غورباتشوف: العالم انقسم بين دول منتجة ومستهلكة وهو أفضل حالا من القرن الـ20

حاكم الشارقة يدعو إلى ضرورة نقل الإعلام للمعلومة الحقيقية والتحلي بأخلاق المهنة

الشيخ القاسمي يلقي كلمته في منتدى الاتصال الحكومي («الشرق الأوسط»)
TT

وصف ميخائيل غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، العالم اليوم بـ«المعولم»، وانتقد تأثيراته السلبية على مختلف الأصعدة، على الرغم من أنه يعد أفضل من تلك الحقبة التي عاشها إبان القرن الـ20، التي كانت الأكثر قسوة ودموية في التاريخ البشري (على حد وصفه)، مشيرا إلى أن شعوب الأرض لم تتعلم من تجارب الماضي إلى اليوم، ولم تتمكن بعد من العيش جنبا إلى جنب في سلام وتناغم، الأمر الذي بدا واضحا وشوهدت نتائجه في حياة الناس على الصعيد البيئي والاقتصادي والثقافي.

وأوضح غورباتشوف أن رؤيته للعالم اليوم كانت نابعة من الآمال الكبيرة التي ساورته عند انتهاء الحرب الباردة، والكامنة في محاولة خلق حلول ناجحة لمختلف الأزمات العالمية، مؤكدا أنه، ولسوء الحظ، العالم تبنى سياسة العولمة التي يسير فيها مغمض العينين وراء مجموعة من الدول الكبرى.

وجاء حديث غورباتشوف خلال كلمة ألقاها كضيف شرف في حفل افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي، الذي يحمل شعار «أدوار مختلفة.. رؤية واحدة»، صباح أمس، بحضور الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وعبد الله القاسمي نائب حاكم الشارقة، ومشاركة فيليبي كالديرون رئيس المكسيك السابق، وذلك بمركز «إكسبو الشارقة».

وأشار آخر رئيس للاتحاد السوفياتي إلى أن النظام العالمي الجديد أنتج فروقا كبيرة بين الدول، وقسّمها إلى دول منتجة وأخرى مستهلكة، مشيرا إلى الفوائد التي حققتها الدول المتقدمة، في جانب التنمية المستدامة، على حساب الدول الأخرى، مؤكدا أن عددا قليلا من دول العالم تمكّنت من تجاوز حاجز التنمية، ونجحت في تخطي حاجز العولمة كالصين والبرازيل، الذين نجحوا في قطاعات حيوية عدة كالتكنولوجيا والطاقة والصناعات الثقيلة، إلى جانب برامجهم الواعدة في مكافحة الفقر.

ونوه غورباتشوف بأن المراهنين على أن العولمة ستساعد على تكريس المساواة في العالم، ونشر قيم التسامح والانفتاح الفكري، سيعترفون بإخفاقهم عاجلا أو آجلا، حيث إن الدول الإسلامية (على سبيل المثال) تحاول اليوم أن تواجه التهميش من قبل القوى العظمى، يُضاف إلى ذلك المشكلات العالمية التي ظهرت بشكل جلي، كالهجرة غير الشرعية وأسبابها والنعرات العرقية والدينية والصراع على الموارد، إضافة إلى البطء في التعاطي مع مسألة نزع أسلحة الدمار الشامل، وعودة انتشار فكر سباق التسلح لدى الدول النامية، بعيدا عن استثمار الموارد في التنمية البشرية والاقتصادية.

وأشار غورباتشوف إلى أن «نقل نموذج الاستهلاك الغربي إلى العالم النامي لن يؤدي إلى التقدم، ناهيكم من العبء البيئي والاقتصادي، فيجب أن نغير القيم الخاصة بنا، وأن لا نبني على مصالح شخصية، بل أن نركّز على المصلحة العليا للشعوب، وعلى التنمية الصناعية والتنمية الاقتصادية، وأن يتم تقليص حجم الاستهلاك من مفرط إلى مقبول، ويجب التركيز وبشكل أساسي على التعليم والصحة وتأهيل الفكر».

