لي شيان لـ «الشرق الأوسط»: اتفاقية التجارة الحرة مع الخليج ستنفذ بالكامل بحلول عام 2018

كبير وزراء سنغافورة للتجارة والصناعة يؤكد أن بلاده حققت نسبة نمو أربعة في المائة العام الحالي

لي يي شيان كبير («الشرق الأوسط»)
TT

أكد كبير وزراء سنغافورة للتجارة والصناعة في حوار حصري مع «الشرق الأوسط»، أنه بصدد بحث التفاصيل اللازمة لتنفيذ التزام بلاده تدريجيا فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة مع الدول الخليجية.

وقال لي يي شيان، كبير وزراء سنغافورة للتجارة والصناعة لـ«الشرق الأوسط»: الذي بدأ أمس زيارة إلى الرياض «المقرر أن تنفذ اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الخليجية وسنغافورة بالكامل بحلول عام 2018»، متوقعا أن «تعزز العلاقات الاقتصادية بين سنغافورة والسعودية بشكل خاص ومع الخليج بشكل عام».

ولفت إلى أنه بصدد بحث الشراكة الاستراتيجية مع الرياض في مجالات نقل التقنيات والخبرات والتحول إلى الاقتصاد المعرفي، متطلعا إلى جعل بلاده قاعدة للشركات السعودية لتنطلق منها نحو فرص جديدة في منطقة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (الآسيان) والصين والهند.

وعلى صعيد آخر، أكد كبير الوزراء السنغافوري، أن اقتصاد بلاده يقاوم حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة، مبينا أنه حقق نموا بمعدل 5.2 في المائة سنويا بين عامي 2008 و2013، بينما حقق نموا بنسبة 4.1 في المائة في عام 2013، متطلعا بلوغه نسبة نمو أربعة في المائة في عام 2014.

ويتوقع شيان، نموا مطردا لاقتصاد سنغافورة بمعدل يتراوح بين اثنين وأربعة في المائة، مع توقعات بارتفاع إجمالي تجارة السلع، بنسبة تتراوح بين واحد وثلاثة في المائة في 2014.

ونوه الوزير السنغافوري خلال هذا الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف والبريد الالكتروني قبل قدومه اليوم للرياض، بمذكرة تفاهم بين شركات سنغافورية وسعودية، تبحث تطوير حوض بحري عالمي في السعودية، وفي مايلي نص الحوار:

* كيف تقيم العلاقات بين السعودية وسنغافورة في الوقت الحالي؟

- تقدر سنغافورة عاليا التعاون الاقتصادي مع السعودية، ونحن حريصون على تعزيز وتعميق تلك الروابط الاقتصادية، من خلال النظر إلى مجالات جديدة للشراكة، حيث يتمتع كلا البلدين، بعلاقات ثنائية واقتصادية متميزة، وهذا ما تؤكده حركة التبادلات التجارية الاعتيادية، إذ تضاعف حجم التجارة الثنائية في العقد الماضي إلى ما يزيد على 29.6 مليار ريال (7.9 مليار دولار)، إلى ما يزيد على 52.6 مليار ريال (14 مليار دولار)، ولذلك احتلت السعودية في العام الماضي المركز رقم 14 في قائمة أكبر شريك تجاري لسنغافورة على مستوى العالم، والمركز الثاني في الشرق الأوسط، وتغطي التجارة الثنائية في الوقت الحالي تصدير النفط الخام من السعودية، وهناك الكثير من الأمثلة الناجحة للتعاون مثل قيام شركات سنغافورية ببناء خزانات النفط في الجبيل، فلقد تولت شركة سنغافورة الدولية للموانئ بناء وتشغيل محطة الحاويات الثانية، بميناء الملك عبد العزيز بالدمام، وتقوم شركة «مطارات شانجي» الدولية بإدارة عمليات مطار الملك فهد الدولي بالدمام.

