التجارة الخليجية المشتركة.. إلى أين؟!

د. سعد المنيعي

TT

أنهى قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قمة الدورة الرابعة والثلاثين لقادة دول المجلس، والتي كان من أبرز نتائجها في الشؤون الاقتصادية بعض القرارات التي قد تساعد في مسيرة السوق الخليجية المشتركة وتدفعها إلى الأمام.

لكن وعلى الرغم من تصريحات بعض وزراء دول مجلس التعاون حول نجاح المجلس في تذليل بعض العوائق والتحديات التي تواجه السوق الخليجية المشتركة، ورغم ما حققه التعاون الاقتصادي بين دول هذا المجلس من تحرير للسلع والخدمات والاتحاد الجمركي الذي أسهم بشكل كبير في زيادة التجارة البينية بين دول الخليج مما قفز بها إلى 88 مليار دولار في2012، فإن هذه السوق لا تزال تواجه بعض التحديات والمعوقات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

فعلى الصعيد الداخلي ما زالت بعض دول مجلس التعاون تضيع قيودا وحواجز غير مبررة على تملك الأراضي والأسهم وتقوم أيضا بحصر تجارة الجملة في أنشطة معينة وعدم السماح بإنشاء شركات من دون شريك وطني، ووضع بعض القيود أمام البنوك لفتح فروع لها في دول المجلس، بالإضافة إلى بعض المعوقات التي ترتبط مباشرة بالاتحاد الجمركي مثل حماية الوكيل وتعريف القيمة المضافة وبعض الإجراءات الجمركية الروتينية والتي يمكن تجاوزها بأسهل الحلول.

أما على الصعيد الخارجي فما زالت السياسات التجارية لدول مجلس التعاون متباينة، وظهر ذلك جليا عندما قامت بعض دول المجلس بتوقيع اتفاقيات تجاره حرة مع دول خارجية خارج إطار مجلس التعاون، مما سيزيد من صعوبة وصول دول المجلس لتبني سياسة تجارية خارجية موحدة. أيضا عدم وجود تأشيرة موحدة تسهل حركة رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب بين دول المجلس كان من أهم العوائق التي قد توثر على مسيرة السوق الخليجية المشتركة. إن عدم تبني سوق عمل ونظام مصرفي ومالي موحد بطأ كثيرا مسيرة السوق الخليجية المشتركة خاصة على الصعيد الخارجي.

بالمقارنة بين السوق الأوروبية والسوق الخليجية المشتركة نجد أن السوق الأوروبية حققت نجاحات كبيرة، والسبب في نظري يعود إلى كونها سوقا قامت على أسس اقتصادية لتحقيق أهداف سياسية، من خلال إنشاء سوق مشتركة في الفحم والحديد والصلب لبناء مصالح اقتصادية بحتة بالإضافة إلى تبني الاتحاد الأوروبي إجراءات تجارية موحدة داخلية وخارجية وتعيين مؤسسات مستقلة تصنع سياسات تجارية موحدة ولديها سيادة مطلقة في تنفيذ القرارات.

السوق الخليجية المشتركة من جانبها قامت على أسس سياسية لتحقيق أهداف اقتصادية، وهي أهداف اقتصادية فرعية وليست رئيسة، مما جعل توحيد السياسات التجارية وإزالة بعض العوائق والتحديات لهذه السوق أمرا يطول الحديث عنه.

ما أريد قوله إن جميع مقومات النجاح للسوق الخليجية المشتركة واضحة، ولكن لا تزال هناك بعض الإجراءات الروتينية التي أسهمت بشكل مباشر في تأخير وتيرة تقدم هذه السوق. من هنا أدعو دول المجلس، إذا ما أرادت بالفعل إنشاء كتلة اقتصادية معتبرة يتم النظر إليها بصورة أكثر جاذبية من قبل المستثمرين المحليين والأجانب، إلى إزالة جميع المعوقات والتحديات التي تواجه المواطن والمستثمر الخليجي، وذلك عن طريق تبني قرارات اقتصادية أكثر جرأة، وأيضا التخلي تدريجيا عن السيادة الاقتصادية لكل دولة، وذلك لصالح المجموعة، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر في تلك القرارات، حيث إن القطاع الخاص هو اللاعب الرئيس في أي سوق مشتركة، وذلك بعد أن تضع الحكومات سياسات موحدة ومطبقة تهدف إلى تعجيل قيام هذه السوق ومن ثم تطبيق جميع سياساتها التجارية في التعاملات الخارجية.

* باحث في التجارة الخارجية في جامعة كينغز كوليج في لندن