الأمم المتحدة: نمو قياسي للاستثمارات الأجنبية في الأسواق الصاعدة بزيادة 22 في المائة

تراجعت في فرنسا بصورة مقلقة تجاوزت الـ77 في المائة

TT

أشار تقرير للأمم المتحدة أمس إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأسواق الصاعدة الخمس الرئيسية في العالم زادت خلال العام الماضي بنسبة 22 في المائة إلى 322 مليار دولار حيث قفزت روسيا إلى المركز الثالث كأكبر سوق جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم.

وذكر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن الاستثمارات العابرة للحدود في العالم زادت بنسبة 9.‏10 في المائة خلال العام الماضي إلى 46.‏1 تريليون دولار ومن المتوقع وصولها خلال العام الحالي إلى 6.‏1 تريليون دولار. في الوقت نفسه حذر التقرير من أن سحب الولايات المتحدة لإجراءات التحفيز الاقتصادية يمكن أن تحد من التعافي الاقتصادي في مستوى العالم.

ووفقا للتقرير فإن الولايات المتحدة والصين احتفظتا بالمركزين الأول والثاني كأكبر دول جاذبة للاستثمار في العالم خلال العام الماضي. وزادت الاستثمارات القادمة إلى الدول المتقدمة خلال العام الماضي بنسبة 12 في المائة تقريبا بفضل الزيادة في دول مثل إسبانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان.

في المقابل زادت الاستثمارات الصادرة من أميركا الشمالية بنسبة 6 في المائة في ظل تراجع صفقات الاندماج والاستحواذ. وتراجع اهتمام المستثمرين الأجانب بكل من فرنسا والنرويج وسويسرا والمجر خلال العام الماضي. أما الأسواق الصاعدة الرئيسية وهي البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا فهي تمثل الآن أكثر من خمس الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم حيث ضاعفت حصتها من هذه الاستثمارات مقارنة بالفترة السابقة عن الأزمة المالية العالمية في 2008.

من جهة أخرى جاءت الأرقام الخاصة بالاقتصاد الفرنسي مخيبة للآمال حيث لم تتجاوز حصة 5.7 مليار دولار ما يشكل تراجعا نسبته 77 في المائة قياسا لعام 2012. عندما زار الرئيس الفرنسي السعودية نهاية الشهر الماضي، حرص في كلمته أمام منتدى رجال الأعمال الفرنسيين والسعوديين على حث الأوائل على المجيء إلى فرنسا والاستثمار فيها والاستفادة من الفرص الكبيرة التي يوفرها اقتصادها. وأول من أمس عاود فرنسوا هولاند الكرة متوجها هذه المرة إلى رجال الأعمال الأتراك الذين كانوا مجتمعين في إسطنبول. ولم يفت الرئيس الفرنسي لدى استقباله أفراد السلك الدبلوماسي المعتمدين في فرنسا قبل أسبوعين بمناسبة العام الجديد أن «يذكرهم» بترحيب فرنسا بالاستثمارات الأجنبية وإلى حث الشركات «المترددة» إلى المجيء إلى فرنسا.

وتندرج دعوة هولاند الثابتة في إطار ما يسمى فرنسيا «الدبلوماسية الاقتصادية» التي تعني توظيف العلاقات السياسية والدبلوماسية من أجل الارتقاء بالاقتصاد الفرنسي وفتح مجالات جديدة للتعاون والمبادلات التجارية واجتذاب الاستثمارات الأجنبية.