* ما تقييمك للشراكات القائمة بين سنغافورة والسعودية حاليا؟

- علاقة بلدينا في تطور مستمر وتصب بشكل تصاعدي في تعزيز تلك الشراكة، حيث تأمل بعض الشركات السنغافورية في التعاون مع نظرائها في السعودية في مجال الهندسة البيئية والنقل والخدمات اللوجيستية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفي قطاعي النفط والغاز، كما يمكن أيضا أن تصبح سنغافورة بمثابة قاعدة للشركات السعودية لتنطلق منها للبحث عن فرص في منطقة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (الآسيان) والصين والهند، إذ تمتلك هذه الأسواق إمكانات وفرصا هائلة، وحري بي أن أشير إلى أن هناك عددا من الشركات السعودية الكبرى مثل «سابك» و«أرامكو»، تنجزان بعض الأعمال التجارية في سنغافورة للاستفادة من نقاط القوة لدينا.

* هل هناك فرص جديدة للتعاون بين سنغافورة والسعودية؟

- بعيدا عن القطاعات الرئيسة مثل النفط والغاز والبتروكيماويات والبنية التحتية (البناء والإسكان والسكك الحديدية) والخدمات البيئية (قطاع المياه والكهرباء)، نحن نرى أيضا أن هناك فرصا كبيرة للتعاون في قطاعات الخدمات مثل الرعاية الصحية والنقل والخدمات اللوجيستية، حيث يوجد لدى الشركات السنغافورية سجل حافل في هذه القطاعات ويمكن أن تسهم في احتياجات وتطلعات السعودية لتحويل نفسها من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وذلك بهدف خلق المزيد من فرص العمل للشباب ومواجهة النمو السكاني المتزايد.

* على ماذا تركز المباحثات التي تعتزمون إجراءها فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الخليجية وسنغافورة في الرياض خلال هذين اليومين؟

- تعد اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وسنغافورة، الاتفاقية الوحيدة التي وقعت بين الدول الخليجية، ودولة من خارج منطقة الشرق الأوسط، وهذا يمثل معلما مهما في تاريخ علاقتنا، وأنا هنا أثمن عاليا الدور الذي لعبته السعودية في دعم هذا التوجه، فمنذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في سبتمبر (أيلول) 2013، ونحن نعمل مع نظرائنا الخليجيين لتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية، وأشير هنا إلى زيارتي الحالية للرياض التي تستمر ليومي 5 و6 مايو (أيار) 2014 على رأس وفد من المسؤولين السنغافوريين للمشاركة في رئاسة اجتماع اللجنة المشتركة لاتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي وجمهورية سنغافورة مع الدكتور حمد البازعي، نائب وزير المالية في السعودية، وزملائه في دول مجلس التعاون الخليجي، ونأمل أن نصل من خلال مناقشاتنا الموضوعية إلى العمل على وضع التفاصيل اللازمة لتنفيذ التزاماتنا تدريجيا، ومن المقرر أن تنفذ الاتفاقية بالكامل بحلول عام 2018، ومن المؤكد أنها سوف تسهم في دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين سنغافورة والسعودية بشكل خاص وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي كافة بشكل عام.

* ما تقييمكم للوضع الاقتصادي فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار في سنغافورة؟ وما توقعاتكم لمعدل النمو في عام 2014؟

- أظهر الاقتصاد السنغافوري أداء جيدا على الرغم من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة، حيث حقق اقتصادنا نموا بمعدل 5.2 في المائة سنويا بين عامي 2008 و2013، بينما حقق نموا بنسبة 4.1 في المائة في عام 2013، مستفيدا من النمو القوي في التمويل والتأمين، وتجارة الجملة والتجزئة، كما توسعنا أيضا في قطاع الصناعات التحويلية بوتيرة أسرع، مدعوما بالنمو القوي في هندسة النقل والتجميع الإلكتروني.

* هل لا تزال هناك حالة عدم يقين في بيئة الاقتصاد العالمي؟

- للأسف، ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين في بيئة الاقتصاد العالمي ما زالت موجودة، ولا يزال خطر الهبوط قائما بسبب تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وإعادة الهيكلة الاقتصادية في الصين، ولكن على الرغم من ذلك، فإننا نأمل أن تتحسن التوقعات الاقتصادية العالمية، ليحدث نوع من التوازن المتواضع، نتيجة للانتعاش التدريجي للأسواق الأميركية ودول منطقة اليورو، واستمرار صمود اقتصادات الدول الرئيسة في رابطة جنوب شرقي آسيا (الآسيان)، ومع ذلك، فإننا نتوقع نموا مطردا لاقتصاد سنغافورة بمعدل يتراوح بين اثنين وأربعة في المائة، وأن يرتفع إجمالي تجارة السلع بنسبة تتراوح بين واحد وثلاثة في المائة في 2014.

