اقتصادي إيراني: برنامج طهران النووي كبد إيران خسائر فادحة

د. رناني يقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إن هيمنة النفط على الاقتصاد العالمي ستنتهي

محسن رناني
TT

قدم أستاذ الاقتصاد في جامعة أصفهان الإيرانية الدكتور محسن رناني أكثر من 15 مؤلفا وترجمة فردية ومشتركة، وقام بنشر ما يفوق 100 مقال علمي. وتصدر كتابان له قائمة أفضل المؤلفات الجامعية للعام الجاري الإيراني. يعد «السوق أو اللاسوق؟» من أشهر مؤلفاته في الوقت الذي حصل كتابه «دورة التدهور الاقتصادي وتراجع الأخلاقيات» على ترخيص للإصدار بعد نحو عامين من تأليفه ودخل سوق الكتب في عام 2011. ولقي الكتاب ترحيبا إعلاميا وشعبيا واسعا. وقام الدكتور رناني بإصدار نسخ رقمية عن كتابه الأخير الذي حمل عنوان «الاقتصاد السياسي في المناقشات النووية الإيرانية.. مدخل على تجاوز الحضارات»، وأثار اهتماما واسعا في الفضاء الإلكتروني. وتبنى الكتاب نظرة نقدية جادة بشأن السياسة الإيرانية الحالية حول الملف النووي. ويعتقد المؤلف أن الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة تسعى إلى استمرار المناقشات بشأن البرنامج النووي الإيراني وإفشال المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 من أجل التحكم بالأسواق النفطية العالمية من خلال الاستمرار في احتدام وتراجع التوتر الناجم عن المفاوضات النووية. ويتناول الحوار التالي مع الدكتور رناني عددا من تعليقات المؤلف حول الكتاب ونظرته إلى الانتقادات الموجهة له. إلى نص الحوار:

* لقد حمل كتاب «الاقتصاد السياسي في المناقشات النووية الإيرانية» شهرة واسعة لك في الوقت الذي لم تحصل فيه بعد على ترخيص لإصدار الكتاب. هل تشرح لنا باختصار نظرتك التي تناولتها في الكتاب؟

- لم يعتمد أسلوب كتابة النص برنامجا متكاملا منذ البداية وكذلك النظرية التي تطرح في هذا الكتاب تتخذ رويدا رويدا شكلا متكاملا. كان الكتاب في البداية عبارة عن مقتطفات قصيرة تحذر المسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية من التداعيات والمخاطر والكلفة التي تحملها الجدل النووي للشعب الإيراني.

لم أرسل هذه المقتطفات القصيرة للمسؤولين بسبب الاختناق السياسي، وشعوري باليأس من الاهتمام الرسمي بها، ولكنني قمت بتطوير هذه النظرية إلى مستوى كتابة نحو 700 صفحة حولها. وقمت بتحويلها إلى كتاب لا يتبنى نظرة أكاديمية بل يؤثر على السياسيين ويمكن في نفس الوقت أن يصل إلى الجمهور العادي والخبراء. هذا هو كل القصة بشأن كيفية انطلاق الكتاب.

ولكن ما هي النظرية التي يتبناها الكتاب؟ أنا لا أعد أن الجدل المثار حول البرنامج النووي الإيراني مؤامرة غربية رغم تبني البعض لهذه النظرية والدفاع عنها. أعتقد بأن تعزيز النشاطات النووية والاستمرار في الجدل الدائر بين إيران والغرب بهذا الشأن بغض النظر عن نية الجانبين سيكبد البلاد خسائر اقتصادية وسياسية جسيمة. ولهذا السبب يتعين على إيران أن تنسحب من المفاوضات النووية بوضوح وفي أسرع وقت، وتقوم بتعليق نشاطاتها النووية الحساسة طواعية. ويمكن لإيران أن تستأنف النشاطات النووية في إطار المعايير الدولية بعد أن تمكنت من الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها في الوقت الحاضر.

ولقد أعربت عن رأيي للمسؤولين الإيرانيين في عام 2008 أي قبل فوز باراك أوباما بالفترة الرئاسية الأولى بأن أوباما إذا أصبح رئيسا للولايات المتحدة لن يشن ضربة عسكرية ضد إيران ولكنه سيتعامل بأسلوب أكثر دقة وجدية من جورج بوش مع إيران. واقترحت على المسؤولين الإيرانيين في 2008 أن يرحبوا بالاقتراح الذي قدمه أوباما بشأن إجراء مفاوضات نووية من دون شروط مسبقة مع إيران ويعتمدوا سياسة مشابهة حول المفاوضات النووية.

وقد بدأت الكتاب برسالة موجهة إلى كبار المسؤولين الإيرانيين جاء فيها إذا لم نبادر اليوم بإجراء المفاوضات النووية وبالتالي الخروج بحل للأزمة النووية مع باراك أوباما فسنواجه ضغوطا غربية قريبا. وتوقعت في الكتاب أن ينتهي الجدل بشأن البرنامج النووي الإيراني في حال استمرار المفاوضات، على غرار الحرب العراقية الإيرانية التي قبلت فيها إيران القرار الدولي بشأن وقف إطلاق النار.

