قصة اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان

انتشر الخبر قبل ثلاث سنوات ليصبح حديث الشارع

فرع تابع لبنك ملي إيران («الشرق الأوسط»)
TT

هرب أو «مغادرة» محمود رضا خاوري، المدير العام السابق لمصرف ملي إيران (المصرف الوطني الإيراني) ترك كثيرا من الأمور المتعلقة بهذا الملف مبهمة.

قبل ثلاثة أعوام وفي مثل هذه الأيام انتشر خبر اختلاس ثلاثة آلاف مليار تومان، وأصبح حديث مجالس الناس في الشارع، والسوق، والجامعة، والسياسة، والاقتصاد والشبكات الاجتماعية. دخل الموضوع عالم الفكاهة وأرسلت رسائل إلكترونية بلغة بسيطة جدا في محاولة لتوضيح طريقة الاختلاس. ثم نشرت كثير من التحليلات المتناقضة للموضوع، وفي هذا الجو الملتهب رفع الطرفان أصابع الاتهام للإشارة نحو بعضهما البعض؛ ولكن كان من الواضح أن مجوعتين فرعيتين من التيار المسمى بالتيار الأصولي كانتا تقومان بتصفية حسابات سياسية.

خلال موضوع الاختلاس تم طرح أسماء مدراء كبار وتنفيذيين وحكوميين منهم أحد نواب رئيس الجمهورية، وزير الاقتصاد آنذاك، وزير الطرق آنذاك، وزير الصناعة في التشكيلة الحكومية العاشرة، وكيل وزير الصناعة والمناجم آنذاك، القائم مقام السابق للبنك المركزي، المدير العام السابق لبنك «صادرات»، ومدير عام مصرف «ملي إيران» آنذاك وفي هذا الخضم كان كل شخص يسعى إلى تبرئة ساحته بذكر أسباب وتبريرات وتغيير جهة أصابع الاتهام الموجهة نحوه.

في هذه الأثناء غادر محمود رضا خاوري إلى لندن بحجة المشاركة في اجتماع عمل بعد جلستي تحقيق معه ثم أرسل إلى طهران فاكسا من فندقه يقدم فيه استقالته ويطلب المعذرة، وبالنظر إلى أنه يحمل جنسيتين فإنه سافر من هناك ليلتحق بعائلته في تورنتو.

إن هذا التصرف الذي قام به خاوري ونشر صورة منزله الذي تبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار أدى إلى تعزيز موجة الاتهامات الموجهة إليه وجعل شبهة شراء المنزل بالأموال المختلسة أقرب إلى اليقين. ولكن وفقا لتقرير وسائل الإعلام الكندية، فإن خاوري قد اشترى هذا المنزل في شهر يوليو (تموز) عام 2007 أي قبل الإعلان عن الاختلاس بأربعة أعوام، وحسب كلام حسن دهدشتي ممثل مدينة آبادان في مجلس النواب، فإن خاوري كان يعمل في الفترة ما بين 2004 و2008 خارج البلاد ولحسابه الخاص، وبالنظر إلى تنصيبه مديرا لبنك «ملي إيران» في عام 2008 من قبل وزير الاقتصاد آنذاك، فإن هنالك علامة سؤال كبيرة حول العلاقة بين الاختلاس ومنزل خاوري الذي تبلغ قيمته ثلاثة ملايين دولار.

هرب أو «مغادرة» محمود رضا خاوري، المدير العام السابق لمصرف ملي إيران (المصرف الوطني الإيراني) ترك كثيرا من الأمور المتعلقة بهذا الملف مبهمة. خاوري الذي درس فرع الحقوق والتكنوقراطية حصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة طهران، وحصل على شهادة الماجستير في نفس الفرع من جامعة الشهيد بهشتي، وقد جاء في سيرة عمله حصوله على منصب رئيس مديرية الدعاوي في مصرف «الصناعة والمناجم»، والمدير القانوني لمصرف «سبه»، ومستشار المدير العام لشركة «فولاذ مباركة الوطنية»، ونائب رئيس الهيئة الإدارية وقائم مقام المدير العام لبنك «سبه»، وكذلك الإدارة العامة لبنك «سبه»، بالإضافة إلى التدريس وتأليف كتب قانونية، وفي عام 2010 بصفته المدير العام لمصرف «ملي إيران» ترك مجال عمله بعد ارتباط اسمه باختلاس الثلاثة آلاف مليار تومان الفريد من نوعه. مه آفرد خسروي من المتهمين الرئيسيين في قضية اختلاس 3000 مليار تومان والذي حكم بالإعدام، قال في اعترافاته إن خاوري أخذ رشوة تبلغ أكثر من سبعة مليارات في هذه القضية.

