مدير الجمارك السودانية: الاتحاد الجمركي العربي ليس مرهونا بموافقة كل الدول العربية

سليمان لـ «الشرق الأوسط» : خسائر الغش التجاري في العالم العربي تتجاوز 300 مليار دولار

اللواء الدكتور سيف الدين سليمان
TT

كشف مدير الجمارك السودانية عن أن خسائر الغش التجاري عالميا تقدر بـ700 مليار دولار وعربيا تقدر بـ300 مليار دولار، مؤكدا أن المواد المشعة ومواد التفجيرات الإرهابية أكبر تحد يواجه العمل الجمركي، بينما الربط الشبكي بين الإدارات الجمركية وتبادل المعلومات أكثر المطلوبات التي تقلق الجمرك.

وقال اللواء شرطة الدكتور سيف الدين سليمان، مدير الجمارك السودانية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن إطلاق الاتحاد العربي للجمارك في 2015 لا يعني تعميمه على كل البلاد العربية»، مبينا أنه لا تجبر أي دولة على الالتزام بضوابطه فورا، مشيرا إلى أن خلق موازنة بين تسهيل التجارة وتأمينها في الوقت نفسه يتطلب تطوير الأداء والأدوات الجمركية. وعلى الصعيد السوداني، أوضح سليمان أن الجمارك السودانية تسهم في 32 في المائة من ميزانية الدولة، وتسهم بما يعادل 68 في المائة من التحصيل الضريبي، مشيرا إلى سعي الجمارك للمساهمة في سد فجوة النقد الأجنبي في بنك السودان المركزي.. فإلى تفاصيل الحوار:

* ما تقديراتكم لخسائر الغش التجاري والتقليد عالميا وعربيا وسودانيا؟ وأين تكمن الخطورة في ذلك؟

- على المستوى العالمي، فإن التقديرات الصادرة عن منظمة الجمارك العالمية تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يخسر سنويا ما يتجاوز 700 مليار دولار بفعل السلع المغشوشة والمقلدة، وعلى المستوى العربي فإن الاقتصاد العربي يخسر ما يتجاوز 300 مليار دولار سنويا، وعلى المستوى السوداني قامت الجمارك بإجراء مسح للسلع المزيفة وكان حجمها كبيرا، وما جرت إبادته من السلع المقلدة والمزيفة يفوق خمسة ملايين دولار في عام 2012. لكن تبقى الخطورة أكثر في أنواع الغش التجاري المتعلق بتزييف الأدوية، تليها الأغذية، وذلك لأنه يتصل بصحة المواطن بشكل مباشر، وللأسف فإن في هذا المجال تقع حالات غش كبيرة جدا، وهي مسألة خطيرة يؤاخذ بها دائما دول العالم الثالث لعدم وجود أدوات رقابة فعالة.

* برأيك ما التحديات التي تواجه العمل الجمركي عربيا وسودانيا؟

- التحدي الأكبر يتمحور حول أن هناك مهام جديدة للجمارك، تعنى بحماية المجتمع والبيئة، إذ إن منظمة الجمارك العالمية طرحت قبل سنتين مبادرة الجمارك الخضراء، لضبط الكثير من السلع والغازات المستنفدة لطبقة الأوزون، وهي غازات محرمة دوليا مع أنها تستخدم في الثلاجات ومكيفات الفريون، كذلك تسرب المواد المشعة، إذ إن هناك غازات مضرة للبيئة وأخرى صديقة لها، غير أن إبادة الغازات المضرة وبالأخص الغازات المستنفدة لطبقة الأوزون، تعد عملية خطرة جدا، ما حتم على الجمارك أن تضاعف من قدراتها وتوسع من معاملاتها الجمركية، بجانب التحدي المتعلق بكيفية خلق موازنة بين تسهيل التجارة وتأمينها في الوقت نفسه، ما يتطلب تطوير الأداء والأدوات الجمركية.

* ما أكثر ما يقلق عمل الجمارك؟

- أعتقد أن المطلوبات العاجلة التي تقلق الإدارات الجمركية، هي مسألة الربط الشبكي بين الإدارات الجمركية وتبادل المعلومات، لحل الكثير من الإشكاليات التي تساعد على التجارة البينية بين البلاد العربية، ومكافحة الغش والتقليد والمخالفات في السلع، وإذ إن هناك حاجة ملحة لتطوير عمل المنافذ الحدودية المشتركة وفق المعايير العالمية، لحل جميع الإشكالات وتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية للبلاد العربية، لكن عموما البنية التحتية الجمركية العربية الموحدة، تحتاج إلى لتنسيق.

