تأجيل مؤتمر الحوار الاقتصادي في تونس بسبب خلاف حول صندوق الدعم

دعم المحروقات والمواد الغذائية الأساسية يستنفد ربع الميزانية سنويا

TT

أجلت الحكومة التونسية عقد مؤتمر الحوار الاقتصادي الذي كان مقررا يوم أمس 28 مايو (أيار) الحالي إلى ما بعد 14 يونيو (حزيران) المقبل، نظرا لعدم توصل الأطراف المشاركة في الإعداد للحوار الاقتصادي إلى توافق حول ملف رفع الدعم عن المواد الأكثر استهلاكا، وهو أهم موضوع كان سيطرح خلال جلسات الحوار. وتتشكل اللجنة التي كانت بصدد الإعداد لمؤتمر الحوار الاقتصادي من ممثلين عن الحكومة وعن الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال) والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة الفلاحين).

وقال نضال الورفلي، المتحدث باسم الحكومة التونسية، إن لجنة ثانية ستعقد اجتماعات في الغرض ذاته بداية من يوم 14 يونيو المقبل. ولم تعلن اللجنة عن موعد جديد لعقد الحوار بصفة محددة. وأشار الورفلي إلى أن الحوار سينقسم إلى مرحلتين، تنطلق الأولى بعد 14 يونيو للنظر في الإجراءات الاقتصادية العاجلة على غرار قانون المالية التكميلي لميزانية الدولة لسنة 2014، فيما ستخصص المرحلة الثانية وهي الأصعب للإصلاحات الهيكلية للاقتصاد التونسي ومن بينها ملف رفع الدعم والتهرب الجبائي والتهريب، ولم يعلن عن موعد انطلاق هذه المرحلة الثانية.

وبشأن تأجيل المؤتمر والقرارات الاقتصادية التي كانت ستتمخض عنه، عبر سعد بومخلة، أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة التونسية، في حديثه مع «الشرق الأوسط» عن خشيته من رد فعل الشارع التونسي من جديد إذا ما اتخذت الحكومة إجراءات اقتصادية مؤلمة تضر بقدرته الشرائية المتضررة بطبعها. ودعا الحكومة إلى التفكير في بدائل أخرى غير رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية بصفة عاجلة على غرار متابعة المتهربين من الضرائب واعتماد سياسة المراحل في رفع الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه بدل استفادة أصحاب النفوذ والأغنياء من الأسعار المدعمة، على حد قوله.

وبرزت خلافات حادة بين الأطراف الممثلة في لجنة الإعداد للمؤتمر الاقتصادي خلال الفترة التي سبقت اليوم المقرر لانطلاق الأشغال، حيث قاطعت بعض الأطراف السياسية على غرار الجبهة الشعبية (تجمع أحزاب يسارية وقومية) المؤتمر قبل انعقاده، كما رفض الاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال) مناقشة الزيادات في الأسعار بعد رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية. وصرح حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال (حزب يساري)، بأن الحوار الاقتصادي سيمهد لاستغلال ثروة التونسيين ومزيد من إفقارهم. وانتقد قرارات الحكومة التونسية واختياراتها، وقال إنها «تنفذ مخططا اقتصاديا مملى عليها من قبل دوائر خارجية وبدعم من بعض الأحزاب السياسية الكبرى»، على حد قوله.

ومن جهته، عبر حسين العباسي، رئيس اتحاد الشغل، في مؤتمر نقابي عقد بداية هذا الأسبوع، عن رفض نقابة العمال تنفيذ إصلاحات هيكلية على الاقتصاد التونسي من قبل الحكومة المؤقتة التي يقودها المهدي جمعة. وطالب في المقابل بإصلاحات عاجلة تهم فقط الجباية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ودعا إلى عدم تحميل الأجراء كامل الحيف الجبائي، على حد تعبيره.

ويكلف صندوق الدعم تونس قرابة ربع الميزانية السنوية، أي ما يقارب الستة آلاف مليون دينار تونسي (نحو 3.75 مليار دولار أميركي). وفي حال رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية وعن المحروقات بأنواعها، فإن خبراء في الاقتصاد يتوقعون انهيار الطبقة الوسطى في تونس ونزول نحو 40 في المائة من التونسيين تحت خط الفقر خلال السنوات الخمس المقبلة. وخصصت ميزانية السنة الحالية مبلغ 2.7 مليار دولار لكل أنواع الدعم الحكومي للأسعار في تونس، ومن بين ذاك المبلغ نجد 1.62 مليار دولار لدعم الوقود والكهرباء.

ووفق ما قدمته وزارة المالية والاقتصاد في تونس، فإن الحكومة تسعى إلى توفير مبلغ 452 مليون دولار أميركي إذا ما طبقت برنامج خفض الدعم عن تلك المنتجات. وتتفادى تونس مخاطر الإفلاس الاقتصادي من خلال المغامرة بإصلاحات هيكلية تجريها على مكوناتها الاقتصادية وتسعى إلى الحصول على قروض من هياكل التمويل الدولي على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لكنها تصطدم بمجموعة من الشروط المملاة من قبل تلك الهياكل وعلى رأسها رفع الدعم الحكومي عن الكثير من المنتجات، وهو قرار في حال تطبيقه سيخلف دخول قرابة مليوني تونسي تحت خط عتبة الفقر، ومن ثم تدمير الطبقة الوسطى. ووفق دراسات ميدانية أجرتها وزارة الاقتصاد والمالية ومنظمة الدفاع عن المستهلك (منظمة مستقلة)، يتضح أن الأغنياء يستفيدون بأكبر نصيب من مخصصات الدعم الموجهة لقطاع المحروقات والطاقة وكذلك المواد الغذائية الأساسية.