البلغاريون يميلون للهجرة إلى الغرب مع رفع القيود الأوروبية اليوم

سعيا وراء رواتب أعلى في بلدان غرب القارة

مسافر يستعد لركوب حافلة من مدينة فارنا بالبحر الأسود متجها نحو العاصمة البريطانية لندن عبر صوفيا في أول يوم لرفع القيود الأوروبية (أ.ب)
TT

لدى إيرفين إيفانوف، الطالب بالسنة الرابعة بكلية الطب، شعور أكيد أنه سيغادر بلغاريا، كما أنه متأكد أن أكثر زملائه في الدراسة سيفعلون نفس الشيء.

وقال إيفانوف، البالغ من العمر 22 عاما أثناء وقوفه في رواق إحدى كليات الطب التي تنتمي للحقبة الزمنية للاتحاد السوفياتي الموجودة في بلغاريا: «من المحتمل أن كثيرا من زملاء الدراسة يفكرون في العمل في بلاد أوروبية أخرى، ولكن بالتأكيد أن بلغاريا ليست من ضمن تلك الدول».

وعلى الرغم من إعفاء إيفانوف من الرسوم في ضوء دعم الدولة لكثير من التكاليف الدراسية، فإنه يحلم بمزاولة أنشطته في سويسرا أو ألمانيا لأن هذه الدول تقدم رواتب أعلى، بالإضافة إلى توفير كثير من الأنظمة الطبية المتخصصة والمتقدمة.

ويضيف الطالب إيفانوف أنه «يرى نفسه على أني شخص أوروبي طموح اختصاصي في الأورام».

يذكر أن هناك تسع دول بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، سترفع القيود المفروضة على العمالة البلغارية والرومانية في اليوم الأول من عام 2014. بيد أن كثيرا من العمالة المهرة بل وحتى غير المهرة وجدت بالفعل كثيرا من السبل للعمل في هذه الدول. ومن خلال النظر إلى بيانات الدخل، يظهر لنا السبب الذي قد يدفع البلغاريين والرومانيين إلى الاستمرار في البحث عن مكان أفضل.

ووفقا لاستعراض بيانات الدخل التي جرى الحصول عليها من مكتب الإحصائيات «يوروستات»، فإن خمس الأشخاص الأكثر ثراء في مجتمع بلغاريا ورومانيا، وهما البلدان اللذان انضما إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007، لديهم معدل دخل أقل من خمس الأشخاص الأكثر فقرا وسط مجتمع بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو أي دولة أوروبية أخرى ثرية.

ومن الواضح بجلاء، أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أن كونك فقيرا في بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا يعتبر أمرا أفضل من أن تكون ضمن الشريحة الأعلى دخلا في بلغاريا أو رومانيا، حيث إن تكاليف المعيشة تكون أقل بشكل كبير في صوفيا مقارنة بنظيرتها في لندن.

بيد أن الإغراء بسبب وجود مرتبات أعلى لا يمكن تجاهله عندما يجري رفع القيود، ولا سيما أن معدل البطالة في بلغاريا ارتفع بشكل حاد على مدار نصف العقد المنصرم. وبعد أن توقف هذه المعدل عن الانحدار إلى الأدنى بنحو 6 في المائة في نهاية عام 2008، عاد المعدل للارتفاع باطراد بنسبة 13.2 في المائة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) .

وفي سياق متصل، كشفت المقابلات التي أجريت في شهر ديسمبر (كانون الأول) مع المواطنين القاطنين في صوفيا، عاصمة بلغاريا، عن حالة الإحباط المنتشرة على نطاق واسع بشأن تعاقب الحكومات والفساد وعدم قدرة الدولة على التخلص من أصولها السوفياتية. وفضلا عن ذلك، فإن الدولة عاجزة عن الخروج من مشكلة كونها أكثر الدول الأوروبية فقرا. (وطبقا للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، فإن ناتج بلغاريا يأتي في ذيل القائمة بين دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 28 دولة).

وفي هذا الصدد، تكون المزحة المعتادة هي: «يوجد طريقان للخروج من أزمة بلغاريا وهما: المحطة 1 والمحطة 2» بالإشارة إلى المحطتين الموجودتين في مطار صوفيا.

