دول الخليج تبحث عن الأمن الغذائي في أوروبا وأميركا تجنبا لمشاكل أفريقيا

بدأت التوجه إلى ضخ استثمارات كبيرة في أراض زراعية بالخارج عام 2008

دول الخليج تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و90 في المائة من احتياجاتها الغذائية («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه دول الخليج العربية إلى تغيير مسار جهودها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي والتي تستثمر فيها مليارات الدولارات.

وبحسب تقرير لـ«رويترز» أعدته مها الدهان، فإن المستثمرين العرب يتجهون إلى الدول المتقدمة التي يفوق إنتاجها الغذائي استهلاكها بكثير.

واختارت شركة الظاهرة الزراعية الإماراتية هذا التوجه في مارس (آذار)، إذ اشترت ثماني شركات زراعية مقابل 400 مليون دولار في صربيا أحد كبار مصدري الأغذية والتي قد يكون فيها الرأي العام أقل حساسية تجاه المشروعات الزراعية المملوكة لأجانب.

وغالبا ما تكون المشروعات في أوروبا وأميركا الشمالية وبعض المناطق الأخرى أعلى تكلفة وتقل فيها فرص إقامة المشروعات على أراض واسعة مثل أفريقيا. غير أنها تتميز بقلة مشاكلها السياسية ومخاطرها بالنسبة للإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت التي تحتاج جميعها إلى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها.

على مدى سنوات ظلت دول الخليج التي تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و90 في المائة من احتياجاتها الغذائية تضخ أموالا في شراء عشرات الآلاف من الهكتارات من المزارع الرخيصة وغيرها من الأصول الزراعية في الدول النامية وخصوصا في أفريقيا.

كانت هذه الدول تأمل في أن تتيح لها تلك الاستثمارات استغلال سلال غذائية كبرى مما يجنبها التقلبات العالمية في أسعار الغذاء، لكن الواقع كان مريرا.. فبعض المشروعات الأفريقية أثارت اتهامات بأن المستثمرين العرب ينتزعون الأراضي التي يجب استغلالها في توفير الغذاء للسكان المحليين. وأثر تدهور الأوضاع الأمنية وضعف البنى التحتية سلبا على بعض المشروعات.

وقال إيكارت وارتز الباحث في مركز برشلونة للشؤون الدولية إنه رغم إعلان شركات خليجية عن خطط لإنفاق مليارات الدولارات فإن هذه المشكلات حالت دون المضي قدما في الكثير من المشروعات أو على الأقل عدم وصولها إلى حد الإنتاج الغذائي الواسع.

وقال وارتز «بدلا من الاستثمار في الأراضي الزراعية بأفريقيا يزيد التركيز على ضخ أموال في منتجين زراعيين معروفين بالفعل». وكتب وارتز كتابا عن هذا الموضوع بعنوان «النفط مقابل الغذاء».

بدأت دول الخليج في ضخ استثمارات كبيرة في أراض زراعية بالخارج في عام 2008 بعد ارتفاع أسواق العقود الآجلة للحبوب بسبب سوء الأحوال الجوية في الدول الكبرى المنتجة للأغذية وتزايد استخدام الوقود الحيوي والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية.

ولم تشرف الحكومات الخليجية الغنية قط على مواجهة نقص في الغذاء ولكنها شعرت بالقلق خاصة بعد أن فقد النفط مصدر دخلها الرئيس ثلاثة أرباع قيمته لفترة قصيرة في عام 2008.

وفي الوقت نفسه ثمة صعوبات تواجهها البرامج العالية التكلفة الرامية لزيادة الإنتاج الغذائي في الخليج في ظل المناخ القاسي ونقص المياه في المنطقة. وبدأت السعودية في تقليص برنامج زراعة القمح المحلي عام 2008 وقررت الاعتماد على الواردات اعتمادا كاملا بحلول عام 2016.

ومن ثم شجعت دول الخليج شركاتها على شراء أراض صالحة للزراعة في الدول النامية. ومثال ذلك شركة الظاهرة الزراعية وهي شركة خاصة مملوكة لمستثمرين في أبوظبي ولكن بيان مهمتها يتعهد بالشراكة مع الحكومة الإماراتية في تنفيذ برنامج الأمن الغذائي الاستراتيجي.

ورغم ذلك أظهرت السنوات القليلة الماضية حدود استراتيجية الخليج الرامية لاستثمار الأموال في حل مشكلة الأمن الغذائي. وباتت مشروعات كثيرة في الخارج عرضة للتأثر بالتغيرات السياسية المحلية.

