قطاع الطاقة السعودي.. عملاق قادر على التكيف مع كل المتغيرات

رغم كل التحديات التي تواجهها السياسة النفطية السعودية والمتغيرات الدولية

حقل شيبه في الربع الخالي جنوب شرقي السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

خضعت صناعة الطاقة السعودية والسياسات الحكومية ذات الصلة، لا سيما تلك المرتبطة بالقطاع النفطي، لأبحاث ونقاشات واسعة النطاق منذ توقيع عقد امتياز التنقيب عن النفط مع الأميركيين في عام 1933، ويبرر تلك النقاشات والأبحاث عدد من العوامل أهمها الحجم الهائل لاحتياطي النفط المؤكد في البلاد وجودة النفط وانخفاض تكاليف استخراجه، والأساليب النمطية التي تتبعها الحكومة فيما يتعلق بإقامة شركة مشتركة بين أربع شركات كبرى بدلا من استثمار تلك الشركات المباشر، وترتيب المشاركة في العائدات، ونقل ملكية شركة أرامكو إلى السعودية عبر مفاوضات بدلا من عملية التأميم، وإصرار السعودية على تعزيز التعاون والحوار بين المستهلكين والمنتجين بدلا من المواجهة.

واستخدمت حكومة المملكة طرقا مختلفة للاستفادة من عائدات نفطها لتحسين معيشة مواطنيها وتعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد ودعم دول نامية أخرى، تتقدمها المبادرة الرائدة لإطلاق صناعة البتروكيماويات في مطلع الثمانينات كجزء من محاولة الحكومة المستمرة لتنويع مصادر الاقتصاد. وتمت محاكاة هذه المبادرة من قبل دول أخرى تنتج النفط والغاز في المنطقة.

هذا وتتسم الأبحاث والنقاشات حول صناعة النفط السعودي بطبيعة دائرية، حيث تتم فقط عندما يكون هناك نقص في النفط أو ارتفاع في الأسعار أو تغييرات من طرف السوق.

مشهد الطاقة في السعودية عندما ننظر إلى مشهد الطاقة القائم في البلاد، نلاحظ أربعة ملامح أساسية وهي الحجم الهائل لاحتياطي النفط المؤكد في البلاد والذي يقدر بنحو 266 مليار برميل أو 20 في المائة من احتياطي النفط المثبت في العالم. وبفضل الاكتشافات الجديدة، ظل هذا المستوى ثابتا لفترة من الوقت رغم ارتفاع معدلات الإنتاج.

الاحتياطي الهائل للسعودية من الغاز حيث تحتل البلاد المرتبة الخامسة لأكبر احتياطي على المستوى العالم، إذ يصل الاحتياطي إلى 8.1 تريليون متر مكعب، مع تغطية 15 في المائة فقط منه في البلاد. ووصل الإنتاج في عام 2012 إلى 102 مليار متر مكعب.

وبالحديث عن مصادر الطاقة الأخرى فإن السعودية تملك من الطاقة الشمسية، معدلا سنويا يقدر بـ2550 كيلوواط ساعي لكل متر، مما يعد أعلى معدل للإشعاع الشمسي في العالم. وتخطط الحكومة من أجل توليد ثلث احتياجات الدولة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ومن بينها الطاقة الشمسية بحلول عام 2032.

وبالنسبة لاستهلاك الطاقة الأساسي، تحتل السعودية المركز 12 في أكبر الدول المستهلكة، وتنتج 60 في المائة من طاقتها باستخدام النفط، بينما تستهلك الغاز لتوليد معظم الطاقة المتبقية. ويذكر أنه تم استهلاك 2.9 مليون برميل من النفط في اليوم في عام 2013.

وتشير التقديرات إلى أن دعم الطاقة بمفرده يكلف البلاد 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن تقسيم الاستهلاك بين عدد من القطاعات، أهمها قطاع المواصلات الذي يستهلك 40 في المائة من النفط، وتم اتخاذ عدد من الخطوات في هذا الصدد من أجل تخفيض استهلاك النفط، حيث يجري إنشاء نظام مواصلات جديد من قطارات أنفاق وحافلات في المدن الكبرى في المملكة.

كما يجري التخطيط لشبكة سكك حديدية جديدة تصل بين النقاط الرئيسية بين المراكز البشرية والتجارية في البلاد.

توليد الكهرباء وتحلية المياه يستهلك نحو 700 ألف برميل نفط يوميا. يمثل ذلك ثلثي احتياجات الدولة الأساسية من الطاقة. ويلبي الغاز الاحتياجات الباقية، ويتم استهلاك نصف الكهرباء المولدة في المنازل، وتستهلك الهيئات التجارية والصناعية والحكومية الكمية المتبقية.

وبعد أن وصل متوسط النمو السنوي لاستهلاك الكهرباء إلى 6 في المائة أثناء العقد الماضي، تبنت الجهات المعنية عددا من المبادرات للتشجيع على توفير الكهرباء على مستوى المنازل والشركات، منذ عام 2002، منها فرض مواصفات صارمة على مصابيح الإضاءة، ومكيفات الهواء، والأجهزة الكهربائية الأخرى، والعزل الحراري في المنازل وقانون جديد للبناء، وبرنامج طموح لمصادر الطاقة المتجددة، وبرنامج توعية لتعريف الجمهور بمميزات ترشيد استهلاك كل من الكهرباء والمياه، وبرنامج لتدريب العاملين بصورة مباشرة في القطاع مثل المهندسين والمعماريين والفنيين.