* إلى أي مدى هناك ثقة في قدرات سنغافورة التنافسية في ظل الاقتصاد العالمي الراهن؟

- تبقى سنغافورة جاذبة للمستثمرين بسماتها الأساسية، التي تشمل الثقة والمعرفة والترابط الاجتماعي وارتفاع مستوى المعيشة، التي أسست على مدى الخمسين عاما الماضية، كما تتمتع البلاد بسمعة طيبة بتوفير بيئة ملائمة للأعمال وقوة اتصال مع المنطقة والعالم، وهذا جعل منها مركزا محوريا عالما وآسيويا للمؤسسات العالمية والإقليمية، التي تهدف إلى التوسع خارج أسواقها المحلية، بينما لا أخفيك أنه قد يؤثر ضيق سوق العمل في سنغافورة على النمو في بعض القطاعات الموجهة والكثيفة العمالة، ولكننا على ثقة من التوقعات متوسطة الأجل لسنغافورة وقدرتها التنافسية في ظل استمرار اهتمام المستثمرين العالميين.

* إلى أي مدى يمكن أن تلعب سنغافورة دورا محوريا في الربط بين السعودية والخليج بشكل عام مع نظرائهم الرئيسين في جنوب شرقي آسيا؟

- بإمكان سنغافورة أن تكون بمثابة قاعدة للشركات في السعودية للتوسع في منطقة جنوب شرقي آسيا والصين والهند، التي تتمتع باقتصادات كبيرة ومتنامية، وذلك بسبب موقع سنغافورة المتميز في قلب آسيا، فقد أصبحت مركزا آسيويا وعالميا مهما، والبوابة الاستراتيجية للشركات والمؤسسات الخليجية التي ترغب في الوصول إلى هذه الأسواق الواعدة التي بها فرص كبيرة في مجال الأعمال والتجارة والاستثمار، كما أن لسنغافورة شبكة تواصل كبيرة من خلال اتفاقيات التجارة الحرة، وتوفير العمالة الماهرة، بالإضافة إلى حسن الإدارة، كلها مقومات تجعل من سنغافورة قاعدة حتمية للشركات، وفي الوقت نفسه، تواصل سنغافورة استكشاف سبل تعزيز وتعميق التعاون بين دول «الآسيان» ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي إطار متابعة أعمال الاجتماع الوزاري بين هذين الطرفين، الذي عقد في البحرين في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، تستضيف سنغافورة ورشة عمل بين الجانبين في 11 يونيو (حزيران) 2014، تشمل جلسات موضوعية حول تعزيز العلاقات الاقتصادية والشعبية بين المنطقتين.

* ما حجم التبادل التجاري بين البلدين؟ وما المشروعات المشتركة الاستثمارية الكبرى؟ وكم حجمها؟

- تنمو العلاقات الاقتصادية بشكل مطرد بين بلدينا على مر السنين، حيث كانت السعودية في عام 2013 تشكل ثاني أكبر شريك تجاري لسنغافورة في الشرق الأوسط، مع ارتفاع التجارة الثنائية بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 6.6 في المائة، على مدار الخمسة أعوام الماضية، بإجمالي 13.8 مليار دولار، وتشمل الصادرات السنغافورية الرئيسة إلى السعودية قطع غيار الآلات، والأنابيب والمواسير والمنتجات البترولية المكررة، في حين أن الواردات الرئيسة من السعودية هي منتجات النفط الخام والمكرر والمواد الكيماوية العضوية، وبما أن اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون وسنغافورة، دخلت حيز التنفيذ، نتوقع زيادة كبيرة في حجم تجارتنا مع السعودية، فالشركات السنغافورية تتمتع بسمعة طيبة بفضل منتجاتها وخدماتها في السعودية، فقد جرى منح مشروع توسعة ميناء الملك عبد العزيز في الدمام الذي تبلغ قيمته ملياري ريال (533.3 مليون دولار) إلى شركة «سنغافورة» الدولية للموانئ في 2012، وذلك لبناء وتشغيل المحطة الثانية الجديدة للحاويات، كما تقوم شركة «مطارات شانجي» الدولية، وهي شركة سنغافورية، بإدارة عمليات مطار الملك فهد الدولي بالدمام، إذ حقق أعلى معدل نمو لحركة الركاب المتمثلة في 7.5 مليون راكب لعام 2013، وفي الوقت نفسه تعمل بعض شركاتنا مع شركات سعودية رائدة مثل «أرامكو»، وذلك للاستفادة من خبراتهم العالمية في التخطيط الشامل والمرافق وحلول المياه في مشروعات البنية التحتية الرئيسة في السعودية، التي تقودها شركة «أرامكو».

