«السجاد الإيراني».. صناعة فاخرة تدر 400 مليون دولار سنويا

«الشرق الأوسط» ترصد حركة السوق وأهم ملامح التغيير من طهران إلى دبي

أحد المحلات المخصصة لبيع السجاد الإيراني في دبي (رويترز)
TT

يعود تاريخ صناعة السجاد الإيراني أو السجاد العجمي، وهو أحد أهم الفنون الإيرانية إلى بلاد فارس القديمة، حيث يؤكد المؤرخون أن سوق السجاد في إيران تعود إلى عصور قديمة جدا، عندما عثر على سجاد بازيريك يعود تاريخها لعام 500 قبل الميلاد، في الفترة الأخمينية، فيما جاء أول دليل موثق على وجود السجاد الفارسي من النصوص الصينية التي يعود تاريخها إلى الفترة الساسانية، ما بين الأعوام (224 - 641).

إيران اليوم هي أكبر مصدر للسجاد في العالم، إذ تتجاوز قيمة صادراتها من السجاد اليدوي 420 مليون دولار سنويا، أي نحو 30 في المائة من السوق العالمية، ويوجد في أسواق نحو 100 دولة حول العالم.

«الشرق الأوسط» تتبعت سوق السجاد الإيراني من طهران إلى دبي، سعيا لاكتشاف أهم ملامح التغيير على هذه الصناعة القديمة وأهم التغييرات التي طرأت عليها، إذ يشير مراقبون وتجار التقتهم «الشرق الأوسط» إلى أن سوق السجاد الإيراني خضعت لكثير من التغييرات في عصور مختلفة، فسنوات تزدهر التجارة ويحقق المصنعون والمصدرون ملايين الدولارات وسنوات تسهم الظروف الاقتصادية أو السياسية في ركود عميق، إلا أنهم يجمعون أن السجاد الإيراني بات اليوم سلعة مهمة في الأسواق العالمية، يقتنيها البعض كأصول لحفظ مدخراته أو كمقتنيات أثرية بعضها لا يقدر بثمن. البداية من طهران حيث يقول لـ«الشرق الأوسط» محمد عابد، مدير شرکة «مساهمة سجاد إيران» في طهران، وهي إحدى أكبر الشركات المصدرة للسجاد الإيراني، أن الأوضاع الاقتصادية العالمية اليوم لا تساعد على تصدير السجاد الإيراني، حيث يشهد الاقتصاد الدولي عموما ركودا وتباطؤا للنمو في كثير من الأسواق. ويقدر محمد عابد، حجم الزيادة في معدل نمو تصدير السجاد الإيراني في النصف الثاني من العام الحالي بنحو عشرة في المائة، مشيرا إلى أن هذا المعدل سيستمر بنفس النمط حتى نهاية العام الحالي.

وأكد مدير شركة «مساهمة سجاد إيران» أن تصدير السجاد الإيراني واجه في الأشهر الستة الأولى من عام 2013 ركودا حادا، تزامن مع ارتفاع مستوى الإنتاج، وكان ذلك وفق قوله نتيجة طبيعة لارتفاع مستوى التضخم الذي أحدث كسادا في السوق المحلية من جهة، وأيضا ضعف في مستوى نمو الصادرات الخارجية، مما أحدث تراجعا في حجم المبيعات.

وبين عابد أن تراجع مبيعات السجاد الإيراني في فصل الصيف لم يكن كبيرا، إذ إنه لم يتجاوز 5 في المائة، ولكن منذ بداية فصل الخريف، ازداد حجم الصادرات إلى اليابان، وألمانيا، وفرنسا، ولبنان.

في دبي.. وهي واحدة من أنشط الأسواق لبيع السجاد الإيراني في العالم، يشبهه متعاملون الحديث عن هذه الصناعة، بالحديث عن سيارات الـ«رولز رويس» البريطانية أو ساعات رولكس السويسرية، حيث يجمع متداولي هذا النوع من السجاد بأنه الأفضل في الجودة والمواد المستخدمة في صناعته، وأنه يمكن اقتناؤها كعمل فني ثمين. في سوق دبي القديمة، (منطقة الخور، وبر دبي) حيث تزدهر تجارة السجاد الإيراني التقت «الشرق الأوسط» مصطفى بروهش تاجر سجاد إيراني، الذي أكد أن الحديث عن السجاد الإيراني هو كما الحديث عن السيارات الفخمة العريقة، حيث بات السجاد الإيراني يأخذ قيمة أكثر كلما قدم تاريخ صناعته. برهوش، الذي يدير عددا من محلات بيع السجاد الإيراني في الإمارات يؤكد أن هذه الخاصية قللت من حجم تداوله بالمقارنة مع غيره من السجاد بسبب أسعاره، إلا أنه يظل السجاد الأبرز عالميا. ويضيف: «قد لا يستوعب البعض أن السجادة الواحدة من هذا النوع قد تستغرق صناعتها عاما ونصف العام في بعض الأحيان، وتستخدم العشرات من الأيادي البشرية في حياكتها، وتحتاج لجهد وطاقة كبيرة حتى يتم الانتهاء منها.. ومن هنا تكون تكلفتها عالية وبالتالي سعرها في السوق للمستهلك النهائي».