وشددت على ضرورة أن تنهي إيران الجدل الدائر بشأن برنامجها النووي بأكبر سرعة ممكنة، الأمر الذي يوجه صدمة إلى أسواق النفط، ما سيؤدي إلى إيقاف أو تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار النفط. أعتقد أن استمرار ارتفاع أسعار النفط في فترة المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى سيكبد الاقتصاد الإيراني خسائر فادحة.

* قد يستنتج القارئ من هذه النظرية بأنك تشعر بالقلق حيال الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها الدول التي تعتمد على النفط، وبالتالي تصنف الجدل النووي الإيراني في الدرجة الثانية من الأهمية. هل تعد أن الجدل بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يشغل المواطنين الإيرانيين خلال الأعوام الأخيرة يمهد لانطلاق ظروف عالمية جديدة في العالم المعاصر؟

- بالتأكيد.. أعتقد أن التطورات العالمية ستؤدي إلى عالم جديد وأن مواصلة الجدل النووي يسفر عن تسريع هذه العملية. وخاطبت المسؤولين الإيرانيين متسائلا لماذا علينا أن نتحمل تكلفة عملية التطور التي يخوضها العالم. يواجه الاقتصاد والمجتمع الإيراني أزمات قد تؤدي إلى انهيارهما.

لن تساهم الطاقة النووية في تحسين الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي ينبغي توظيف الطاقات والفرص والإمكانيات التي نمتلكها كضمان لتجاوز الأزمات المحلية بدلا من هدرها في النشاطات النووية. يمر العالم في الوقت الحاضر بمخاض عسير سينقله إلى عصر حضاري جديد، وينبغي للشعوب أن تتعامل بيقظة حيال هذا الأمر من أجل التمتع بمكانة تليق فيها في العصر الجديد. ويبدو أن إيران ستفقد مكانتها وقوتها بسرعة كبيرة في حال استمرار السياسات الحالية.

* وهل برأيك أن استخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والنووية يمثل حلا لتخفيف الاعتماد على النفط في الدول المعتمدة على النفط في الوقت الذي ستواجه هذه الدول عاجلا أم آجلا أزمة مستعصية في قطاع النفط والاقتصاد القائم على النفط ونحن لا نملك في الوقت الحاضر نظاما اقتصاديا قائما على الطاقة النووية؟

- إن مساهمة هذه الدول في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة مرهونة باليقظة التي تتحلى بها الدول المختلفة في الاستخدام السليم لإيراداتها النفطية في الوقت الحاضر واستثمارها في قطاع الطاقة النظيفة. وتتمتع غالبية الدول المنتجة للنفط بطاقات استثمارية في الطاقات المتجددة، وبمصادر مالية كافية للقيام بهذه المشاريع. وعلى هذه الدول أن تنتبه وتغتنم الفرصة التي ربما لم تعد متوفرة قريبا. ولكن علينا ألا ننسى أن الدول النفطية ورغم الاستثمار في الطاقة النظيفة لن تتمكن من استعادة قوتها التي كانت تتمتع بها لدى امتلاكها النفط، لأن مصادر النفط تقتصر على بعض الدول التي تجني أرباحا هائلة من هذه المصادر، ولكن مصادر الطاقة النظيفة لم تعد محصورة في دولة أو دولتين. وإذا كانت الدول المنتجة للنفط ترغب في المشاركة الفاعلة في أسواق الطاقة المتجددة في المستقبل فعليها أن تغتنم الفرص المتوفرة لديها لجني أرباح نفطية هائلة وتحقيق مكانة مرموقة نسبيا في قطاع الطاقة النظيفة.

* إن الكثير من المنتقدين يتهمونك بتبني نظرية المؤامرة وخاصة المؤامرة الغربية، هل تؤيد هذه الانتقادات؟

- نعم أقبل هذه الانتقادات. ومن الطبيعي أن يخرج مثل هذه الاستنتاجات. إن السبب في تبني هذه النظرية التكتيكية هو أن أترك تأثيرا على المسؤولين الذين ترسخت لديهم نظرية المؤامرة خلال الأعوام الثلاثين من الحكم على البلاد. وحاولت في الكتاب أن أقدم «نظريات مختلفة» أي كل ما يمكن اعتباره على أنه ترويج لنظرية المؤامرة فهو في الحقيقة نظرة تحليلية إلى اللعبة السياسية التي تخوضها إيران والغرب، وسيكون الفوز من نصيب الجانب الذي تتمتع بمعلومات أكثر وسرعة أكبر وابتكار أعلى وهو الجانب الغربي. يمكن أن يعد البعض بأنني أتبنى نظرية المؤامرة ولكنها حقيقة. وحاولت في هذا الكتاب إثارة القلق في المسؤولين المتبنين لنظرية المؤامرة من خلال تقوية الدور الغربي بصبغة من النظريات الكثيرة التي طرحتها بهدف تغيير سياساتهم بشأن البرنامج النووي.

