وزير المياه الأردني: ننفذ مشاريع بـ700 مليون دولار.. والهدر المائي تجاوز 40 في المائة

د. حازم الناصر أكد لـ «الشرق الأوسط» أن التكلفة الأولية لمشروع «ناقل البحرين» بلغت 900 مليون دولار

وزير المياه والري الأردني الدكتور حازم الناصر
TT

قصة المياه في الأردن متشعبة، فالبلد من ضمن أفقر عشر دول بالعالم في مصادر المياه، بل إنه واحد من الدول القليلة عالميا التي تواجه واقعا مائيا صعبا، فرض نفسه بقوة خلال السنوات الأخيرة القليلة لأسباب كثيرة؛ أبرزها تزايد أعداد السكان بشكل كبير، كما أن دخول إسرائيل على واقع المياه في الأردن فرض تحديات مائية جديدة، نظرا لأن إسرائيل استولت على حصص من نهر اليرموك.

«الشرق الأوسط» التقت وزير المياه والري الأردني الدكتور حازم الناصر، وحاورته حول مشكلة المياه في الأردن، وما تمثله من تحد على مختلف الصعد، حيث أكد أنها القضية الأولى في بلاده، مشيرا إلى أنها محور الحل لكل الخطط التنموية في البلاد، وأن معالجتها بحاجة إلى تكاتف دولي وإقليمي لكي تتمكن بلاده من تجاوزها، خصوصا في ظل تضاعف عدد السكان لأكثر من 25 في المائة، بسبب تنامي عدد اللاجئين السوريين بشكل مفاجئ.

الحوار تناول جوانب أخرى تتعلق بإدارة القطاع المائي في الأردن، عن مشاريع تحت التنفيذ تزيد قيمتها على 500 مليون دينار أردني (700 مليون دولار)، حيث يجري تنفيذ شبكات مياه في مختلف المناطق، وبالأخص المناطق الشمالية التي تأثرت تأثرا كبيرا بتنامي أعداد اللائجين.. كما أكد أنه سيجري قريبا البدء بمشروع «ناقل البحرين» (البحر الأحمر - البحر الميت)، بعد استكمال دراساته، وبتكلفة تقدر بـ900 مليون دولار للمرحلة الأولى على نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT).. وفيما يلي نص الحوار.

* كيف استطاعت الوزارة تجاوز تحديات نقص المياه خلال فترة الصيف الماضي؟

- إدارة القطاع المائي في الأردن تواجه جملة من التحديات الجسام؛ أولها تعذر وصول المياه بانتظام إلى عدد كبير من المواطنين والمناطق، وهو ما كان سببا في حدوث بعض الاحتجاجات أحيانا، حيث تغطي شبكة المياه أكثر من 99 في المائة من المملكة الأردنية، وكذلك خدمات الصرف الصحي تغطي ما يزيد على 62 في المائة، وسط عجز مائي يفوق الـ600 مليون متر مكعب من المياه سنويا، إضافة إلى تراجع حصة الفرد إلى أقل من 70 لترا يوميا في بعض المناطق، واستشراء ظاهرة الاستخدام غير المشروع للمياه، وغياب شبكة وطنية ناقلة للمياه بمرونة.

وفي ظل هذه المعطيات، طرحنا الكثير من الأسئلة حول آليات التعامل مع هذه الملفات ضمن استراتيجيات وبرامج وزارة المياه والري، ووضعنا خططا عاجلة وفورية، فسرعنا بكل طاقتنا إجراءات إنجاز مشروع جر مياه الديسي لتأمين كميات من هذا المشروع قبل اشتداد حر صيف 2013. وبالفعل، نجحنا في جلب 70 في المائة من طاقة المشروع، البالغة 100 مليون متر مكعب، قبل الصيف، ووصلت المياه إلى عمان العاصمة والمناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في الزرقاء والرصيفة، مع جملة من الإجراءات الإدارية لتجاوز كل العقبات، وتفعيل الأطر الموجودة، وإعادة ترتيب وضع برنامج الدور للتزويد المائي للمناطق وزيادة ساعات الضخ.

كما أطلقت الحكومة خطة للتعامل مع الواقع المائي ما بين 2013 و2020، تهدف إلى النهوض بمكونات قطاع المياه كافة على المستويات والصعد كافة ولتحقيق الرؤية الملكية بالولوج إلى عام 2020 بحلول ناجعة.