وعلى الرغم من ذلك، يعرب الكثيرون عن رغبتهم في البقاء في بلغاريا، حيث يرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد أدى إلى وجود بعض الأمل. فيما ذكر بعض الأشخاص حالة الاضطراب في أوكرانيا كقصة تحذيرية ذات عبرة ومغزى في هذا السياق.

وقالت بولينا نايدينوفا، البالغة من العمر 24 عاما والتي تدرس القانون الدولي، إنها أرادت البقاء هنا في المكان الذي يوجد فيه «أصدقاؤها وأسرتها وكذلك حياتها». وتأمل نايدينوفا «أن تسنح لها الفرصة بطريقة ما من أجل تغيير الأشياء بطريقة بناءة في بلدها». وقال بيتر كيوسيف، وهو طالب آخر يدرس القانون ويبلغ من العمر 24 عاما، إنه كان يأمل في الانتقال إلى أمستردام، ولكن سينتهي به المطاف أيضا بالعودة إلى بلاده. وأضاف كيوسيف: «أحاول بذل قصارى جهدي من أجل البقاء هنا، إلا أن بلدي لا تفعل المثل لكي أبقى فيها».

وفي نفس السياق، تقول ليليا فلايفا، الطالبة البالغة من العمر 26 عاما التي تدرس علم الاقتصاد، إنها ستبقى في بلغاريا. وأردفت قائلة: «مستوى المعيشة هنا في بلغاريا ليس مرتفعا للغاية مقارنة بنظيره في لندن في بريطانيا العظمى على سبيل المثال. ومن وجهة نظري، أن معدل مرتبات الشباب يكفيهم للعيش بمستوى جيد، ولا أقول إن هذا المعدل يمكنهم من العيش بنفس مستوى الأغنياء، ولكنه يوفر مستوى معيشة معقول».

بيد أن فلايفا قالت إن كثيرا من زملائها في الدراسة الذين يدرسون في الخارج لا يفضلون العودة إلى بلغاريا. «إنني أعرف نحو 10 أو 15 شخصا من الأشخاص الذين فضلوا عدم العودة إلى بلغاريا العام الماضي، وقد كانوا في بلاد مختلفة، بيد أن قرار عدم العودة إلى الوطن يعتبر قرارا شخصيا».

وعلاوة على ذلك، فإن بلغاريا لديها عدد كبير في أغلب الأحيان من أقلية الروما أو الغجر الفقراء. وفي حديثه خارج إحدى مراكز التوظيف الرسمية، قال مينكو إنجيلوف، أحد أفراد أقلية الروما البالغ من العمر 57 عاما والذي تعرض للفصل من وظيفته في إحدى الشركات المحلية لتعبئة منتجات «كوكاكولا»: «لا أرى أي بارقة أمل في السنوات العشرين المقبلة، ويتمثل السبيل الوحيد في العمل بالخارج». وعلى الرغم من أنه يتحدث اللغتين البلغارية والروسية فقط، فإنه يرفض السفر إلى أوروبا قائلا: «إن مسألة اللغة تعد مشكلة كبيرة».

أدى تغيير القوانين المعلقة الخاصة بالعمل إلى دق ناقوس الخطر، ولا سيما في بريطانيا، التي امتلأت بالمهاجرين البولنديين على مدار العقد الماضي. فضلا عن أن الظروف ليست متوازنة بالشكل الكامل. وفي عام 2004، فتحت بريطانيا حدودها أمام البولنديين، كما غيرت قواعد العمل المتبعة لديها بهدف تسهيل الأمور المتعلقة بالتوظيف. وفي هذا التوقيت، تقوم تسع دول بتسهيل قوانين العمل الموجودة لديها بالتزامن معا بسبب القوانين الأوروبية المتبعة، بيد أن حدود تلك الدول مفتوحة بالفعل بما يسمح للبلغاريين والرومانيين بزيارتها.

وفي هذا الصدد، يتسع مجال الإسقاط وتسليط الضوء بشكل كبير، مع الافتراض بعدم معرفة أي شخص فعلا لما سيحدث بعد تغيير القوانين. فعلى إحدى الجوانب، وعلى الرغم من الادعاء الصادر مؤخرا عن التيار اليميني بالمعهد الديمقراطي، الكائن مقره في واشنطن ولندن، حيث كان هناك تنبؤ بنزوح 385 ألف مهاجر، على أقل تقدير، من بلغاريا ورومانيا إلى بريطانيا على مدار السنوات الخمس المقبلة، إلا أن تلك الجماعة التزمت السرية حيال المنهجية الخاصة بها. وعلى النقيض من ذلك، قالت الحكومتان البلغارية والرومانية إنه لن يكون هناك تغيير ملموس بشأن مسألة الهجرة.