بعد خروجه من إيران اختار خاوري الصمت إزاء جميع الاتهامات، وحتى أنه لم يجب عن طلبات المراسلين الأجانب للقاء به. ولكن وكالة «إيسنا» للأنباء قامت بلقاء مع خاوري مع بداية الإعلان عن خبر الاختلاس، وقد قامت بنشر المقابلة بعد تأخير دام لعام لبعض الأسباب، اللقاء يعكس أن خاوري لم يكن يؤمن بوجود اختلاس لأنه استخدم اسم الاستغلال المالي.

في هذا اللقاء وضح خاوري أن في هذا الاختلاس تم سحب مبالغ من المصرف من دون مقابل، وبين أن المختلس استطاع عبر التزوير والاستغلال أن ينقل مبالغ كبيرة، واعتبر خاوري أن قيام مصرف «ملي إيران» بدفع المبالغ هو أمر عادي وأن أصابع الاتهام تتجه نحو مصرف «صادرات»، لأن هذا المصرف حسب قول خاوري عمل من دون الاهتمام بتحذير البنك المركزي حول إصدار خطابات الاعتماد، فقام بإصدار خطاب اعتبار وتسبب بإلزام المصرف بالدفع، وكذلك الأمر بالنسبة لسبعة مصارف أخرى خصوصية وحكومية تعمل مع مصرف صادرات. رفض خاوري بشدة كون المستندات مزورة، وأصر على السؤال القائل: أي تزوير هذا الذي لم يكتشفه أي بنك من سبعة بنوك؟ وكذلك عرض مستندات تتكون من مجموعة من الرسائل وشهادات صحة صدور بين المؤسسات والمديريات ذات العلاقة تثبت أنه تم العمل «بصورة قانونية» في كل المراحل. قام مصرف «ملي إيران» بدفع أكبر كمية من الأموال في هذا الاختلاس وبلغت أكثر من 1160 مليار تومان بتقاضيه أرباحا مقدارها 20 في المائة من كل دفعة. يعتقد خاوري أنه لم يكن يعلم بأمر الدفعات ولكن لو أن هيئة إدارة المصرف كانت قد اتصلت به فإنه لم يكن ليرفض دفع هذه الأموال بالنظر إلى أن المستندات رسمية لأن مصرف «صادرات» يدعمها وكذلك بالنظر إلى الأرباح البالغة 20 في المائة.

من ناحية أخرى تم عزل محمد جهرمي، المدير العام لمصرف «صادرات» الخصوصي آنذاك ووزير العمل والأمور الاجتماعية السابق والذي اعتبر من المتهمين الرئيسيين في هذه القضية، من منصبه. وفي رده على موجة الانتقادات بشأن صدور خطابات اعتماد من قبل مصرف «صادرات» أكد على أن المستندات المذكورة مزورة وأشار بإصبع الاتهام نحو خاوري.. بعد عزله نشر جهرمي إعلانا دافع فيه عن نفسه وقال إن خاوري هرب إلى كندا بسبب انتشار الفساد في مصرف «ملي إيران» فيما يخص هذه القضية وقضايا أخرى. وإنه لو كان متورطا مثل خاوري أو أنه قد أخذ رشوة لهرب من البلاد. جهرمي كان أول من طرح موضوع هروب خاوري. ولكن خلال هذه الفوضى قام مهركان خسروي، أحد المتهمين الهاربين في قضية الاختلاس، بالرد على كلام جهرمي في لقاء وأعلن أن المستندات لم تكن مزورة وأن الهيئة الإدارية لمصرف «صادرات» خصصت لمجموعة آريا خطاب اعتماد بقيمة 600 مليون يورو.

على أثر ردود الأفعال هذه، واجه فرار خاوري «أو خروجه المتفق عليه» من إيران تحليلات مختلفة. بالنظر إلى كون الملف سياسيا. يعتقد البعض أن خروجه من البلد كان حركة محسوبة وبعلم من المسؤولين، فعلى الرغم من دور مصرف «ملي إيران» في هذا الاختلاس، فإن وزارة الأمن رغم علمها بحمل خاوري لجنسيتين لم تمنعه من مغادرة البلاد، وإن خاوري راجع الأمر مع وزارة الأمن قبل خروجه من البلاد.

