ملف الفساد يهيمن على لقاءات رجال الأعمال العراقيين بالمسؤولين الاقتصاديين

ندوة متخصصة: وقف توسع هذه الظاهرة يتطلب إرادة سياسية

TT

على قاعة مركز «انهيدوانا» للدراسات، ناقش خبراء اقتصاد ورجال أعمال يوم السبت الأول من شهر فبراير (شباط) الحالي أزمة الفساد المالي والإداري في العراق، بوصفه واحدا من أبرز المشاكل التي واجهها العراق بعد عام 2003، ولا يزال يواجهها حتى اليوم، في ظل ما بات يتمتع به الفاسدون من حمايات بعد أن تحولوا إلى مافيات، فضلا عن الفوضى الإدارية والقانونية التي تعانيها البلاد. وقدمت خلال الندوة التي حضرتها «الشرق الأوسط» ورقتا عمل اقتصاديتان: الأولى قدمها الخبير الاقتصادي الدكتور ماجد الصوري وجاءت تحت عنوان «الفساد المالي والإداري وهدر المال العام». والثانية قدمها نائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق الدكتور مظهر محمد صالح وجاءت بعنوان «الفساد في إطار علم الاقتصاد السلوكي: التصدي والمعالجات». وفي الوقت نفسه، فقد وزع رئيس هيئة النزاهة السابق، رحيم العكيلي، ورقة بعنوان «إرادة سياسية مخلصة: الشرط الوحيد لمعالجة الفساد». والمفارقة اللافتة للنظر أن اثنين من الخبراء الثلاثة كانوا بين معتقل (مظهر محمد صالح نائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق الذي اتهم بقضية بيع وشراء العملة، وفي وقت أفرج عنه بكفالة فإنه لا يزال يواجه المحاكمة)، والثاني هو رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة السابق الذي أقاله رئيس الوزراء نوري المالكي بتهمة الفساد وصدرت بحقه مذكرة اعتقال وأفرج عنه هو الآخر بكفالة.

الدكتور ماجد الصوري عد في ورقته أن «الفساد طبقا لتعريف منظمة الشفافية العالمية، هو الاستغلال السيئ للمركز الوظيفي، وهو ما يجري في العراق حاليا». وأشار إلى أن «الفساد في العراق تضخم كثيرا بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، لأنه لا الاحتلال كان لديه برنامج ولا الأحزاب السياسية، رغم صدور قوانين كانت مهمة؛ منها قانون إدارة الدولة، وقانون البنك المركزي، وقانون المصارف، وقانون مالية الدولة والدين العام». وأوضح الصوري أن «الإشكالية التي تعانيها السياسة الاقتصادية في العراق، هي عدم ربط الموازنة بخطط التنمية الاقتصادية، ولم توضع برامج سياسية لمعالجة الفقر وأزمة السكن والتنمية المستدامة وتفعيل القطاع الخاص». فالذي حصل «هو تجاهل لكل هذه القوانين، بالإضافة إلى بروز المحاصصة الطائفية والحزبية التي تحولت فيما بعد إلى قلاع محصنة». ومن بين الإشكاليات التي تعانيها مؤسسات الدولة العراقية، أنه لا يعرف على وجه اليقين عدد الوزارات التي تشكلت بعد انتخابات عام 2010 رغم إلغاء بعضها. وأوضح أن «أعداد الموظفين في العراق، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 35 مليون نسمة، تبلغ نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون موظف، يضاف إليهم المتقاعدون والمتعاقدون، مما يرفع عددهم إلى نحو أربعة ملايين ونصف المليون موظف»، مبينا أن «الدراسات والإحصاءات أكدت أن نسبة عمل الموظف في العراق لا تتعدى الـ17 دقيقة في اليوم الواحد، فضلا عن غياب البرامج والخطط وضعف مراكز الأبحاث والتطوير». وكشف الصوري عن أن «نحو أربعة آلاف ممن جرى إيداعهم السجون بتهم فساد أطلق سراحهم بموجب قانون العفو العام». وبينما بين أن «الوزارات الأكثر فسادا في العراق، هي: التجارة والكهرباء والبلديات والوزارات الأمنية أي الدفاع والداخلية والأمن الوطني». وفي ورقته التي حملت عنوان «الفساد في إطار علم الاقتصاد السلوكي: التصدي والمعالجات»، رسم نائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق، الدكتور مظهر محمد صالح، صورة متكاملة عن صور وأنماط الفساد في العراق من خلال ما سماه الفساد النظمي في العراق الذي عده الأقرب في تفسير مظاهر الفساد المتفشية بشكل يكاد يكون وبائيا، عادا ذلك ناجما عن «ضعف التنظيم الإداري وتعثر العمليات الإدارية ضمن الهرم الوظيفي الحكومي الواحد»، مؤكدا أن «ذلك الضعف أو الوهن في التركيب الإداري يولد حالة من التناقض أو الترابط العكسي في العلاقات الوظيفية».

وأوضح صالح أن تغير النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 أدى إلى تجذر الفساد النظمي، وذلك بسبب تعاظم أعداد الموظفين الحكوميين المعينين؛ من 850 ألف موظف في عام 2003 إلى قرابة 4 ملايين موظف في مطلع عام 2014. من جانبه، فقد عد رئيس هيئة النزاهة السابق، القاضي رحيم العكيلي، «غياب الإرادة السياسية هو السبب في عدم محاربة الفساد المتفشي في البلاد». وقال في ورقته التي حملت عنوان «إرادة سياسية مخلصة هي الشرط الوحيد في محاربة الفساد».

ودعا العكيلي كضمان لمحاربة الفساد أن تكون هناك شفافية كاملة «في أداء مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء ومكتبه ومكتب القائد العام للقوات المسلحة والوزراء وجميع القيادات في السلطة التنفيذية التي تتصرف في المال العام، وذلك ابتداء من رواتبهم ومخصصاتهم وإيفاداتهم وامتيازاتهم». كما دعا إلى تشكيل «حكومة من المهنيين والتكنوقراط وكذلك حكومة مسؤولة وتخضع للمساءلة بأنواعها البرلمانية والقضائية والشعبية والإعلام الحر». كما دعا العكيلي إلى «وضع رقابة صارمة على حركة أموال الشخصيات السياسية العامة، فضلا عن تقوية القضاء ومنع الضغط على القضاة والتدخل في أعمالهم من أي جهة كانت وإصلاح وتقوية جهاز الادعاء العام» الذي عده «ميتا سريريا منذ عشرات السنين». وفي ختام الندوة، جرت مناقشة بين الحاضرين لأهم ما ورد فيها. وكان من بين أبرز الملاحظات تلك التي أدلى بها زعيم «المؤتمر الوطني» العراقي وعضو البرلمان أحمد الجلبي الذي قال في مداخلته إنه «في ضوء الموازنات الحالية وأسلوب الإنفاق والسياسة الاقتصادية، فإن الدولة العراقية ستكون في غضون عشر سنوات غير قادرة على دفع الرواتب». وكشف الجلبي عن أنه «في عام 2004، تأسست شركة برأسمال قدره ألفا دولار أميركي تعاقدت على توريد أسلحة للعراق بقيمة مليار دولار ولم يحصل العراق على أي قطعة منها حتى الآن». وأضاف أنه «بين عامي 2006 و2013، جرى تحويل ما نسبته 56 في المائة من واردات النفط إلى الخارج على أمل استيراد قطع غيار وسلع وحاجيات، لكنه لم يجر تسلم أكثر من 10 في المائة منها».