ويزعم المسؤولون البلغاريون أن هناك سبلا متاحة بالفعل أمام العمال لكي يجدوا وظائف في أوروبا. ومن جانبه، قال وزير المالية البلغاري بيتر تشوبانوف: «لا أعتقد أن اليوم الأول من شهر يناير (كانون الثاني) سيكون سيئا للغاية، بحيث سنرى الآلاف والآلاف من الأشخاص يغادرون بلغاريا، فلن يحدث ذلك الأمر».

وأضاف تشوبانوف: «إذا كان هناك أي شخص يرغب في ترك البلاد، فإنه يعتبر قد تركها بالفعل».

ويتفق دانيل كالينوف، المدير التنفيذي لأحد وكالات التوظيف الخاصة في صوفيا والتي تساعد الأفراد على إيجاد فرص عمل بالخارج، مع تشوبانوف في وجهة نظره. وأضاف كالينوف أن كثيرا من الأشخاص الذين سعوا للدخول إلى سوق العمل، حتى العمال غير المهرة، يمكنهم إيجاد الحلول من خلال الروتين الحكومي للنظام الحالي. وعلاوة على ذلك، لم يرتفع عدد الطلبات المستلمة قبل تغيير القانون. وقال كالينوف في معرض حديثه عن بريطانيا: «لن ترى الحافلات تدخل إلى البلاد لتغمر هذا البلد وتملأه بالعمال».

يذكر أن الحكومة البريطانية قامت مؤخرا بزيادة صعوبة الإجراءات أمام المهاجرين فيما يخص تلقيهم إعانات الدولة. ومن جانبه، أدلى مارك هاربر، وزير الهجرة، بتصريحه قائلا: «نفعل كل ما بوسعنا لتقليل عملية الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل التعامل مع العوامل التي تزيد من معدلات الهجرة».

ربما أن أكثر الأمور التي تثير قلق بلغاريا هي هجرة أطبائها إلى الخارج. وفي هذا الصدد، يقول مارين مارينوف، رئيس القسم الطبي بجامعة صوفيا: «يهاجر الأطباء بكل بساطة، بيد أن هذا الأمر سيء للغاية». وأوضح أن الأبحاث السابقة أظهرت أن ثلثي الخريجين يخططون لمغادرة البلاد.

وأردف مارينوف: «إنكم تقومون بتعليم هؤلاء الخريجين لمدة ستة أعوام، بالإضافة إلى استثمار الأموال والقدرات الفكرية وكل شيء تملكونه بهدف تعليمهم ليصيروا أطباء جيدين، وبعد ذلك، يختفي هؤلاء الخريجون».

ليس من الصعوبة إيجاد الأشخاص المحبطين في هذه المدينة. فلقد صارت المظاهرات تنظم يوميا منذ المحاولة الفاشلة للحكومة الحالية التي يترأسها الاشتراكيون من أجل تعيين أحد الإعلاميين الموالين لها كوزير للأمن في الصيف الماضي. وكان من بين المتظاهرين الموجودين خارج مبنى البرلمان في صباح أحد الأيام الباردة في شهر ديسمبر، إميل نيكولوف وتيودورا شالفارديفا، البالغين من العمر 19 عاما، حيث كان يرتديان معطفين بقلنسوة. وكان نيكولوف يرتدي معطفا لونه أزرق، بينما ارتدت شالفارديفا معطفا قرنفلي اللون وكانت تحمل أحد مكبرات الصوت.

وتقول شالفارديفا: «كان بإمكاني الذهاب إلى فرنسا للدراسة هناك، بيد أنني قررت البقاء هنا. وفي نهاية المطاف، ففي حال عدم تغير الوضع، ربما سأضطر في أحد الأيام للذهاب إلى مكان ما آخر».

وقال نيكولوف: «ليس لدينا مستقبل هنا، ولا يمكننا الحصول على فرصة جيدة في هذا البلد. ويعتبر ذلك هو السبب وراء مغادرة جميع الشباب لبلغاريا».

* خدمة «نيويورك تايمز»