وبهذا فإن خروج خاوري منع توسع أبعاد القضية، ودفع ذلك الفريقين السياسيين المتورطين في القضية إلى بر الأمان، وبذلك تم تسجيل الاختلاس باسم خاوري والموظفين الأقل أهمية والذين تمت محاكمة 39 شخصا منهم وحكم على أربعة منهم بالإعدام وعلى شخصين بالحبس المؤبد. أما باقي المتهمين في القضية فقد تم الحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة بينما حصل شخص واحد على البراءة.

السبب الأخر الذي يؤيد كون خاوري مأمورا، هو أنه خلال التحقيق في القضية، لم يتم الاهتمام بدور خاوري كما كان متوقعا بصفته المشارك الأساسي في الجريمة ومن المتهمين الرئيسيين فيها.

وفي هذا الخضم لم تبذل جهود حقيقية من أجل إعادة خاوري، وقد تم إهمال هذا الموضوع إلى درجة أنه على الرغم من مرور ثلاثة أعوام على هذا الموضوع، فإن القاضي المكلف بالقضية غير مستعجل لتشكيل المحاكمة الغيابية التي وعد بها وبحضور محامي خاوري، وإن القاضي يعقد الأمل على إعادة خاوري إلى إيران بمساعدة منظمات حقوق الإنسان أو وزارة الخارجية الكندية والإنتربول، وبسبب عدم وجود اتفاقية لتبادل المجرمين بين إيران وكندا، فإن هذا الأمر يبدو مستبعدا جدا.

لذلك لو كان خاوري يعتبر لاعبا مهما وأساسيا في هذه القضية لماذا لم تبذل جميع الجهود من أجل إعادته إلى البلد ولماذا يتم الحديث عن جميع زوايا القضية ما عدا دور خاوري. على الرغم من أنه يمكن ذكر خاوري على اعتباره من اللاعبين الرئيسيين في هذه القضية ولكن يبدو أن هنالك لاعبين أكبر وأهم مسؤولين عن هذا الاختلاس الكبير. قال مه آفرد خسروي في الجلسة الثانية عشرة من جلسات المحكمة أن إعدامه لن يقود إلى إصلاح المجتمع وانتقد اختفاء بعض المتسببين رفيعي المستوى، إن الأدلة ومسار المحكمة يدلان على أن كثيرا من المسؤولين الكبار عن هذه القضية على الرغم من أنهم عزلوا من مناصبهم أو أجبروا على الاستقالة، فإنهم كانوا في مأمن من أي تحقيق حقيقي وقضائي.

التحليل الثاني هو أن خاوري وبسبب تفشي الفساد في مصرف «ملي إيران» وعلاقته بالاختلاس كان يتوقع إلقاء القبض عليه، وبمعرفته بالنظام، فإنه ربما عندما علم متى ستتم التضحية به فإنه فر إلى كندا بمساعدة السياسيين الذين دعموه في فعلته تلك.

بالطبع بالإضافة إلى اختلاس ثلاثة آلاف مليار فإن اسم خاوري تردد على ألسنة الناس مرة أخرى في شهر مارس (آذار) 2012 وكان ذلك عندما أعلن تقرير لخبر «أون لاين» أن عباس مومن آبادي، مستشار مدير هيئة النزاهة العامة في البلاد والمدير العام لهيئة النزاهة في محافظة هرمزكان كشف عن مخالفة مالية لمصرف «ملي إيران» بقيمة 100 مليون يورو، وقال إن مسؤولي المصرف آنذاك ارتكبوا كثيرا من المخالفات القانونية خلال دفع تسهيلات مقدارها 100 مليون يورو لشركة خاصة. وكذلك أكد أن مخالفات خاوري لا تنحصر في الفترة التي تولى خلالها الإدارة العامة لمصرف «ملي إيران» وإنه خلال فترة توليه لمنصب المدير العام لمصرف سبه (2002 - 2004) قام كذلك بمنح تسهيلات للشركة المذكورة والأمر يتم التحقيق فيه حاليا. حسب التقارير فإن هذه الشركة حصلت على تسهيلات مصرفية من المصارف الداخلية من أجل تنفيذ عدة مشاريع في خارج البلاد وإن هذه الأمور رافقتها مخالفات كبيرة.