وعلى الرغم من اختلاف سعره باختلاف أنواعه، حيث تتجاوز أسعار بعض أنواعه حاجز المليون درهم (266 ألف دولار) في السوق الإماراتية، بينما يبدأ سعر بعضها من خمسة آلاف درهم (1200 دولار)، إلا أن الإقبال على هذه السوق لا ينقطع ومن كل الطبقات، بحسب مصطفى برهوش.

ويتابع: «جودة المواد المستخدمة وطريقة الصناعة وتاريخها هي من حسم الفارق لصالح السجاد الإيراني أمام المنافسين الجدد من مصانع كشميرية وتركية، إضافة إلى أن صناعة السجاد الإيراني الفخم تتم باليد البشرية ولا تدخل فيها الآلات الحديدية». ويقسم السجاد الإيراني وفق المتخصصين قسمين أساسيين، الأول سجاد إيراني قبلي، ويمتاز ببساطة الرسوم وحرارة اللون ومخملية الصوف وطول الوبرة، ولذلك فإن هذا النوع من السجاد ثقيل الوزن، أما النقوش المستعملة فيه فتعتمد على أشكال نباتية كالأزهار والأشكال الهندسية البسيطة. أما الصنف الثاني من السجاد الإيراني فهو سجاد المدن، ويسمى بحسب المدينة التي يصنع فيها. ومن أهمها مدينة تبريز، التي اشتهرت بصناعة السجاد الحريري ذي النقوش القريبة من الشكل الهندسي والألوان القاتمة كالأحمر القاني والأزرق الداكن.

إشراق علي، مسؤول مبيعات في أحد المحلات المخصصة للسجاد الإيراني في دبي يقول إن أهم ما يميز السجاد الإيراني بأنه لا يتأثر بعوامل الزمن، حيث يبقى كما هو على مر الزمن ومهما استخدم، مشيرا إلى أن سوق السجاد الإيراني يوفر خيارات متعددة أمام المشترين بحسب ميزانيتهم المختلفة ويتوفر بأحجام وأشكال متعددة.

وعن تأثر مبيعات السجاد الإيراني بما حدث لإيران من عقوبات دولية على صادراتها، يرى علي أن التأثير يأتي من سعر الصرف فقط، حيث تغيرت الأسعار في الوقت الحالي عما كانت عليه قبل عامين، وذلك بسبب اختلاف أسعار صرف الريال الإيراني أمام كل من الدرهم الإماراتي والدولار الأميركي.

وأضاف: «قد يكون التأثير على السجاد الجديد المستورد من إيران، أما السجاد القديم فسعره ثابت، حيث إن بيع السجاد الإيراني حركته جيدة، نظرا للطلب عليه من قبل المشترين الذين يبحثون عن التميز في شراء مثل هذا النوع من السجاد». وأجمع إشراق ومصطفى على أن الطلب على السجاد الإيراني لا يزال متواصلا، وأن سعره يتغير بين الحين والآخر، إلا أن السجاد الإيراني يظل هو المطلوب الأول في سوق السجاد العالمي.

وفي هذا الإطار يقول محمد عابد، مدير شرکة «مساهمة سجاد إيران» في طهران: «أتمنى أن تحقق السياسات التي تم تنفيذها من أجل زيادة تصدير السجاد اليدوي الإيراني جميع الأهداف خلال الأشهر من (سبتمبر (أيلول) 2013 إلى (سبتمبر) 2014. وحول تداعيات الاتفاقية النووية الإيرانية في جنيف قال عابد إن هذه الاتفاقية لن تؤثر كثيرا على صادرات السجاد الإيراني، إذ من المستبعد أن تتمكن الحكومة في القريب العاجل من حل القيود الموضوعة على نقل العملة في نظام التصدير القائم في البلاد.

وزاد: «إذا تحسنت الظروف الاقتصادية في العالم، فإن ذلك قد يؤثر على صادرات السجاد الإيراني، حيث لا نرى الآن ظروفا مساعدة لهذا الأمر».