ندوة دولية في مراكش تستعرض مستقبل السكك الحديدية

في سياق التطور التكنولوجي

TT

ألقت ندوة «السكك الحديدية بين الماضي والحاضر والمستقبل»، التي نظمت بمراكش أمس، الضوء على الأشواط التي طبعت تطور القطاع السككي الدولي منذ نشأته، والرؤى الخاصة للنهوض بالسكك الحديدية عبر العالم، والأبعاد التدبيرية للنقل السككي، وكذا المعايير والتحديات التي تطرحها على مستوى التنمية المستدامة.

وشكل تطور السكك الحديدية في زمن السرعة وتطور التكنولوجيات الحديثة محور النقاش والمداخلات ووجهات نظر المشاركين، في هذه الندوة التي نظمت بتنسيق بين المكتب الوطني للسكك الحديدية بالمغرب والاتحاد الدولي للسكك الحديدية، والتي ختمت بها فعاليات تخليد مزدوج للذكرى الخمسين لإنشاء المكتب الوطني للسكك الحديدية بالمغرب، ومئوية إنشاء أول خط سككي بالمغرب.

وإجابة عن سؤال لـ«الشرق الأوسط»، حول علاقة تطور السكك الحديدية العالمية بسرعة تطور التكنولوجيات الحديثة وما يترتب عليها، قال جوان بيار لوبينو، المدير العام للاتحاد الدولي للسكك الحديدية، إن «الأهم هو السلامة»، وإن «السؤال الأساسي الذي يتعين أن نجيب عنه، في سياق علاقة السكك الحديدية بالتكنولوجيات الحديثة وتطورها المتسارع، هو في كيفية الرفع من مستوى السلامة وضمانها».

وبخصوص الجدل الذي رافق إدخال القطار فائق السرعة إلى المغرب، قال لوبينو إن «الأوضاع تختلف من بلد إلى آخر»، معددا «ثلاثة شروط للحديث عن خدمة القطار فائق السرعة؛ أولها توفر سوق مهمة، وثانيها توفر مستوى معين من التمكن من التكنولوجيات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وثالثها أن تكون هناك قدرة شرائية بين المواطنين لأداء ثمن التذكرة، ضمانا للعائد المالي للمشروع».

وفي علاقة بواقع ومستقبل السكك الحديدية في المغرب، خاصة فيما يتعلق بتجربة القطار فائق السرعة، قال لوبينو: «من الواضح أن المغرب يلبي الشروط التي تخول له ولوج مرحلة القطار فائق السرعة».

وهدفت ندوة «السكك الحديدية بين الماضي والحاضر والمستقبل»، التي تميزت بمشاركة ممثلي 25 دولة، إلى تبادل الآراء وتشارك الرؤى حول تطور النظام السككي ورهاناته المطروحة، توزعتها ثلاث موائد مستديرة، تناولت «رؤى تنشيط السكك الحديدية عبر العالم»، و«تحديات ورهانات السكك الحديدية في زمن التكنولوجيات الحديثة»، فضلا عن «البعد التدبيري والاجتماعي لقطاع السكك الحديدية».

وركزت مداخلات كل من لوبينو، وروبير نكيلي وزير النقل الكاميروني، ونجيب بوليف الوزير المغربي المنتدب لدى وزير التجهيز والنقل واللوجستيك المكلف بالنقل، ومحمد ربيع الخليع المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية بالمغرب، على تزامن انعقاد الندوة مع متغيرات اقتصادية دولية أثرت على جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية، فضلا عن اشتداد التنافس العالمي ليس، فقط، في نمط النقل السككي من حيث الجودة والسلامة والخدمة المثلى والحفاظ على البيئة، بل مقارنة مع الأنماط الأخرى من النقل، سواء تعلق الأمر بالنقل الجوي أو البري أو البحري.

وشدد بوليف على أنه «إذا كان من الصعب التطبيق أو التقليد الكلي لنموذج ناجح من شبكة سككية إلى أخرى، فيمكن الجزم بأن الركائز والثوابت المتعلقة بهذه المنظومة تظل، عموما، مماثلة وصالحة للتداول بين مختلف الشبكات، وتستدعي مزيدا من التعاون وتقاسم الخبرات. كما أن تعزيز البحث على مختلف المستويات المتعلقة بسلسلة النقل، يظل ضرورة ملحة من أجل مواصلة الابتكار والإبداع في القطاع السككي، مع الاستثمار النوعي في التجهيزات والتكنولوجيات الحديثة التي باتت تتيح إمكانات جد متطورة للرقي بمستوى المنتج السككي بغية المنافسة في مواجهة التحديات التي يفرضها التنامي المتواصل لحركية التنقل وضرورة تحسين القدرات التنافسية في سبيل ضمان استمرارية وديمومة إشعاع قطاع النقل».

وجرى على هامش الندوة توقيع اتفاقيات تعاون بين إدارة السكك الحديدة المغربية وشبكتي السكك الحديدية في الغابون وجيبوتي، فضلا عن تقديم طابع بريدي يخلد الذكرى الخمسين لإنشاء المكتب الوطني للسكك الحديدية المغربي. كما عقدت الدورة الـ31 للجنة النقل السككي بالمغرب العربي واللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للسكك الحديدية بمنطقة أفريقيا التي يرأسها المغرب.

يشار إلى أن أول خط للسكك الحديدية بالمغرب كان أنشئ قبل نحو مائة سنة، وربط بين الدار البيضاء وبرشيد في إطار الشبكة العسكرية التي أسسها المستعمر الفرنسي لتأمين التموينات العسكرية. وظهرت فيما بعد أولى الخطوط وشكلت انطلاقة شبكة السكك الحديدية، التي كان من ورائها جنود الاحتلال، حيث كلفت شركات أجنبية خاصة ببناء واستغلال خطوط حديدية لأغراض تجارية ولأجل النقل العمومي. وبعد 50 عاما، من ذلك، ستصبح منشأة السكك الحديدية تحت السيادة المغربية، وحل المكتب الوطني للسكك الحديدية مكان الشركات الأجنبية، فتمثلت مهمته في إدارة وصيانة الشبكة وتسيير خدمات النقل العمومي للمسافرين والبضائع. ومنذ ذلك الحين قطعت أشواط عديدة، جرى خلالها الانتقال من العربات الخشبية التي كانت تسمى «الدرجة الاقتصادية» في السبعينات، إلى القاطرات ذاتية الحركة، قبل الدخول في مرحلة «القطار فائق السرعة»، التي يعد المغرب أول بلد عربي وأفريقي ينخرط فيها.