إعفاءات جمركية وبرامج دعم إسكاني تدفع مؤشر التضخم السعودي نحو الانحسار

تراجع إلى مستوى ثلاثة في المائة بعد سنوات من موجة الصعود

يقل معدل التضخم في السعودية عن نظيره في الأسواق الناشئة التي سجلت معدلات تتجاوز خمسة في المائة بنهاية العام الماضي (تصوير: خالد الخميس)
TT

بدأت معدلات التضخم في السعودية الدخول في نفق انحسار، وهو الأمر الذي من الممكن أن يقلل من حدة الضغوط المعيشية على سكان البلاد خلال الفترة المقبلة، يأتي ذلك في الوقت الذي شهد فيه النمو الاقتصادي للمملكة خلال عام 2012 ما نسبته 5.1 في المائة، مقارنة بما نسبته 8.6 في المائة خلال العام الذي يسبقه.

وفي هذا الإطار، أكد التقرير الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) (البنك المركزي)، أن مستويات التضخم العالمية تراجعت مع نهاية عام 2012 لتصل إلى ما نسبته 3.3 في المائة، في الوقت الذي من المتوقع أن تبلغ فيه معدلات التضخم بدول الأسواق الناشئة والنامية خلال عام 2013 نحو 5.9 في المائة.

وبين تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي استمرار تراجع الضغوط التضخمية في البلاد خلال عام 2012، مسجلا ارتفاعا بلغت نسبته 2.9 في المائة، مقارنة بنسبة ارتفاع بلغت 3.8 و3.7 في المائة خلال عامي 2010 و2011. فيما ارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة لجميع سكان المملكة بنسبة 3.9 في المائة خلال الربع الأول من عام 2013.

ويأتي تقرير ساما عقب أن أعلنت السعودية قبل نحو شهرين تسجيل مؤشر التضخم الشهري تراجعا جديدا ليصل إلى ثلاثة في المائة، محققا بذلك انخفاضا مسجلا منذ أكثر من عام. وبحسب بيانات أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية حينها، فقد سجل الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ارتفاعا وصل إلى 127.8 نقطة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقابل 124.1 نقطة في الشهر ذاته من عام 2012.

وأمام هذه التطورات، تبحث وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية بشكل مكثف عن أدوات من شأنها تقليل معدلات التضخم في البلاد، بالتعاون مع كثير من الجهات الحكومية ذات العلاقة، التي يأتي في مقدمتها كل من: الجمارك، والموانئ، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة الإسكان، ووزارة المالية. وفي هذا الخصوص، أكد خالد اليحيى، الخبير الاقتصادي والمالي، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن انحسار نمو معدلات التضخم في السعودية خلال العامين الماضيين، مؤشر يبث الطمأنة في نفوس المستهلكين، وقال: «في عامي 2010 و2011 كان هناك نمو أكبر لمعدلات التضخم، إلا أن معدلات النمو هذه أخذت في التراجع، ومن المتوقع أن تستقر معدلات التضخم المعيشي في السعودية خلال العام الجاري بين مستويات 2.8 إلى 3.2 في المائة».

ولفت إلى أن الإعفاءات الجمركية، وعدم وجود الضرائب على كثير من السلع المستوردة، تقود في نهاية المطاف إلى خفض أسعارها، ما يسهم في تقليل معدلات التضخم، مشيرا إلى أن تحركات وزارة الإسكان في المملكة الأخيرة من المتوقع أن تقود إلى إيفاء حجم كبير من الطلبات، ما يعني تراجع الطلب الكلي، وانخفاض الأسعار، ما يسهم في الوقت ذاته بتراجع معدلات التضخم في البلاد.

وبين اليحيى أن السوق السعودية من أكثر أسواق الدول الناشئة والنامية تطورا ونشاطا، إلا أنها الأقل من حيث معدلات التضخم، مؤكدا أن وزارة الاقتصاد والتخطيط في البلاد بدأت العمل على تقليل معدلات التضخم في البلاد من خلال حزمة من الإجراءات التي تتخذها مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.

إلى ذلك، أكد الدكتور سالم باعجاجة، أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن بلوغ معدلات التضخم في السوق السعودية نحو ثلاثة في المائة خلال الفترة القريبة الماضية من المتوقع أن يلقي بظلاله الإيجابي على الأسواق المحلية خلال العام الجاري، متمنيا في الوقت ذاته أن يستمر انحسار معدلات التضخم في البلاد خلال الفترة المقبلة على عكس ما كان عليه في الأعوام القليلة الماضية. وفي ظل هذه التطورات، أكد خبير اقتصادي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن نسبة التضخم التي وصلت إليها تكلفة المعيشة في السعودية تعد مطمئنة على مستوى الدول الناشئة، مبينا أن سياسات الدولة أسهمت أخيرا في ضبط الوضع العام لتحركات الأسعار.

وقال عبد الله بن طارق القصبي، الشريك في شركة «رواج للاستشارات» حينها، إن طريقة الحساب في الدول التي تعتمد على منتجات وصناعات معينة كالنفط أو السياحة أو أي قطاع أو نشاط معين، يمثل فيها ذلك المنتج أو الخدمة نصيب الأسد والسلعة الأكثر تأثيرا في وزن حساب التضخم، وهو الأمر الذي يفسر عدم استيعاب البعض طريقة قياس مؤشر التضخم.

وبين أن النسبة التي وصل إليها مؤشر التضخم في السعودية ودول الخليج لا تشكل عائقا أو تكلفة مرهقة للوضع المعيشي العام للفرد اقتصاديا، لا سيما أن الدول الخليجية لديها مشاريع عملاقة تجري حاليا كان يمكنها أن تدفع بمؤشر التضخم إلى الارتفاع أكثر مما هو عليه حاليا. وأفاد القصبي بأن الحكومات في المنطقة، لا سيما السعودية، سعت إلى ضبط الأوضاع والمراقبة في البيع الداخلي، لا سيما المنتجات الأساسية لمصلحة الأسعار، لافتا إلى دور الدعم الحكومي لبعض المنتجات والسلع التي أسهمت في ضبط حركة التضخم لمصلحة المستهلك المحلي.

وكان مؤشر التضخم خلال سبتمبر (أيلول) الماضي انخفض إلى 3.2 في المائة من 3.5 في المائة في أغسطس (آب) الماضي، ليسجل هذا الشهر تراجعا إلى ثلاثة في المائة، وفقا لسنة الأساس 2007، مسجلا بذلك أدنى مستوى له منذ أكثر من عام.