عندما كانت القهوة مؤامرة عربية!

جمال الدين طالب

TT

تشهد بريطانيا، التي تعرف بـ«أمة الشاي» بتقليدها الشهير «شاي العصر الإنجليزي»، ما يشبه انقلابا حقيقيا في الأذواق، تسحب فيه القهوة بشكل ملحوظ البساط من تحت الشاي، حيث تشهد عاصمتها لندن مثلا «انقراضا» لقاعات الشاي واكتساحا لمحلات القهوة (الكوفي شوب) بكل أنواعها، وحتى على مستوى المبيعات فإن مجلة «غروسر» مثلا المتخصصة في تجارة التجزئة أظهرت أن مبيعات الشاي في العالم الماضي تراجعت بنسبة 6 في المائة، فيما ارتفعت مبيعات القهوة بنسبة 6.3 في المائة، كما تعرف ماكينات قهوة «الإسبرييسو» المنزلية زيادة سنوية مطردة.

وقد ارتبطت القهوة في فترة في بريطانيا وفي أنحاء أخرى من أوروبا بالعرب والمسلمين واعتبرت «بدعة إسلامية»، وكانت تسمى حتى «نبيذ المسلمين». وتعرضت القهوة إلى حملات من متعصبين مسيحيين كانوا يعتبرونها تهديدا لنقاوة الديانة المسيحية، ومؤامرة إسلامية لصرف المسيحيين عن ديانتهم! ووصلت القهوة إلى بريطانيا في القرن السابع عشر عبر المسلمين، ومن خلال التبادل التجاري بين بريطانيا والعالم الإسلامي، خاصة عبر البحر الأبيض المتوسط. وساهم التأثير التركي العثماني، خاصة في تلك الفترة، في إطلاق أول المقاهي في بريطانيا، ولقيت المقاهي إقبالا كبيرا وانتشرت بكثرة إلى درجة أنها أثارت حفيظة الكثيرين، واعتبروها مؤامرة تركية لإفساد المجتمع البريطاني، خاصة بعد أن بدأ يتشبه زوار المقاهي الإنجليز بالعثمانيين في لباسهم.

ورفعت حتى مجموعة من البريطانيات عام 1674 عريضة للمطالبة بإغلاق المقاهي التي أفسدت رجالهن، ورضخ الملك تشارلز الثاني إلى جماعات الضغط الإنجليزية وقرر إصدار حظر على القهوة، لكن الحظر لم يدم طويلا.

ومعروف تاريخيا أن العرب هم من أرسوا تقليد شرب القهوة التي كانوا يجلبونها من إثيوبيا عبر اليمن، وانتشر استهلاكها، خاصة في فترة العثمانيين الذين ساهموا في وصولها إلى أوروبا. ويعتبر العثمانيون أول من أطلقوا ما أصبح يعرف بعدها بالمقهى، وكانوا يسمونه الخان. وتقول بعض المصادر إن شرب القهوة كان منتشرا في العالم الإسلامي في حدود عام 1400 أي قبل قرنين من وصوله إلى أوروبا، التي شهدت افتتاح أول قهوة عام 1606.

ورغم ادعاءات الإيطاليين بأنهم رواد القهوة وخبراؤها، فإن المصادر التاريخية الموثقة تؤكد أن القهوة عندما وصلت إلى إيطاليا قوبلت بتشكيك وتوجس على اعتبار أنها مشروب «المسلمين الكفار»! وقد طلب حتى رجال دين من بابا الفاتيكان كليمنت الثامن آنذاك إصدار تحريم لها، لكنه عندما جربها أعجبه ذوقها، فقام «بتعميدها وإحلال شربها»! [email protected]