وجمعت شركة جنان للاستثمار في أبوظبي نحو 160 ألف فدان (67200 هكتار) من الأراضي الصالحة للزراعة في مصر أحد كبار مستوردي القمح في العالم. وكانت الشركة تخطط في الأصل لزراعة علف للماشية في الإمارات. غير أن «جنان» تضررت جراء ضريبة على الصادرات بلغت 300 جنيه مصري (43 دولارا) للطن وواجهت مشكلات من بينها إضرابات عمالية ونقص السولار اللازم لتشغيل الآلات. وقال محمد العتيبة رئيس الشركة إن ذلك أجبر «جنان» على زراعة القمح بدلا من العلف وللاستهلاك المحلي في مصر.

وقال العتيبة إن الشركة تكبدت خسائر متكررة ومن ثم فإنها تعمل الآن في مصر على زراعة الحبوب فقط وستعمل في مجال الألبان ولكن جميع المنتجات للاستهلاك المحلي.

وواجه الملياردير السعودي محمد العمودي مشكلات في إثيوبيا بعد أن استحوذت شركته على نحو 10 آلاف هكتار في منطقة جامبيلا لزراعة الأرز. وفي أبريل (نيسان) 2012 نصبت جماعة مسلحة كمينا لموظفي الشركة مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان إنها تعتقد أن الهجوم مرتبط بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لإعادة توطين سكان القرى بهدف إفساح المجال أمام المشروعات الزراعية التجارية. وقالت الشركة آنذاك إنها تعتقد أن عناصر خارجية أشاعت العنف واستمرت في مشروعها. ويقول مستثمرون خليجيون إنهم يراعون احتياجات الدول المضيفة وإن المشروعات تعود بالنفع على السكان المحليين من خلال تنشيط الاقتصاد. لكن قد يصعب تجنب إثارة الجدل في دول لها تاريخ في الفقر والمجاعات. وقال روب بيلي رئيس الأبحاث في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن: «ثبت أنه من الصعب للغاية تنفيذ مشروعات كبرى مثل المشاريع الحالية بمنأى عن المشكلات في ظل نقص البنى التحتية وسوء وسائل الري والتقنيات غير المتطورة كما تحتاج أيضا إلى التعامل مع السكان المحليين ومشكلاتهم». لذلك يزداد اهتمام دول الخليج بالمشروعات التي تقام في أوروبا والولايات المتحدة اللتين تبدو فيهما المخاطر السياسية أقل ولكن لا يمكن إغفالها.

ولم تعلن تفاصيل بعض المشروعات ولذا لا تتوفر معلومات شاملة عن حجم الاستثمارات الخليجية. غير أن بيلي قال إن دول الخليج «تعيد توزيع محافظها الاستثمارية» لتتجه بها نحو الغرب في المجال الزراعي.

وتردد أن استثمار شركة الظاهرة في صربيا هو أكبر استثمار في قطاع الزراعة بالبلاد على مدى عقود ويهدف إلى تطوير الشركات لزراعة الأغذية ومعالجتها من أجل تصديرها. وعلاوة على ذلك أعلن صندوق أبوظبي للتنمية وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات عن قرض بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي.

وتستثمر «الظاهرة» أيضا في أماكن أخرى بأوروبا والأميركيتين، بينما ضخت «جنان» استثمارات في الولايات المتحدة وإسبانيا.

وأسست شركة حصاد الغذائية - الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري - فرعا في أستراليا عام 2009 يركز على القمح والشعير والماشية. وفي يونيو (حزيران) الماضي استحوذت شركة المزارعون المتحدون القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة كونتيننتال فارمرز التي تملك مشروعات زراعية في بولندا وأوكرانيا وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة. ومجموعة كونتيننتال فارمرز مملوكة لكل من الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) وشركة المراعي السعودية لمنتجات الألبان وشركة الحبوب والأعلاف السعودية القابضة (سجاف). وأخذت معظم المشروعات الخليجية في أفريقيا شكل شراء الأراضي مما يجعلها في حاجة لمزيد من التقنيات الزراعية اللازمة لبدء تنفيذها. وعلى عكس ذلك جرى ضخ كثير من الاستثمارات في أوروبا في مشروعات زراعية لا تحتاج إلا لبعض الدعم المالي لتنفيذها.

وقال بريان باريسكيل مدير سلسلة التوريد لدى شركة الظاهرة إنه «في أغلب الأحيان تكون هناك شركات وصلت إلى مستوى معين وتحتاج إلى استثمارات للانتقال إلى المستوى التالي وهو ما يوفر لنا شراكات جيدة».