جانيت يلين.. المرأة التي تسيطر على 16 تريليون دولار

من حي عمالي في بروكلين تربت فيه على حافة الفقر.. إلى إدارة اقتصاد أميركا

جانيت يلين (رويترز)
TT

وضعت مجلة «تايم» الأميركية الأسبوعية على آخر غلاف لها صورة جانيت يلين (67 عاما) التي صارت أول امرأة تحتل منصب مدير مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي)، ومع الصورة عبارة: «المرأة التي تسيطر على 16 تريليون دولار»، هي الاقتصاد الحكومي الأميركي.

رغم «ثروتها» الحالية، ولدت وتربت في منطقة عمالية في حي بروكلين، في نيويورك. ورغم أن والدها كان طبيبا، لم ينس تجربة سنوات الانهيار الاقتصادي عام 1929، حيث عاشت كل أميركا تقريبا على حافة الإفلاس.

وعن هذا، قالت: «أتذكر قصص والدي، ووالدتي، عن تلك الفترة. كان والدي طبيب الفقراء. وكان يكتفي بدولارين تكاليف علاج عامل اشتكى بأنه لا يملك مالا كثيرا. وأحيانا كان يعالجه دون مقابل».

طبعا، لم تعش يلين فترة الانهيار الاقتصادي، لكنها عاشت تجربة والديها. وخصوصا البطالة المتفشية التي انتشرت في كل الولايات المتحدة. وقالت، في مقابلة مجلة «تايم»: «ليست العطالة تجربة اقتصادية فقط، إنها، أيضا، تجربة إنسانية، تجربة حزينة».

ربما لهذا، لم تكن صدفة أن يلين كانت العضو الوحيدة في مجلس إدارة البنك المركزي التي حذرت من الكارثة الاقتصادية التي بدأت عام 2008، قبل أن تبدأ بسنتين. كانت، في ذلك الوقت، تعمل في فرع البنك المركزي في كاليفورنيا. وكتبت دراسات بأن البنوك الأميركية تبالغ في تقديم قروض لبناء المنازل لناس لا يقدرون على دفع أقساط القروض.

ثم مضت سنتان، وصارت يلين نائبة محافظ البنك المركزي، عندما بدأت تجربة من نوع جديد: يشتري البنك المركزي، كل شهر، مليارات الدولارات من السندات والأسهم (لتتدفق مليارات الدولارات في الاقتصاد الأميركي). قالت إنها أيدت هذه الخطوة (انتقدها آخرون، وقالوا إن البنك المركزي يعالج الأزمة الاقتصادية بطباعة مليارات الدولارات)، لأنها تذكرت مشكلات العطالة. خاصة مشكلات العطالة التي سمعتها من والديها.

وقالت: «ليس هدفنا هو ترهيل الاقتصاد الأميركي. هدفنا هو ان يجد العاطلون وظائف تفيدهم بدخولها، وتفيد الاقتصاد عندما ينفقون هذه الدخول».

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست»، يوم فازت يلين بموافقة الكونغرس على وظيفتها الجديدة: «ليست يلين كينزية. لكن، كينزية إصلاحية». يشير هذا إلى الفيلسوف الاقتصادي البريطاني جون كينز (توفي عام 1946)، صاحب نظرية تدخل الحكومة لعلاج المشكلات المالية، بطريقتين:

أولا: تستغل الميزانية السنوية لزيادة الصرف الحكومي لإنعاش الاقتصاد.

ثانيا: يزيد البنك المركزي، أو يقلل، العملة المتوفرة بما يشجع الاقتصاد.

تبدو يلين لا تريد الإنفاق الحكومي الكبير (خوفا من زيادة العجز في الميزانية، وزيادة مديونية الحكومة). ولا تريد فيضانا من الدولارات المطبوعة (خوفا من التضخم، وما بعد التضخم).

لكن، يوجد عامل ثالث ليس اقتصاديا، ولا حتى عقلانيا. عامل عاطفي، في التفاؤل الذي اشتهرت به. وفي حرصها على حل مشكلات الناس الاقتصادية من منطلق إنساني (وليس فقط بسبب نظريات خبراء وفلاسفة الاقتصاد).

وصفتها مجلة «تايم» بأنها «العمة» (أو الخالة) التي تسأل عن حال أبناء وبنات أخواتها وإخواتها. ودون إساءة، قالت إنها «عمة قصيرة»، إشارة إلى قوامها وإلى تحركها البطيء، وهي تمشي، أو تقلب الأوراق في مكتبها العملاق الذي يطل على «ناشيونال مول» (الميدان الوطني) في واشنطن العاصمة. بين وزارة الخارجية، والبيت الأبيض.

ومثل «العمة»، تهوى، مع زوجها الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، الأكل في المطاعم الراقية، ثم تحمل بقايا الأكل في أكياس، تعود بها إلى المنزل.

ومثل «العمة»، تبدو دائما متفائلة. والآن، أمام التحدي الأكبر، قالت للمجلة: «أعتقد بأننا سنرى نموا أكبر هذه السنة.. ستكون النسبة ثلاثة في المائة، أكثر من اثنين في المائة. (بالمقارنة مع اثنين في المائة في السنة الماضية). وبالنسبة لسوق العقارات، أعتقد بأنه (بعد هدوء في العام الماضي) سيكون أفضل، وأتوقع انتعاشا جديدا. وبالنسبة للاستهلاك، أتوقع أن الناس سوف تستهلك أكثر هذا العام، والأعوام التالية. نعم، كان التحسن في الاقتصاد (بعد كارثة عام 2008) بطيئا ومعقدا. لكن، نحن نحقق تقدما كبيرا، ونحرص على مزيد من فرص العمل، وتخفيض العطالة».

وأخيرا، تبدو «العمة يلين»، أهم اقتصادية في العالم، غير خائفة من أن إغراق الاقتصاد الأميركي بالدولارات لن يزيد التضخم (الخوف الرئيسي من جانب ناقديها، اعتمادا على نظريات اقتصادية عريقة). وقالت إن نسبة التضخم ستكون اثنين في المائة، وهي نسبة ظلت مستمرة لسنوات.

ربما ستتغلب «إنسانية العمة يلين» على هذه النظريات.