بعد استكمال أول المشاريع الكبرى مثل مشروع نقل مياه الديسي، بدأت الوزارة باستكشاف المياه العميقة في حوض الحسا، وتعمل حاليا على تنفيذ مشاريع استراتيجية مهمة؛ مثل مشروع ناقل البحر الأحمر الميت، وتنفيذ عدد آخر من مشاريع المياه والصرف الصحي في مختلف المناطق، وتنفيذ شبكة الناقل الوطني للمياه لنقل كميات منها إلى مناطق البلاد كافة بمرونة وسهولة.

* ما أبرز المشاريع الهادفة إلى معالجة الواقع المائي الصعب، وخاصة في ظل تزايد عدد اللاجئين السوريين؟

- الوزارة تنفذ خطة محكمة للتعامل مع الواقع المائي الذي تشهده المملكة بسبب تزايد الضغوطات نتيجة استمرار الأزمة السورية، وتوافد مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن التي تعاني شح المصادر المائية، وتصنف ضمن أفقر دول العالم من حيث كمية المياه، إذ تصل حصة الفرد فيه ما بين 120 و150 لترا يوميا (نحو 50 مترا مكعبا) سنويا، في حين تقدر حصة الفرد العالمية بألف متر مكعب سنويا.

لذا، أطلقت الوزارة خطة عاجلة ومدروسة للتعامل مع هذا الواقع؛ بالإسراع في إنجاز مشروع مياه الديسي إلى أرض الواقع بعد طول انتظار، وبالفعل نجحت سلطة المياه في تشغيل المشروع قبل صيف 2013 لمواجهة تزايد الطلب على المياه، وكذلك سارعت بإنجاز مشاريع مائية أخرى من شأنها التعامل مع الواقع المائي في جميع المناطق.

أهم المشاريع التي تنفذها الوزارة حاليا، هناك تنفيذ شبكة الناقل الوطني للمياه الذي بدئ بخط الديسي، حيث يجري استكمال العمل لتنفيذ خط ناقل استراتيجي لنقل مياه الديسي إلى محافظات الكرك والطفيلة، وكذلك تنفيذ خط ناقل آخر لمناطق الشمال لتزويد محافظات إربد والمفرق وعجلون وجرش بمياه الديسي، وجرى إنجاز خط ناقل لتزويد محافظة مادبا، وكذلك تزويد محافظة الزرقاء والرصيفة (أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في المملكة)، مما يخلق مرونة لنقل كميات مياه من أي منطقة إلى أخرى لرفع نسبة التزويد.

أيضا، توجد مشاريع تحت التنفيذ تزيد قيمتها على 500 مليون دينار أردني، حيث يجري تنفيذ شبكات مياه في مختلف المناطق، وبالأخص المناطق الشمالية التي تأثرت تأثرا كبيرا باللاجئين، وهذا التأثر انعكس على تراجع خدمات التزويد المائي وخدمات الصرف الصحي للمواطنين الأردنيين في تلك المناطق، حيث يجري تحديث شبكات مياه الزرقاء والرصيفة، ومناطق واسعة من إربد والرمثا وعجلون وجرش لتزويد تجمعات جديدة بالمياه، ورفع كفاءة الشبكات ومحطات التزويد.

وكذلك تنفيذ شبكات الصرف الصحي، وبناء محطات معالجة للصرف الصحي، في عدد من المناطق مثل إربد الكبرى وكفرنجة (عجلون وناعور وجرش والطفيلة واللجون ومادبا ووادي السير، وأيضا تطوير ورفع قدرة محطة معالجة مياه الصرف الصحي في الخربة السمرا التي تعالج مياه الصرف الصحي في عمان والزرقاء والرصيفة)، وجرى إنجاز محطة تنقية الشلالة في الشمال، والعمل جار لتشغيل محطة جنوب عمان التي ستخدم مناطق واسعة من جنوب العاصمة، ومحطة الشونة الشمالية ومحطة صرف صحي وادي العرب وغيرها من المحطات.

وتوجد في الأردن 27 محطة معالجة للمياه العادمة تعمل بالطرق الميكانيكية الحديثة، ووفق مواصفات عالمية، وتعالج نحو 122 مليون متر مكعب من المياه، وتؤمن ما يزيد على 115 مليون متر مكعب لغايات الاستخدام المختلف في الصناعات والزراعات المقيدة والعلفية، وخاصة زراعة البرسيم والذرة العلفية التي تدر مردودا اقتصاديا كبيرا على المزارعين ومربي المواشي.

