مركز دراسات يوصي بتحويل دعم السعودية للطاقة من عشوائي إلى موجه

خبراء: تنفيذ الخطة سيوفر 87 مليار دولار سنويا

جانب من العاصمة السعودية الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

قدر مركز سعودي للدراسات الاستراتيجية مقره الرياض، الفوائد المالية والاقتصادية التي ستجنيها السعودية من تحرير أسعار النفط محليا بنحو 328.5 مليار ريال (87.6 مليار دولار) عند التحول في مسألة الدعم الحكومي الذي تقدمه لمواطنين، من مرحلة الدعم العشوائي - أي دعم السلع والخدمات المطروحة في السوق السعودية كافة - إلى مرحلة الدعم الموجه لزيادة الفائدة الاقتصادية لمواطنيها.

وبنى المركز فكرته على أن الدعم الحكومي الذي تقدمه الحكومة السعودية لعدد من الخدمات أبرزها الوقود والكهرباء والماء والمواد الغذائية، دعم عشوائي لا يحقق الفائدة الاقتصادية التي تتوخاها الحكومة منه، وإن الظروف الاقتصادية الراهنة تحتم التحول عنه إلى الدعم الموجه الذي يذهب للمستفيد مباشرة (المواطن) المعني أولا وأخيرا بقضية الدعم.

خبراء الاقتصاد يتوقعون التحول في هيكلية الاقتصاد السعودي التي تقوم على دعم كثير من المنتجات لتحرير السوق والأسعار وبناء اقتصاد تكون فيه الخدمات بأسعار حقيقية، مما يجذب الاستثمارات الرأسمالية في القطاعات الخدمية على سبيل المثال «الكهرباء والمياه» لتخفيف العبء على خزينة الدولة ودخول القطاع الخاص في شراكة حقيقية أو أخذ زمام المبادرة في مشاريع الخدمات بناء على الجدوى الاقتصادية.

لكن قبل ذلك لنعد إلى الخلف قليلا، السعودية تستهلك بشكل يومي قرابة ثلاثة ملايين برميل من النفط، أي ما نسبته 30 في المائة من قدراتها الإنتاجية في الوقت الراهن التي تلامس 10 ملايين برميل.

حاليا السعودية على أبواب فصل الصيف الطويل نسبيا والذي يكثر فيه استهلاك الكهرباء بشكل كبير، لذلك سترتفع كمية الاستهلاك النفطي اليومي خلال الأيام المقبلة إلى نحو 3.6 مليون برميل، هذه الكمية الهائلة من النفط التي تزيد على القدرات الإنتاجية لبعض الدول المهمة في منظمة «أوبك»، لا تقدم بسعرها الحقيقي في السوق المحلية.

تقدر الإحصاءات والتقارير الاقتصادية حجم الدعم المقدم لثلاث خدمات فقط هي الكهرباء والماء والبنزين بنحو 135 مليار ريال (36 مليار دولار) سنويا.

كما تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الأمور إذا سارت على ما هي عليه من وفرة في الدعم ونمو في الاستهلاك فستصل السعودية إلى استهلاك خمسة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2016، ونحو 7.8 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2020.

السعودية استوردت خلال صيف عام 2013 نحو 110 آلاف برميل من البنزين ونحو 295 ألف برميل من الديزل يوميا لتوفير الوقود المدعوم حكوميا، الذي يعد استيراده أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية من إنتاجه عبر مشاريع ومصاف محلية.

هنا تؤكد دراسة لمركز التحليل والدراسات الاستراتيجية ومقره الرئيس العاصمة السعودية الرياض، أن الحل هو الانتقال من الدعم العشوائي الذي يزيد من التكلفة الاقتصادية ويتبدد أثره، ولا يعود بفائدة اقتصادية حقيقية على البلد بينما يستفيد منه المعني وغير المعني بالدعم، بالتحول إلى الدعم المباشر للمواطن، وتمويل هذا التوجه من خلال تحرير الأسعار.

