الاقتصاد التونسي .. بين مخاطر الإفلاس وآمال الانتعاش

يعاني مشاكل هيكلية تتطلب إصلاحات جبائية

TT

قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر الحوار الاقتصادي في تونس، يعيش الاقتصاد بين مخاطر الإفلاس وآمال الانتعاش، على حد تقييم كثير من متابعي الشأن الاقتصادي في تونس، مما جعل بعض المتابعين يصفون المرحلة الحالية بـ«حالة طوارئ اقتصادية»، ويقدمون عدة تبريرات لهذا التوصيف، من بينها إقدام الحكومة على فتح أبواب الاكتتاب الوطني أمام التونسيين والمؤسسات الخاصة، والدعوة إلى مؤتمر للحوار الاقتصادي، نهاية هذا الشهر، وإقرار عدة إجراءات تقشفية من قبل الحكومة خلال الفترة الأخيرة. ولا تبدو معظم المؤشرات التي ستعرض يوم 28 مايو (أيار) الحالي على أصحاب القرار السياسي مشجعة، أو تدعم الدعوات الملحّة للخروج من الأزمة، ويشبهها بعض الخبراء في الاقتصاد بـ«الضمادات الاقتصادية التي تسعى إلى وقف النزيف ولو إلى حين، بينما الوضع الاقتصادي والمالي يتطلب العلاج السريع عبر إصلاحات قوية وجريئة»، وهذه الإصلاحات الهيكلية ستتواصل (وفق تصريحات رئيس الحكومة التونسية) إلى 2017.

وكرر المهدي جمعة في أكثر من مناسبة عبارة «مصارحة التونسيين بحقيقة الواقع الاقتصادي في تونس»، بما يعنيه من صعوبات في التخلص من تبعات الأزمة الاقتصادية نتيجة تراجع الإنتاج وضعف الناتج الوطني المحلي.

واعترف حكيم بن حمودة وزير الاقتصاد والمالية في حكومة المهدي جمعة بصعوبة الوضع الاقتصادي التونسي، إلا أنه «ليس بالكيفية التي يصورها بعض الخبراء»، ودعا إلى ضرورة تغيير المعادلة الاقتصادية بهدف تحقيق التوازن بين الاستهلاك والاستثمار. وينادي خبراء في المجال الاقتصادي بضرورة الإسراع في إصدار القانون المتعلق بالميزانية التكميلية في تونس، ودعم القطاع الخاص ودفع الإنتاج.

وفي هذا الشأن، قال سعد بومخلة أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط» إن الربط بين الانتعاشة الاقتصادية المأمولة، والبدء في تنفيذ إجراءات الإصلاح الجبائي، هو الحل القريب للواقع لتجاوز جزء كبير من انعكاسات الأزمة الاقتصادية على البلاد. وعدّ هذه الخطوات ضرورية وعاجلة، ومن المستوجب تنفيذها في غضون الشهر والنصف شهر فقط، أي مع نهاية النصف الأول من السنة الحالية. وعمدت الحكومة التونسية منذ يوم 12 مايو الحالي إلى إطلاق اكتتاب وطني هدفه جمع مبلغا ماليا في حدود 500 مليون دينار تونسي (نحو 312 مليون دولار أميركي) لدعم ميزانية الدولة في ثالث اكتتاب وطني منذ الاستقلال.

ويحتاج الاقتصاد التونسي لمبلغ 5.3 مليار دينار تونسي (نحو 2.3 مليار دولار أميركي) لتمويل الميزانية، وتنفيذ مشاريع التنمية في مختلف جهات البلاد.