وتوجد مشاريع أخرى لتقليل الفاقد المائي في المحافظات وتطوير محطات الضخ بمختلف المناطق، وإدخال الطاقة المتجددة على قطاع المياه من خلال استخدام الطاقة الحيوية والشمسية والهيدروليكية والمخلفات العضوية لتقليص حجم الضغط الكبير الذي يعانيه القطاع من تكاليف باهظة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة التي تستحوذ على 60 في المائة من تكلفة التشغيل الكلية لقطاع المياه.

* كيف ستغير هذه المشاريع من واقع المياه بشكل عام؟

- بالتأكيد، سيكون لها أكبر الأثر في تحسين التزويد المائي ورفع كفاءة التزويد وتقليل الفاقد بشقيه الإداري والفني، مما يقلل تكلفة تشغيل قطاع المياه ويوفر كميات أكبر للمواطنين في مختلف مناطق المملكة ويشجع على تعزيز التنمية الاقتصادية والزراعية وتحقيق التنمية الشاملة في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية وغيرها، نظرا لأن المياه تشكل ركيزة أساسية للتنمية، وتحسن من المستوى البيئي للمواطن.

* هل جرى تطبيق هذه الإجراءات كحل لتزايد أعداد اللاجئين أو لحل مشكلة المياه في الأردن؟

- لا شك في أن قطاعي المياه والطاقة تأثرا تأثرا كبيرا وجسيما بسبب موجات لجوء السوريين إلى الأراضي الأردنية، فتزايد أعدادهم يدفعنا يوما بعد يوم للتفكير في مشاريع جديدة تهدف إلى تحسين الواقع المائي، والإبقاء على خدمات المياه والصرف الصحي في المناطق كافة، وبالأخص الشمالية بالشكل المعقول والمقبول لمتطلبات الفرد اليومية، حيث يوجد لاجئون في بعض المناطق يزيد تعدادهم على تعداد المواطنين في تلك المناطق وخارج حدود المخيمات.

وقد رسمت الوزارة عدة سيناريوهات لمواجهة الظروف الاستثنائية التي فرضت نفسها جراء ظروف اللاجئين السوريين، خاصة في مناطق الشمال والوسط، حيث تقدر تكلفتهم الحالية على قطاع المياه وحده بما يزيد على 360 مليون دينار سنويا مما، حدا بالوزارة إلى إعلان تعبئة كل جهودها للتعامل مع هذا الأمر من خلال استنهاض الجهود الدولية والعربية لمواجهة الواقع الخدماتي، والمائي الصعب بالأخص، حيث يجري حشد كل الطاقات لتنفيذ مشاريع في مختلف هذه المناطق لمواجهة هذا الواقع، وجرى الطلب من المؤسسات الدولية المانحة لتقديم الدعم لمواجهته، حيث يحتاج القطاع إلى مشاريع بقيمة تزيد على 750 مليون دينار ما بين 2013 و2015 لمواجهة هذا الظرف الاستثنائي.

وأريد أن أؤكد أن الهدف الرئيس الذي تتبناه وزارة المياه والري هو تأمين ما يحتاجه الإخوة السوريون من مياه رغم الواقع المائي الصعب، وشح المصادر الذي تعانيه الأردن.

* هل مشكلة المياه مشكلة موارد أم مشكلة إدارة ؟ وهل تحسنت إدارة موارد المياه بعد «الديسي»؟ وهل هناك استراتيجية معتمدة لدى الوزارة للتعامل مع هذا التحدي؟

- إنها مشكلة بشقيها من حيث الموارد والإدارة؛ فإدارة القطاع تعاني هجرة العقول نتيجة الظروف الاقتصادية، وكذلك تراجعت الموارد المائية بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.

* حدثنا عن تكلفة المياه وما حقيقة ما تتحمله الحكومة جراء ذلك؟

- نحن نتحمل تكلفة باهظة جدا حتى نستطيع إيصال كل متر مكعب من المياه، فتكلفة إيصال المتر المكعب من المياه إلى المواطنين تزيد على 2.5 دولار، بينما يباع المتر المكعب للمواطن بـ570 فلسا، وتتحمل الدولة دولارا ونصف الدولار كدعم، وعن كل متر مكعب نتحمل تكلفة الكهرباء بنحو 280 فلسا للمتر المكعب، وهي متغيرة وتتزايد باستمرار، مما يشكل عبئا إضافيا على التكلفة الإجمالية، وهذا يفسر ارتفاع الاستهلاك والتكلفة صيفا وانخفاضها شتاء، وتدعم الدولة قطاع المياه بـ195 مليون دينار سنويا.