الفكرة تتحدث عن حساب استهلاك السعودية من النفط الذي يتراوح بين ثلاثة إلى 3.6 مليون برميل بأسعار السوق العالمية.

فإذا تم بيع هذه الكمية في السوق المحلية بالأسعار العالمية 100 دولار للبرميل مع احتساب 20 دولارا تكلفة إنتاج ستكون الفائدة من سعر البرميل الواحد 80 دولارا.

وفق المعادلة التي توصل لها خبراء في مركز تحليل الدراسات الاستراتيجية فإن الدخل اليومي من السوق المحلية إذا تم رفع الدعم عن النفط يعادل 900 مليون ريال (240 مليون دولار)، أي ما يعادل 328.5 مليار ريال (87.6 مليار دولار)، سنويا.

هذه المبالغ التي يتم تحصيلها تذهب إلى الدعم الموجه، وهو مبالغ مالية توضع في الحسابات البنكية للمواطنين بواقع 1104 ريال للفرد (294.4 دولار).

الفكرة لا تقف عند هذا الحد فخبراء المركز الذي يعمل فيه نحو 185 باحثا سعوديا في مختلف المناحي الاقتصادية والاجتماعية السعودية، يضعون سيناريو لكيفية التطبيق وللمردود المادي المجزي الذي سيحد من هدر الدعم الذي يتساوى في الاستفادة منها المحتاج للدعم وغير المحتاج.

فمتوسط الأسرة السعودية خمسة أفراد بحسب المركز، عندها ستحصل الأسرة على دخل مادي مباشر من الدعم الموجه قدره 5420 (1445 دولارا) شهريا إضافة إلى مداخيلها الأخرى من عمل الأب أو من عمل الأب والأم، ووفق هذه المعادلة ستحقق الأسرة دخلا من الدعم الموجه فقط قدره 65000 (17344 دولارا)، وهو ما يعني زيادة فعلية لدخل الأسرة والفرد.

فكرة خبراء المركز تتلخص في أن الانتقال إلى خطوة الدعم الموجه، من الدعم الحكومي وتحرير أسعار الخدمات حتى يعمل الاقتصاد وفق الشروط الاقتصادية، أصبحت ضرورة ملحة، وتوجيه الدعم سيرفع من مستوى دخل المواطنين في الخطوة الأولى، مما يجعل المواطن الأقل دخلا المستفيد الأكبر من عملية الدعم، وعند ذلك سيحقق الدعم أحد أهدافه وهو رفع مستوى المعيشة للمواطن، كما سيزيد توجيه الدعم من القدرة الشرائية للمواطنين مما ينعش الاقتصاد ويزيد من حجم الطبقة الوسطى ويرفع مستوى الخدمات.

يرى خبراء المركز أن دعم الطاقة والمياه الذي تستفيد منه الشركات والمستثمرين سيتجه إلى جيوب المواطنين مباشرة، وسيذهب للشخص المعني بالدعم الذي تتحمله خزينة الدولة.

تقديم الدعم الموجه وبمبالغ مالية مباشرة في حسابات المواطنين سيزيد من إقبال الشباب على العمل في القطاع الخاص ومن قدرتهم على منافسة الأجنبي، كما سيؤدي إلى رفع المرتبات في القطاع الخاص لأن الخدمات ستزيد أسعارها بسبب رفع الدعم عنها.

ومن الفوائد المباشرة التي ستجنى من توجيه الدعم أن تقديم الدعم نقدا سيوجد ثقافة إتقان الترشيد وسيعمل المواطن بمبدأ ترشيد الاستهلاك والتوقف عن هدر الموارد للمحافظة على موارده المالية، لأن أسعار الخدمات من «محروقات وكهرباء ومياه» سترتفع بشكل كبير بسبب توقف الدعم عنها.

لا يخفي خبراء المركز أن التحول إلى هذه الخطوة في الدعم تحتاج عمل حكومي كبير وتعاون بين مختلف الوزارات، وبالتأكيد جهد توعوي كبير لكافة شرائح المواطنين.