وأنهى غورباتشوف كلمته قائلا: «لقد تأخرنا 20 عاما عن النموذج الجديد من التنمية المستدامة، لذلك يجب علينا الانتقال بشكل متواتر وسريع، وأن تكون مدعاة اهتمام الحكومات والمجتمعات المدنية على حد سواء، بل ويجب أن يكون هناك حوار عالمي يعمل على إشراك عموم الناس في إيجاد الحلول، لنكون أصحاب مصداقية».

وتتمحور مواضيع المنتدى الدولي للاتصال الحكومي لهذا العام، حول الدور الذي يمكن أن يسهم به الاتصال الحكومي في تحسين صورة الدول والتأثير في مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وحول الخطوات التي يجب اتخاذها لرسم خارطة الطريق نحو حكومات أكثر تواصلا واستجابة للجمهور، وهو يندرج ضمن الرؤية العامة للمنتدى ومهمته في إنشاء منصة موثوقة للحوار وتبادل الآراء، ومناقشة أفضل الممارسات في مختلف مجالات الاتصال الحكومي في الدول العربية والعالم.

من جهته، دعا الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إلى ضرورة احترام الإعلام للمتلقين من قراء ومشاهدين ومستمعين، من خلال تقديم المعلومة الحقيقية الخالية من أي شبهة أو تضليل، مشددا على الحاجة إلى التحلي بأخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام لدى العاملين فيها.

وقال القاسمي إن «العالم العربي يمر بمرحلة حرجة، اختلطت فيها الأمور، حيث يشاهد صاحب التنوير يدخل إلى العتمة، وصاحب الحق يمتطي الباطل، وصاحب العفة تتكشف أستاره عن شهوات دنية، وأصحاب الفكر يتوهون بين الحقيقة والخيال، إلا من رحم ربي».

وأضاف: «مهنة الصحافة والإعلام لا تقل خطورة عن مهنة الطبيب، فخطورة القلم والمصوات أشد خطورة من المشرط بيد الطبيب المرتعشة، كمناورات الدعاية ونشر الأخبار الكاذبة للتضليل وعدم التثبت من مصادر المعلومات أو احترام الحياة الخاصة. فعلى الإعلامي واجب احترام القارئ أو المستمع، والصالح العام، وحق المعرفة، ويجب أن تكون لديه أخلاقيات تشكل الحقيقة والدقة والصدق والنزاهة والإنصاف».

وشدد خلال كلمته على حقوق الإعلاميين التي يكفلها لهم القانون، والتي تمكّنهم من حرية التعبير والنقد، بقوله: «إن للإعلامي حقوقا يجب أن يكفلها له القانون، مثل حرية التعبير والنقد، وحرية الاطلاع على كل مصادر المعلومات، وحرية التحقيق دون التعرض لحجة سر الشؤون العمومية أو الخاصة، إلا استثناء مبررا بوضوح.

ومن حق الإعلامي أن لا يكشف مصدر المعلومات التي وقع الحصول عليها بطريقة سرية، وله الحق في رفض الضغوط، مثل التعليمات المباشرة أو غير المباشرة، ما عدا حكم القانون إذا كان هناك مطالب بالتفتيش الذي يهدف إلى كشف مصدر الإعلامي (حتى ولو لم يسفر عن نتيجة)، فإن ذلك عمل أخطر من أمر الإعلامي بأن يكشف بنفسه عن هوية مصدره».

وطالب الشيخ الدكتور القاسمي القنوات التلفزيونية بأن تتعامل باحترافية مع المحتوى المنشور عندها، وقال: «كلمة أخيرة أهمس بها لأصحاب القنوات التلفزيونية، والتي تعرض بعض الأشرطة المصورة المستوردة من الخارج أو التي تم إنتاجها محليا، أن لا تقبل أي صورة أو قصة أو خبرا أو عبارة تشجع على هدم النفائس والآثار الفنية، ويجب على تلك القنوات أن تشجب الكذب والسرقة والكسل والجبن والكراهية، أو أي عمل إجرامي، ومن الضروري إعادة الروح الإنسانية للأشخاص، وإعطاؤهم قيمة ثقافية وأخلاقية، واستخدام مشاعر الود وتمجيد قيمة العمل والأسرة، وأن تكون مكانا للحياة الشريفة والسعادة والفرح».