* كيف تعاملتم مع لجوء مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين توجد غالبيتهم خارج المخيمات؟

- لا شك في أن العبء كبير وكبير جدا؛ فالمناطق الشمالية تشهد موجات كبيرة يوميا، مثل مناطق الرمثا وإربد والبادية الشمالية والشرقية ومحافظات الوسط والعاصمة، فالتقديرات تقول إن هناك عددا من اللاجئين يزيد على نسبة 25 في المائة من المواطنين الأردنيين داخل وخارج المخيمات، ونتحمل حاليا ما يصل إلى 360 مليون دينار في قطاع المياه وحده عن هذا العدد، في الوقت الذي نحتاج إلى 750 مليون دينار كمشاريع ما بين 2014 و2015 لمواجهة تحديات اللاجئين لتنفيذ مشاريع تلبي الاحتياجات وحماية المياه الجوفية وتجاوز الآثار الجسيمة للخروج من عنق الزجاجة لمواجهة المستقبل المجهول للمنطقة وما تشهده من أزمات.

* كثر الحديث والتكهنات بشأن مشروع «ناقل البحرين» (البحر الأحمر–البحر الميت)، أين أنتم منه؟ ولماذا هناك شركات إسرائيلية تشارك في المشروع؟

- ما أود أن أكده هنا، هو أن الدولة الأردنية تسعى على الدوام لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة وإرساء الأمن المائي لمواطنيها فلا ازدهار دون ماء، ونحن نمضي في هذا المشروع بعد أن استنفدنا الحلول كافة بعد «الديسي». فلا بد من حلول إبداعية خلاقة تتمثل في تحلية مياه البحر كونها بديلا دائما، ويغطي الاحتياجات كافة، ومشروع ناقل البحر الأحمر – الميت مشروع أردني بامتياز، ومذكرة التفاهم التي وقعت أخيرا في واشنطن ضمنت للأردن الأفضل وحماية الإرث التاريخي العالمي في البحر الميت، حيث سيؤمن 100 مليون متر مكعب للأردن بتكلفة معقولة جدا كمرحلة أولى، وكذلك يرفد البحر الميت بكميات مياه للحد من تراجع مساحته سنويا، وانتزع للأشقاء الفلسطينيين 30 مليون متر مكعب سنويا لتغطية النقص الحاد في مناطق الضفة الغربية.

وما أشيع حول تزويد إسرائيل بالمياه، أؤكد لك أن أي دولة مشاطئة لمياه البحر لا بد من أخذ موافقتها دوليا قبل السير في أي مشروع، وبشأن تزويد إسرائيل بـ50 مليون متر مكعب في إيلات، فإنها ستتحمل تكلفة المتر المكعب كاملا، وحسب الظروف والواقع، أي في ظل تزايد أسعار الطاقة؛ بمعنى إذا تكلف المتر المكعب دينارا فستدفع دينارا، وإذا تكلف دينارين فستدفع دينارين، وهكذا، أما نحن فسنأخذ بدلا منها 50 مليون متر مكعب من مياه طبريا شمالا لخدمة مناطق محافظات الأردن الشمالية بسعر ثابت للمتر المكعب وهو 270 فلسا للمتر المكعب وبشكل ثابت.

وسيجري قريبا البدء بالمشروع بعد استكمال دراساته، وبتكلفة تقدر بـ900 مليون دولار للمرحلة الأولى على نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT)، مما سيضع اللبنة الأولى الصحيحة للوصول إلى وضع مائي أردني مريح خلال السنوات الخمس المقبلة، والعودة للتزويد المائي المستمر.

* كيف تساهم المنحة الخليجية في التنمية المائية بالأردن؟

- نثمن عاليا حرص الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، ودعمهم لقطاع المياه والقطاعات المختلفة، فالشكر موصول للأشقاء في دول الخليج، وبالأخص السعودية والكويت والإمارات، على دعمهم لقطاع المياه، حيث جرى تخصيص 185 مليون دولار للمياه، وجرى البدء بمشاريع تجاوزت قيمتها الـ80 مليون.