والمؤلم بالنسبة لفرنسا أن بلدان الاتحاد الأوروبي عرفت نمو الاستثمارات الأجنبية للفترة عينها بنسبة 37.7 في المائة. كذلك فإن المقارنة بين فرنسا وألمانيا التي تريد باريس التشبه بها بشكل دائم لا تميل لصالح فرنسا إذ أن الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا تضاعفت أربع مرات لتصل إلى 32.3 مليار دولار ما يساوي ست مرات ما وصل إلى فرنسا لا بل إن بلدا كإسبانيا كان اقتصاده شبه منهار قبل ثلاث سنوات اجتذب 37 مليار دولار وإيطاليا 10 مليارات دولار (مقارنة بـ100 مليون دولار لعام 2012). أما قصب السبق فيبقى بيد الولايات المتحدة الأميركية التي تحتل المركز الأول عالميا حيث إنها اقتطعت من الاستثمارات العالمية 159 مليار دولار تتبعها الصين «127 مليار» فروسيا «94 مليارا». وجدير بالذكر أن أربعة اقتصادات صغيرة أو متوسطة الحجم «آيرلندا، بلجيكا، هولندا ولوكسمبورغ» نجحت في استقطاب 100 مليار دولار العام الماضي الأمر الذي يطرح على المسؤولين الفرنسيين إشكالية السياسة الاقتصادية التي يتبعونها والتي تنصب انتقادات أوساط اليمين ورجال الأعمال عليها. ولذا، وبالنظر لهذه الأرقام، فإن الحالة الفرنسية تبدو «استثنائية» وتبين المسافة التي يتعين على فرنسا اجتيازها قبل العودة مجددا وبقوة إلى ساحة المنافسة وتوفير الحوافز الاقتصادية والضريبية للمستثمرين الدوليين وإغرائهم بالتوجه إلى الاقتصاد الفرنسي.

وتترافق خيبة الاستثمارات الأجنبية مع خيبة استمرار العجز الكبير في الميزان التجاري الذي وصل للعام المنصرم إلى 60 مليار يورو وإلى خيبة استمرار ارتفاع معدلات البطالة التي تصيب ما يزيد على 10 في المائة من الفرنسيين في سن العمل ناهيك عن صدمة غياب النمو الاقتصادي الذي لم يزد في الربع الأخير من العام الماضي على 0.1 في المائة.

ويبدو الرئيس الفرنسي واعيا للمعوقات التي تكبل اقتصاد بلاده. من هنا، فإن المؤشرات المتوافرة تدل على رغبته في تجريب سياسة اقتصادية مختلفة عن السياسة التي اتبعها حتى الآن وهي ترتكز على خفض كلفة الإنتاج بدل التركيز سابقا على إنعاش سياسة الطلب عن طريق رفع الرواتب. وتترجم السياسة الجديدة التي عرضها بشكل عام في كلمته إلى الفرنسيين نهاية العام الماضي ثم فصلها في مؤتمره الصحافي الأخير على خفض عبء التكاليف الاجتماعية الواقعة على الشركات من أجل زيادة قدراتها التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية وتمكينها من الاستثمار والتوسع ما سيدفعها لاحقا إلى توفير فرص العمل التي تحتاجها البلاد.

وكانت الحكومة والرئاسة على السواء أصيبتا بخيبة إذ أن الوعد الذي قدمه هولاند لمواطنيه وقوامه أن ارتفاع معدلات البطالة سيتوقف بل إن أرقامها ستبدأ بالتراجع مع نهاية العام الماضي لم تتحقق بل ما زالت إلى ارتفاع لتزيد على الملايين الثلاثة. ولذا، فإن تراجع الاستثمارات الأجنبية ليس خبرا سارا البتة بالنسبة للحكومة لأنه يعني نقصا في انطلاق المؤسسات والمشاريع الجديدة ونقصا في توفير الفرص لليد العاملة الباحثة عنه.

وترى المصادر الاقتصادية أن ثقل الضرائب المفروضة على الشركات والتعقيدات الإجرائية والإدارية وإقرار القوانين التي تزيد الأعباء الضريبية لا تصد فقط المستثمرين الأجانب بل إنها تدفع أيضا المستثمرين والشركات الفرنسية إلى التوجه إلى الخارج كما أن الأثرياء الكبار يهربون من يد مصلحة الضرائب الثقيلة من خلال اجتياز الحدود والتوجه إلى بريطانيا أو بلجيكا ولوكسمبورغ وغيرها.