من جهته، قال الشيخ سلطان أحمد القاسمي رئيس مركز الشارقة الإعلامي رئيس اللجنة العليا المنظمة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي، إن الجماهير تطالب بالشراكة الحقيقية مع حكوماتها، هذه الشراكة التي تؤثر في صنع القرارات وتحدد المسار المستقبلي للبلاد.

وأضاف: «حكوماتنا مطالبة بأكبر قدر من الشراكة مع جمهورها، وبالإنصات وفهم وتحليل ما يجول في بالهم، وبالتفاعل معهم وتفهم خصوصياتهم والتحديات التي يواجهونها».

وأضاف رئيس مركز الشارقة الإعلامي إن «تطلعات المواطنين تضع كافة حكومات العالم أمام تحدٍّ كبير، يتمثل في الموازنة بين الاستثمار في تطوير وتنويع أساليب الاتصال والتخاطب، وبين الاستثمار في مجالات ضخمة ومعقدة كالمجال الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتعليمي والصحي، كما أن سمعة الدول تؤثر في صورتها ومصداقيتها لدى المجتمع الدولي، وتؤثر أيضا في حجم الاستثمارات المباشرة التي تتدفق إليها من الخارج».

وزاد: «اليوم، صقل هذه السمعة ليس مسؤولية سفراء الدول ووزراء الخارجية وممثلي الدبلوماسية فقط، وإنما هي مسؤولية كل إدارة اتصال حكومي في كل مؤسسة حكومية، أينما كانت».

وأضاف: «وقد يعتقد البعض أن سمعة الدول هي مسؤولية سفرائها ووزراء الخارجية وممثلي الدبلوماسية فقط، ولكني أعتقد أنها مسؤولية كل إدارة اتصال حكومي في كل مؤسسة حكومية، أينما كانت. فتفاعلُ موظّفي الحكومة وعلى رأسهم موظفو الاتصال الحكومي مع الجمهور لا يؤثر في صورة الدولة خارجيا وحسب، وإنما في سمعتها الداخلية أيضا. وإننا في دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، تمكنا من قطع أشواط كبيرة في مجال تطوير أساليب التواصل وفي الانفتاح والتجاوب مع الجمهور بكافة مكوناته».

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي في كلمته على أن «إمارة الشارقة تعمل على تطوير ودعم إدارات الاتصال الحكومي في جميع الدوائر الحكومية، من خلال وحدة الاتصال الحكومي، ومن خلال تطوير مهارات موظفي الاتصال عبر برنامج تدريبية، وإطلاق جائزة الشارقة للاتصال الحكومي، كل هذا بحثا عن أفضل ممارسات الاتصال الحكومي التي يمكن تبنيها، وعن أولويات جمهورنا وطرق التجاوب معها والموازنة بينها وبين أولويات الحكومة التي يفرضها الواقع».

واختتم رئيس مركز الشارقة الإعلامي كلمته بقوله: «نحن نسعى جاهدين لتحقيق هذا الهدف، بدعم قيادتنا الرشيدة، ودعم وسائل الإعلام، وإرادة موظفي الاتصال الحكومي الساعين إلى تطوير مهاراتهم وأساليب وأدوات الاتصال الحكومي، إلى جانب المبادرات التي تستقطب نخبة من المتحدثين والخبراء في هذا المجال كي نستمع إليهم ونتفاعل مع تجاربهم وآرائهم».

وعرض خلال حفل الافتتاح فيلما تسجيليا قصيرا لقياس مدى رضا الجمهور عن حكوماتهم، حيث عرض مقابلات مسجلة تضمنت وجهات نظر مختلفة حول تصوراتهم لحكومات أكثر تواصلا واستجابة لأصوات متطلباتهم واحتياجاتهم.

وتستمر أعمال المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2014 في مركز «إكسبو الشارقة» اليوم بعقد ثلاث جلسات كما تعقد اليوم الاثنين الموافق 24 فبراير (شباط) أربع جلسات أخرى، يناقش خلالها التأثيرات الإيجابية للتواصل الحكومي على شكل العلاقة بين الحكومة وجمهورها عبر وسائل الإعلام المختلفة.