* أنت ترى بأن الغرب يمهد الأجواء بشكل طوعي في مستقبل قريب للابتعاد عن التعويل على المستثمرين في القطاع النفطي، الأمر الذي سيوجه صفعة غير قابلة للتعويض إلى الدول النفطية. ولكن لا يمكننا أن نقول ببساطة بأن هناك مخططا غربيا لتشل الدول النفطية لأننا نلاحظ أن السياسات النفطية التي تعتمدها الدول تختلف كليا عن بعضها. وعلى الغرب في هذه الحالة أن يعتمد سياسة تختلف من دولة إلى أخرى. هل هذا الأمر ممكن؟

- أنا لا أعتقد بأن الغرب يسعى إلى تعريض الدول النفطية إلى الشلل، بل يهدف إلى التخلص من إدمانه على النفط والتخلص من الاعتماد على منطقة الخليج التي تعاني من التوتر وعدم الاستقرار، وتفادي تلقي الصدمات النفطية مستقبلا، وتوجيه الطاقات العالمية إلى النظيفة منها. وقامت الدول الغربية بتطبيق مشاريع في هذا الإطار والتي تأتي على حساب إيران وبقية الدول المصدرة للنفط.

* ماذا تقصد بالغرب؟ على سبيل المثال يوجد اختلاف شاسع بين الموقفين الإيطالي والألماني. ولا تتبنى كافة الدول الأوروبية موقفا موحدا تجاه القضايا وقد تتحايل في بعض الأحيان على بعضها البعض كما لاحظنا ذلك خلال قضية التنصت الأميركي على الدول الأوروبية. بناء على ذلك فأين يقع الغرب الذي تلاحظه في نظريتك؟

- يشمل الغرب الدول المتقدمة مثل دول غرب أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا إضافة إلى بعض الدول الواقعة في الشرق مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وإسرائيل. تسعى كل من هذه الدول لتأمين مصالحها ولكنها تعمل بانسجام وصرامة لتوفير مصالح المعسكر الغربي. وإذا فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الانسجام المطلوب بين هذا المعسكر لاتخاذ موقف موحد فإنها تمسك بزمام الأمور وتتحمل لوحدها تكلفة تأمين المصالح الغربية. رغم أن الولايات المتحدة تصدرت المشهد في غزو يوغسلافيا، وأفغانستان، والعراق، وفي البرنامج النووي الإيراني، غير أن المصالح الغربية تم تأمينها خلال كل هذه المعارك وإن كانت بعض الدول الغربية قد اتخذت موقفا معارضا لهذه العمليات.

* أنت ترى بأن النفط سينضب خلال الأعوام القادمة في الوقت الذي يعتقد بعض الخبراء بأن النفط لا ينتهي قريبا وهناك بدائل أخرى للنفط.

- لم أقل يوما بأن النفط سينضب بل أرى أن «هيمنة النفط على الاقتصاد العالمي» ستنتهي، لتحل محله الطاقات المتجددة. ويستمر استخدام النفط في صناعة البتروكيماويات. ويخسر النفط قوته كمصدر رئيسي لتوفير الطاقة للحضارة الصناعية.

* هل يمكن أن نعالج العلاقات الدولية والسياسات الدولية من خلال الاقتصاد النفطي والنظرية التي تطرحها بشأن البحث في المستقبل؟

- نعم، بالتأكيد. لقد تركزت أبحاثي على القضية الإيرانية ولكن يمكن التوسع في هذه الأبحاث لمعالجة تأثير الاقتصاد النفطي على العلاقات الدولية والتي ستحتاج إلى خبراء بهذا الشأن. وتتميز الحضارات بالطاقة التي تستخدمها. يدخل العالم عصرا حضاريا جديدا وهو عصر المعلومات، والحضارة الرقمية، وعلى هذا الأساس ينبغي توفير طاقات تلائم العصر الجديد.

* وفي الختام، إذا أثبتت صحة النظرية التي تتبناها خلال الأعوام القادمة، فهل يمكن الخروج بحل للاقتصاد النفطي الذي يعتمده معظم الدول الإسلامية ليصبح على سبيل المثال على غرار الحضارة الأفريقية؟

- لقد تناول المجلد الثاني من الكتاب الذي يحمل «تجاوز الحضارات» هذا الموضوع بالتفصيل. وذكرت في الكتاب بأنه ينبغي للعالم الإسلامي اغتنام الفرصة المتبقية، وإذا لم يفعل فإن العالم الإسلامي سيكون كقارة أفريقيا لكن أكثر تقدما ورفاهية وأكثر تألقا وسيفتقر إلى القوة والقدرة على التأثير على التطورات العالمية.

* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية. «شرق بارسي»