* هل لذلك علاقة بمكافحة الإرهاب؟

- كما ذكرت لك فإن تسهيل التجارة أصبح مرتبطا بالأمن، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بواشنطن، لأن التجارة من الممكن أن تكون هي نفسها مهددة لأمن الدول من خلال حركة البضائع والحاويات التي قد يستغلها الإرهابيون بشكل أو بآخر لنقل متفجرات من دولة إلى أخرى، أو تكون هناك حاوية بها نفايات ذرية يجري نقلها من دولة إلى أخرى، ولذلك من الممكن أن تأتي العمليات الإرهابية من خلال التجارة، وبالتالي لمكافحة مثل هذا العمل لا بد من توفير إدارة جمركية متطورة وذات قدرات وفق المعايير العالمية، حتى تقلل من التدخل اليدوي في وجود أجهزة فحص آلية لكشف المحظور، سواء كانت مواد مشعة أو أسلحة أو مواد متفجرة، فهي العمل المطلوب الوحيد الذي يضمن عدم حصول عمليات إرهابية من خلال التجارة.

* هناك عدم توافق بين مديري العموم للجمارك حول الإعفاء الجمركي فيما يتعلق بالبريد تحديدا.. فما السر في ذلك؟

- أعتقد أن مسألة الإعفاء الجمركي بشكل عام ليس فيها مشكلة غير أن لكل دولة تشريعا معينا في سقفها للإعفاء، ولكل دولة تجربتها الخاصة في الإعفاء حسب طبيعتها واقتصادها، وذلك لأن الإعفاء إذا أطلق دون ضوابط فسيجري استغلاله بشكل غير منضبط، وبالتالي تفقد البلاد إيرادات ضخمة جدا، أما بالنسبة للبريد فكان رأينا أن تقوم كل دولة بتحديد سقف الإعفاء وفق التشريع الوطني الخاص بها، لكن طبعا الجدل الذي يدور حول البريد من ناحية أخرى أنه أصبح عملا مخترقا يمكن أن يستغل باسم جهة أخرى وبمزاعم أنه شخصي، وقد تكون بنية التجارة أو تكون مصدر مواد محظورة تستخدم في التشعيع أو التلوث أو العمليات الإرهابية والمتفجرات.

* برأيك إلى أي مدى يمكن تنفيذ الاتحاد الجمركي العربي في 2015؟ وهل كل البلاد العربية ستلتزم بضوابطه فورا؟

- أعتقد أن الاتحاد الجمركي لم تكتمل أدواته بعد، إذ لا بد من إجازة القانون الجمركي الموحد الذي لم تجرِ إجازته حتى الآن، كما لا بد من إجازة التعريفة الخارجية الموحدة للاتحاد، وهي ما زلت في مرحلة الإعداد وتكوين اللجان الفنية، وطبعا الجهة المسؤولة عن هذه الترتيبات هي أمانة الجامعة العربية، غير أنه من الممكن أن تستكمل خلال هذه الفترة هذه الأدوات ويعلن إطلاق الاتحاد، لكن لا يعني أن جميع الدول العربية تستكمل دخولها في التاريخ نفسه، ووقتها تكون أي بضائع داخل الإقليم ذات منشأ في الاتحاد نفسه مُعفاة، أما أي بضائع أتت من طرف ثالث فلديها تعريفة موحدة وتحصيل الرسوم الجمركية يجري في أول دولة دخلتها بعدها هناك أدوات أن التحصيل كله لديه لجنة توزعه على كل الدول بنسب وهذا يحتاج إلى وقت، وليست هناك دولة مُجبرة على الدخول فورا في الاتحاد.

* مقاطعا.. ولماذا لا تلتزم البلاد العربية بضوابط الاتحاد لحظة إعلان انطلاقته في 2015؟

- ذلك لأنه لا بد من مراعاة ظروف كل دولة الاقتصادية الداخلية، فنحن مثلا في السودان لنا تجربة مع «الكوميسا»، حيث إنها بدأت من منطقة التجارة التفضيلية ودخلت منطقة تجارة كبرى حرة، وحاليا تتجه في اتحاد جمركي للكوميسا، وكل مرحلة لها أدواتها، وكل دولة لديها الخيار في تحديد موعد دخولها، ولذلك لا أرى أن هناك مشكلة في أن يطلق الاتحاد الجمركي العربي في 2015، لكن لا بد من مراعاة ظروف كل دولة لتوافق وضعها الداخلي وبعدها تختار موعدها المناسب في الاتحاد، حتى لا تؤثر عملية الانضمام سلبا في الوضع الاقتصادي، سواء من خلال التحصيل الإيرادي والتشريعات، ولذلك أستثني السودان واليمن من المنطقة العربية الحرة الكبرى للأسباب ذاته.