ومن بين الإجراءات التقشفية التي ستبدأ الحكومة في تطبيقها من بداية يونيو (حزيران) المقبل، تخفيض أجور أعضاء الحكومة بنحو عشرة في المائة، والتخلص من عبء قرابة 80 ألف سيارة إدارية وتخفيض قيمة وصولات البنزين المخصصة لكبار موظفي لدولة بنحو عشرة في المائة كذلك، وهو إجراء قد يخلف احتجاجات في صفوف قطاع الوظيفة العمومية. وتعيش الحكومة تحت ضغوط الشارع التونسي المطالب بمراجعة الأجور والرفع فيها لمواجهة غلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية لمعظم التونسيين، وفي ظل مطالب نقابية بالدخول في مفاوضات مع الأطراف الاجتماعية (نقابة العمال ومنظمة رجال الأعمال) بشأن مراجعة الأجور، في ظل ظروف اقتصادية تشكو من عجز في الميزان التجاري وتراجع في المداخيل.

ويعاني الاقتصاد التونسي من عدة مشاكل هيكلية تتطلب إصلاحات جذرية من بينها الإصلاح الجبائي والمالي والبنكي، ومراجعة منظومة دعم المواد الأكثر استهلاكا، هذا الدعم المقدر بنحو ستة آلاف مليون دينار تونسي (نحو أربعة آلاف مليون دولار أميركي) ويمثل هذا الرقم قرابة 23 في المائة من إجمالي ميزانية تونس. وسجلت المؤسسات العمومية تراجعا في أدائها، مما خلف عجزا لا يقل عن ثلاثة آلاف مليون دينار تونسي، وتحتاج 27 مؤسسة عمومية على ملك الدولة لإصلاحات هيكلية، وهي اليوم عاجزة اقتصاديا، وتثقل بمصاريفها كاهل الدولة التي لا تفكر حاليا في «التفويت» فيها.

ورغم الظروف القاتمة المحيطة بالوضع الاقتصادي بعد الثورة، فإن الاقتصاد التونسي عرف تطورا في المداخيل بنسبة 18 في المائة بمقارنة نتائج 2012 و2013، كما تطورت مداخيل الجباية بنسبة 28 في المائة.

وتبين في لقاء إعلامي عُقد نهاية الأسبوع الماضي في مدينة سوسة وسط شرقي تونس، أن الاحتياطي التونسي من العملة الصعبة تراجع من تغطية 99 يوما السنة الماضية إلى 96 يوما في الوقت الحالي. وعرفت قيمة الدينار التونسي تراجعا بنسبة 4.7 في المائة مقارنة مع الدولار و4.11 في المائة مقارنة مع اليورو. وزادت الواردات بنسبة 9.7 في المائة، وفي المقابل انخفضت الصادرات بنحو 8.1 في المائة.

وتسعى الحكومة إلى إنعاش الاستثمار الخارجي في تونس، ونظمت خلال بداية شهر مايو الحالي ملتقى تونسيا خليجيا لدفع الاستثمارات الخليجية في تونس، إلا أن عدم الاستقرار السياسي وتواصل التوتر الأمني قد يحولان دون ورود كثير من الاستثمارات العربية أو الأجنبية.

وتأمل عدة أطراف سياسية أن يكون مؤتمر الحوار الوطني الاقتصادي آلية إيجابية في اتجاه بلورة حلول هيكلية أمام الاقتصاد التونسي، إلا أن حكومة المهدي جمعة غير المتحزبة تخشى من ردة فعل الشارع التونسي تجاه عدد من الإصلاحات الاقتصادية، من بينها مراجعة نسب دعم المواد الغذائية.

وتتوعد القيادات النقابية بردود فعل قاسية في حال الإضرار بفئة ضعاف الحال، وترى أن مراجعة دعم المحروقات وبعض المواد الغذائية، على غرار الخبز والعجين الغذائي والسكر والزيت، لا بد أن تراعي تلك الفئات الهشة ولا توافق على اندفاع الحكومة نحو تطبيق قرارات جريئة تؤدي إلى توازن الميزانية على حساب القدرة الشرائية للتونسيين. وتنادي بسياسة تدريجية عند مراجعة وترشيد الاستهلاك قد يجري تنفيذها على مدى خمس سنوات متتالية، وليس دفعة واحدة.