* ما توقعاتكم لمستقبل العلاقات بين البلدين؟ وهل هناك المزيد من المشروعات المشتركة على الطريق؟

- هناك مجالات أخرى للمزيد من التعاون والتبادلات التجارية بين البلدين، التي من شأنها تعزيز علاقاتنا الثنائية، وأحد الأمثلة على ذلك هو التعليم والتدريب، حيث إن التجربة السنغافورية في التعليم، أصبحت رائدة عالميا، وأصبحت سنغافورة موطنا للكثير من المؤسسات التعليمية الرائدة من جميع أنحاء العالم، كما أننا نحث طلاب الجامعات والدراسات العليا السعوديين للدراسة في مؤسساتنا للتعليم العالي والكليات التقنية العالمية المستوى لتجربة أفضل ما لدى دول الشرق والغرب في مجال التعليم، ونأمل أن نشارك العالم في تجربتنا التنموية وخبراتنا في إنشاء المعاهد المهنية وتنمية القدرات التقنية لدى العاملين من السكان، إذ يقوم المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة بالعمل الجاد مع مؤسسات تعليمية سعودية رائدة، ففي عام 2013 صيغت مذكرة تفاهم بين المعهد الوطني للتعليم (NIE) مع شركة تطوير التعليم القابضة بالمملكة، للعمل على تطوير مستوى قيادات المدارس الذي بموجبها سوف يتولى المعهد الوطني للتعليم عملية تدريب عدد 3000 مدير مدرسة في سنغافورة على مدى الأعوام القليلة المقبلة، كما أن هناك تعاونا طويل الأمد يعود للعام 2007 بين المعهد وجامعة الملك سعود بالرياض، وفي يناير (كانون الثاني) 2014، وقعت مذكرة تفاهم واسعة النطاق بين الطرفين في مجال التعاون العلمي والأكاديمي، التي بموجبها يمارس المعهد تدريب موظفي وطلاب الجامعة، مع تقديم الدعم للمركز التربوي لتطوير التعليم والتنمية المهنية بالجامعة، ومن خلال هذه المبادرات وغيرها، تأمل سنغافورة أن تسهم بشكل إيجابي في مبادرة الإصلاحات التعليمية التي بدأتها وزارة التربية والتعليم السعودية.

* إلى أي مدى لعب مجلس الأعمال السعودي - السنغافوري دورا في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين؟

- كان أداء مجلس الأعمال السعودي السنغافوري (SSBC) ممتازا منذ انطلاقة أعماله في عام 2006، حيث إن الاجتماعات بين كل من رئيس المجلس من الجانب السعودي عبد الله المليحي، ونظيره السنغافوري تانغ كين فاي، أسهمت في تعزيز التعاون بين سنغافورة والشركات السعودية، إذ وقع أخيرا مذكرة تفاهم بين شركة «سيمكورب البحرية» وشركة «أرامكو» السعودية وشركة «الشحن الوطنية السعودية»، لمناقشة تطوير حوض بحري عالمي في السعودية، ونحن نتطلع إلى المزيد من الإنجازات من مجلس الأعمال السعودي - السنغافوري، في سبيل تسهيل الكثير من هذه المشروعات خلال الأعوام المقبلة.