* كيف ترى مستقبل المياه في الأردن؟

- نعمل بكل ما أوتينا من عزم وقوة على خطى الملك عبد الله الثاني لتحقيق الأفضل لمواطنينا، وأرى مستقبلا زاهرا بعونه–تعالى–بعد استكمال المشاريع المائية المهمة، ونحن نعمل على بناء الثقة مع المواطن التي أصبحنا نلمس نتائجها بعد تحسن واقع التزويد المائي في المملكة رغم قساوة وصعوبة التحديات.

* كيف تنظرون لواقع المياه في العالم العربي؟

- لا يخفى على أحد أن قضية المياه لم تعد قضية وطنية أو إقليمية، بل هي هم عالمي نظرا لما يواجهه العالم من احتباس حراري، وتزايد الشح المائي، واستنزاف الموارد المائية في ظل غياب الإدارات الحديثة، وترشيد الاستهلاك وما تعانيه منطقتنا من صراعات إقليمية ودولية انعكس واقعها بشكل واضح على مفاهيم الحقوق المائية المشتركة، والوطن العربي الأكثر تهديدا نظرا للتهديد الخطير في مياهه والنقص الحاد، كون أكثر من 66 في المائة من الموارد المائية العربية تأتي من خارج الحدود نتيجة لممارسات دول المنابع كما هو حال الفرات والنيل ونهر الأردن، وكل ذلك بسبب غياب سياسة مائية عربية موحدة، مع وجود عشر دول عربية ضمن الأفقر من حيث المياه عالميا.

علاوة على أن المياه العربية المتجددة لا تتجاوز 1.2 في المائة، وكذلك لا يتجاوز هطول الأمطار نسبة 2.1 في المائة من الحصة العالمية، والسكان الذين يشكلون خمسة في المائة من سكان العالم يحصلون على حصة أقل من واحد في المائة من الحصة العالمية، وسيتضاعف هذا العدد بنسبة تتراوح بين واحد وثلاثة في المائة بحلول عام 2050، كما أن الضخ من المياه العربية العذبة أعلى من مثيلاته في دول العالم بـ20 مرة، مما يشكل ناقوس خطر يدق أبواب المنطقة العربية مائيا، كما أن تكلفة شراء المياه على المواطنين في المنطقة العربية ستصل بحلول عام 2020 إلى أعلى بـ11 مرة عن الدول الأخرى، حيث نشهد ارتفاعا شديدا في تكلفة المياه المعبأة في المنطقة العربية التي وصلت إلى أكثر من 50 في المائة عام 2011، وكذلك يوجد 18 في المائة حاليا ليست لديهم مصادر مياه، و24 في المائة غير مخدومين بالصرف الصحي رغم الإنفاق الكبير من الناتج المحلي الإجمالي العربي على قطاع المياه الذي يقدر بنحو 30 مليار دولار سنويا.

إن التقديرات العالمية تشير إلى تزايد الفجوة ما بين التزويد المائي لتسجل رقما قياسيا ما بين 2020 و2030 لتصل إلى 127 مليار متر مكعب، هذا في الوقت الذي تستحوذ المنطقة العربية على حصة الأسد عالميا في تحلية المياه، حيث ستصل عام 2016 إلى 16 مليار متر مكعب، وعام 2025 إلى أكثر من 31 مليار متر مكعب وبتكلفة تقدر بـ0.5 دولار.

فلا بد من بلورة استراتيجية مائية عربية واقعية قابلة للتطبيق، توحد نظرتها وتكفل وتراعي المصالح المائية للدول العربية وتتبنى سياسات واضحة جنبا إلى جنب مع تنسيق الجهود وتعزيز العمل المائي المشترك، وتنفيذ مبادرات تعد المياه أولوية عربية كخطوة على طريق العمل المائي العربي المشترك، وتعزيز تبادل الخبرات ونقل التجارب الناجحة في الإدارة ذات الكفاءة بين الدول العربية وصولا إلى حاكمية المياه.

حقيقة، الواقع المائي العربي يعاني ضعف هيكلة قطاع المياه ومصادرها مع نقص الوعي المائي العربي وقصور الإدارات المائية في إيصال رسالتها لمنطقتنا حول خطورة أزمة المياه وسبل المحافظة عليها، لذا لا بد من استراتيجية عربية موحدة لحوكمة المياه كونها إحدى أهم المشكلات التي يعانيها قطاع المياه العربية.