* على الصعيد السوداني.. ما إسهام الجمارك في الاقتصاد المحلي؟

- تسهم الجمارك السودانية بنحو 32 في المائة في الموازنة العامة، وتسهم بما يعادل 68 في المائة من التحصيل الضريبي، إذ إن تحصيل الجمارك في 2012 يعادل ثلاثة مليارات دولار، وهو رقم كبير حققناه رغم مواجهتنا بـ12 من التحديات الكبيرة، إضافة إلى تداعيات انفصال جنوب السودان من السودان، وبالتالي خروج البترول من الموازنة العامة، وأيضا التعديلات الأخرى التي جرت في النصف الثاني من الميزانية شكلت هي الأخرى تحديا آخرا، في ظل شح موارد النقد الأجنبي بالتزامن مع اتجاهنا نحو تحجيم الواردات وبالمقابل العمل على رفع الإيرادات، ولذلك في عام 2012 استطعنا أن نرفع الإيرادات ونقلل الواردات في الوقت نفسه بزيادة تقدر بعشرة في المائة من العام الذي قبله.

* هل الوصول إلى هذه المعادلة الجديدة كان نتيجة فرض رسوم جديدة أو إعادة رسوم كان جرى إلغاؤها سابقا؟

- لا.. نحن لم نفرض رسوما جديدة، ولا استعدنا رسوما كانت مُلغاة، غير أن التعديلات التشريعية التي جرت في شهر يونيو (حزيران) عنيت بتغيير سعر الصرف من 2.7 إلى 4.42 بالنسبة للدولار الجمركي، غير أنه لم يحدث أي تعديل في التعريفات الجمركية، إذ إن مسألة الاستمرار في الإعفاء مع تقليل الواردات وزيادة الإيرادات كانت أكبر تحد يواجهنا لمواجهة الشح في موارد النقد الأجنبي بعد خروج عائدات البترول من الخزينة السودانية، في حين انخفضت صادراتنا من تسعة مليارات دولار إلى 3.5 مليار دولار حيث كانت صادراتنا من البترول تشكل لنا في عام 2009 أكثر من تسعة مليارات دولار، إذ كان حجم وارداتنا يتجاوز عشرة مليارات دولار، لكن حاليا دخلت موارد جديدة للميزانية، منها تعدين وتصدير الذهب حيث يحقق 2.5 مليار دولار سنويا من الإيرادات بجانب الصادرات الأخرى، وأصبحت كل الصادرات ما يعادل 3.5 مليار دولار، أما الواردات فخفضناها من عشرة مليارات دولار إلى 9.6 مليار دولار، ولذلك ما زالت هناك فجوة في الميزان التجاري تقدر بـ4.5 مليار دولار.

* ما وضع التعامل الجمركي بين السودان وجنوب السودان بعد الانفصال وفقا للاتفاقية الأخيرة؟

- قبل انفصال جنوب السودان عن السودان، تحوطنا لهذا الوضع واقترحنا نحو عشرة منافذ مع دولة الجنوب، بحيث إنه لو اتفقت معنا هذه الدولة الوليدة على تبادل تجاري فستكون لدينا عشرة منافذ جمركية عاملة لتسهيل الحركة التجارية بيننا وبين دولة الجنوب، إضافة إلى استعدادنا لعمل نقاط لمكافحة التهريب ومراقبة الشريط الحدودي بين الدولتين حتى لا تحدث أي اختراقات عبر التهريب، وقبل الاتفاقية الأخيرة أدى تعطيل الاتفاقيات التي أبرمت بهذا الشأن من قبل المسؤولين في جنوب السودان إلى إغلاقها، وانحصر عملنا في عملية التهريب على الحدود التي تمتد لأكثر من 2200 كيلومتر، لكننا كنا ولا نزال موجودين على الحدود لمكافحة التهريب، علما بأن جميع المنافذ العشرة التي على الحدود جهزناها تماما لمباشرة عملها بكل حرفية، لعلمنا أنه في ظل عدم الالتزام بالاتفاقات الأمنية، لن تنعم الحدود بحالة استقرار أمني، وبعد توصل الطرفين إلى الاتفاقية الأخيرة، كنا مستعدين لإنفاذ الاتفاقيات، ففتحنا منافذنا الجمركية مع جنوب السودان.