مؤتمر دولي في مراكش يناقش واقع التمويل الإسلامي وآفاقه

تسعة في المائة من المغاربة لا يتوفرون على حسابات بنكية لاعتبارات دينية

TT

شكل المؤتمر الدولي لآليات التمويل الإسلامي، الذي انطلقت أشغاله أمس بمراكش، فرصة لمناقشة محاور لها صلة بالمظاهر القانونية لعقود التمويل والتمويل المشترك بين المؤسسات التقليدية والإسلامية، وإبراز الفرص التي تتيحها التطورات التي شهدها مجال التمويل الإسلامي وعرض أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.

ويعرف المؤتمر، الذي يتواصل على مدى يومين، والمنظم من طرف المجموعة الدولية للاستثمار والتأهيل (إي كوبيتانس)، مشاركة نحو 60 مسؤولا في القطاع البنكي من السنغال ومصر والجزائر وفرنسا وتونس والنيجر والغابون وقطر والإمارات العربية المتحدة والمغرب.

وشكل افتتاح المؤتمر مناسبة لمناقشة التحديات التعاقدية والقانونية والعملية المتعلقة بالتمويل الإسلامي، حيث ركز المشاركون على مناقشة تجربة مديري المال في العالم، مقارنة مع المنتجات الإسلامية المستخدمة للتمويل القصير والطويل.

وأعطت الإحصاءات المقدمة، على علاقة بالتمويلات الإسلامية في المغرب ونظرة المغاربة إليها، فضلا عن واقع التدين بينهم، فرصة لربط تحليل معطياتها بمصادر القوة التي يمكن أن يركن إليها هذا الصنف من المعاملات المالية، في بلد كالمغرب. ومن بين أبرز الإحصاءات المقدمة نجد أن 97 في المائة من المغاربة «مهتمون» بالتمويلات الإسلامية، 79 في المائة منهم «مهتمون جدا»، بينما يرى 84 في المائة من المغاربة أن التمويلات المالية التقليدية التعاقدية لا تتوافق والشريعة الإسلامية، في وقت لا يتوفر فيه 9 في المائة من المغاربة على حسابات بنكية لاعتبارات دينية، بينما يرغب 31 في المائة من المغاربة في التحول من نظام المعاملات البنكية التعاقدية التقليدية إلى نظام التمويلات الإسلامية، ويفضل 36 في المائة من المغاربة مراقبة وملاحظة طريقة تعامل وعمل البنوك الإسلامية قبل الانخراط فيها. كما بينت الإحصاءات المقدمة أن 75 في المائة من المغاربة يداومون على الصلاة، 50 في المائة منهم يقل عمرهم عن 24 سنة، بينما ترتفع النسبة إلى 95 في المائة بين من تفوق أعمارهم 60 سنة. وبين النساء، في ما يتعلق برموز التدين، تفضل 66 في المائة من المغربيات ارتداء الحجاب، بينما 40 في مائة منهن يرتدينه في الواقع، الشيء الذي يبرز، حسب خليل البنيوري، المدير التجاري لـ«دار الصفاء»، أن «للمغاربة مرجعية دينية قوية، وأن التمويل بالفائدة يقض مضجعهم».

وأنشئت شركة «دار الصفاء»، التي تعد أول مؤسسة للخدمات التمويلية المتوافقة مع الممارسات الدولية المعمول بها في مجال التمويل البديل، في شهر مايو (أيار) 2010 من قبل «التجاري وفا بنك»، بعد حصولها على ترخيص من «بنك المغرب» لممارسة أنشطتها.

وعلى علاقة بواقع التمويل الإسلامي في المغرب، أبرز مصطفى البغدادي، رئيس مجلس الإدارة الجماعي لـ«دار الصفاء»، قيمة سوق المال والبنوك والتأمينات المغربية في المحيط الإقليمي، مشددا على أن من شأن إطلاق البنوك الإسلامية أن يجذب نسبة كبيرة من المغاربة الذين يوجدون خارج دائرة التعامل التعاقدي التقليدي لاعتبارات دينية، وبالتالي يسهم في تنشيط ودعم دوران عجلة الاقتصاد الوطني. وسجل البغدادي تأخر المغرب في مجال التمويل الإسلامي، مقارنة بماليزيا والخليج وتركيا ومصر والسودان، مثلا، مستدركا أن «هذا التأخر يمكن تداركه إذا ما توفرت العزيمة والرغبة الحقيقية»، مبرزا أن البنك الإسلامي سيضمن، إلى جانب النظام البنكي التعاقدي، غناء سوق المعاملات المالية، ويمنح لجميع المغاربة فرصة الانخراط، بمن فيهم من يمتنع عن الانخراط في النظام البنكي التقليدي لاعتبارات دينية.

من جهته، قال البنيوري «إننا قليلا ما نتوقف لرصد علاقة الثقة بين الزبون والبنوك»، مشددا على أنه «في الوقت الذي تأخذ فيه المعاملات التعاقدية التقليدية بمبدأ (القانون لا يحمي المغفلين)، فإن البنوك الإسلامية تعمل بمبدأ (الشريعة تحمي المغفلين)»، ملاحظا، في هذا السياق، أن «هذا المبدأ في التعامل يبقى في صالح البنوك الإسلامية».

وجوابا عن سؤال لـ«الشرق الأوسط»، تناول إمكانية أن تتعرض آمال المغاربة في وجود سوق للتمويل الإسلامي إلى انتكاسة، قال البنيوري إنه «مهما كان الإطار القانوني، فالمسألة مسألة اختيار استراتيجي للمؤسسة المالية الإسلامية، إذ لا شيء يمنعها من أن تكون موافقة للشريعة، وإذا كانت كذلك فستكون موافقة لما ينتظره الزبون، سواء من حيث الشفافية أو عدالة توزيع الأرباح أو تحمل المخاطر».

وينبه عدد من الخبراء إلى أن إنشاء بنوك إسلامية بالمغرب سيجنب الاقتصاد المغربي هزات ومخاطر، فضلا عن أنه قد يضيع على نفسه رؤوس أموال كثيرة من دول المشرق تسعى إلى الاستثمار في البلاد، محذرين، في الوقت نفسه، من احتمال «هروب» المهاجرين المغاربة نحو التعامل مع البنوك الإسلامية في أوروبا، وبالتالي المخاطرة بمداخيل الجاليات التي تلعب دورا مؤثرا في إنعاش الاقتصاد الوطني.

ويرجع عدد من الخبراء التأخر الحاصل في إطلاق البنوك الإسلامية بالمغرب، إلى ما يسمونه «لوبي البنوك التقليدية»، الذي يمارس، حسب قولهم، ضغوطا كبيرة لمنع ولوج التمويلات الإسلامية إلى البلاد، بدعوى أنها ستكتسح السوق المالية المغربية. غير أن البنيوري يذهب إلى عكس هذا الطرح، موضحا أن «البنوك التقليدية هي التي تضع البنوك الإسلامية من رحمها، وبالتالي فليس هناك من تعارض مصلحي».