميل من النفط الخام شهريا. وكانت الكويت تورد نحو مليون برميل شهريا بشكل متقطع خلال العام الذي تولى فيه مرسي السلطة. وقال مشتر للنفط إن هذا سمح لمصر بزيادة صادراتها منها.

وفي حين أنه يمكن للمصريين الاستمتاع بفترة الوفرة في الإمدادات لم يجرِ التعامل مع المشكلات الجذرية. ولم يفعل شيء يذكر لخفض دعم الوقود البالغ 20 في المائة من الإنفاق الحكومي. ويقول كثير من الخبراء إن نظام الدعم يفتقر للكفاءة.

ومن بين الآثار السلبية لتدفق المنح تعطيل المصافي المصرية.

وقال تجار والملا إن أكبر مصافي البلاد وهي مصفاة «ميدور» بالإسكندرية التي عانت بالفعل من نقص الخام بسبب مشكلات الميزانية في عهد مرسي تواجه صعوبة حاليا في شراء النفط من السوق. وقبل انتفاضة 2011 كان التجار يجنون جزءا من إيرادات بيع الخام لـ«ميدور» من خلال بيع جزء من المنتجات المكررة لمشترين محليين.

لكن التجار يقولون إنه في ظل التخمة التي أحدثتها المنح الخليجية بالسوق التي كانت مربحة في السابق لم يجرِ تنفيذ مناقصات من «ميدور» لاتفاقات لمعالجة الخام. وامتنعت «ميدور» عن التعليق. وقال الملا إن حال «ميدور» ليس جيدا لأنها لا تعمل بكامل طاقتها، مضيفا أن الهيئة تسعى حاليا للتوصل إلى بعض الحلول بالتنسيق مع «ميدور» وللحصول على تسهيلات مصرفية لتوفير بعض الخام لها.

ورفض الإدلاء بتفاصيل لكن مصادر مطلعة على أنشطة المصفاة قالت إنها تعمل بنحو 60 في المائة من طاقتها وتعتمد على مزيج من الخام لا يناسب احتياجاتها بشكل كامل، وهو ما يثير خطر حدوث مشكلات فنية بالمصفاة.