إن الهدف من تلك الإجراءات هو تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030 عن معدل الاستهلاك الذي تحقق في عام 2005. ولاحظ أن مراجعة الأسعار ليست من ضمن تلك الإجراءات.

إذا ألقينا نظرة أقرب إلى قطاع الغاز في السعودية، سنجد أنه في حين استخدام جزء منه لتوليد الطاقة وتحلية المياه، إلا أن أغلبه يستخدم لتغذية صناعة البتروكيماويات. بدأت تلك الصناعة في عام 1983، باستخدام الغاز المصاحب، وتحولت الصناعة تدريجيا عبر السنوات إلى الغاز الحر بينما ظل النوع الأول يمثل 38 في المائة فقط من الاستخدام مع نهاية عام 2011. ووصل الاستهلاك في ذلك العام إلى 3.8 تريليون متر مكعب ومن المتوقع أن يصل إلى الضعف بحلول عام 2030.

يبلغ سعر الغاز حاليا 0.75 دولار فقط للوحدة الحرارية البريطانية MBTU مقارنة بمتوسط عالمي بلغ 5 دولارات للوحدة الحرارية البريطانية. وتبلغ نسبة الارتفاع السنوي لاستهلاك الغاز 7 في المائة، ويستهلك جميعه محليا فيما عدا صادرات الغاز الطبيعي المعالج.

من جهة أخرى السعودية هي أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، إذ يوجد بها 30 مصنعا تنتج 18 في المائة من حجم المياه المحلاة في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم مرتين في العقد المقبل. وتستهلك مصانع التحلية 50 في المائة من وقود النفط أو 20 في المائة من إجمالي الطاقة الأساسية. وتساهم المياه المحلاة بنسبة 60 في المائة من المياه اللازمة. جدير بالذكر أنه من المتوقع أن يزداد الطلب على المياه المحلاة بنسبة 14 في المائة سنويا أو أكثر من ضعف إجمالي الطلب على المياه. ويقدر هذا الرقم بستة أضعاف معدل النمو السكاني. ويبلغ إجمالي الطلب على المياه من جميع المصادر ضعفي المتوسط العالمي. أما عن تكلفة المياه المحلاة فتقدر بدولار لكل متر مكعب. ويسدد المستهلكون ما بين 5 - 10 في المائة من التكاليف.

مصادر التأثير في السياسة النفطية في محاولة لاستيعاب العوامل الأساسية التي كانت ولا تزال تؤثر في سياسة النفط السعودية، نستطيع ملاحظة خمسة عوامل على الأقل:

1. المستوى التقديري لاحتياطي النفط المؤكد في البلاد. وكلما ارتفع هذا المستوى، كنسبة من إجمالي الاحتياطي العالمي ومنظمة الأوبك، يزداد اتجاه الدولة إلى القيام بدور أكبر في سوق النفط، وتزداد احتمالية لجوئها إلى تضخيم إيرادات النفط لأطول فترة ممكنة.

2. مستوى القدرة الإنتاجية للبلاد مقارنة بمنتجي النفط الآخرين. كلما ارتفع هذا المستوى، ازدادت قوة التفاوض التي تملكها في مواجهة شركائها في الأوبك والعملاء، وأصبحت أكثر ميلا إلى استخدام هذه القدرات لإنعاش استثماراتها.

3. كلما تنوعت منافذ التصدير، وازدادت جودة النفط، واختلف التوزيع الجغرافي لعملائها، أصبحت الدولة تتمتع بمرونة ومسؤولية أكبر.

4. دور النفط في خليط الطاقة العالمية. كلما كبر حجم هذا الدور، تصبح مسؤولية المملكة العربية السعودية أكبر في ازدهار الاقتصاد العالمي.

5. دور صناعة النفط في البلاد في الاقتصاد الوطني. يأتي القدر الأكبر من ميزانية الحكومة بالإضافة إلى عائدات التصدير في البلاد من النفط. تشكل التفاعلات والمفاضلات بين تلك العوامل سياسة النفط السعودية. ويؤدي الاعتماد على عائدات النفط إلى أن تطمح الحكومة في ارتفاع الأسعار وزيادة الإنتاج. في الوقت ذاته، يتطلب الاحتياطي الهائل مخططا ذا مدى زمني طول. كما أن الدور الذي تؤديه الدولة في سوق النفط العالمية وداخل منظمة الأوبك يضع على عاتقها مسؤولية إضافية فيما يتعلق بضرورة اكتساب قدرات من أجل تحمل الصدمات. يتطلب تنوع مشتري النفط السعودي أن يوضع في الاعتبار مصالحهم والقوة الإجمالية لسوق النفط واستقرارها بالإضافة إلى قوة الاقتصاد العالمي. في المقابل، يستلزم الدور الذي تؤديه صناعة النفط في اقتصاد المملكة العربية السعودية نظرة طويلة الأجل، يكون أصلها تضخيم طويل الأجل لإيرادات النفط، واستقرار سوق النفط، واقتصاد عالمي متنام لضمان استمرار التصدير، واستقرار الدخل، وكفاءة صناعة النفط لاستغلال قطاع النفط من أجل النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

مستقبل النفط والغاز عالميا هل يجب أن نقلق بشأن النفط والغاز الصخري أو المحكم في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر؟

أشارت دراسة صدرت مؤخرا عن «جدوى للاستثمار» إلى أن المستقبل المتوقع للنفط الصخري في الولايات المتحدة، في ظل التكنولوجيا الحالية، ربما يصل إلى ذروته في عام 2017. ثم يبدأ في الانخفاض سريعا إلا إذا حدث إنجاز تكنولوجي جديد. السبب وراء هذا التوقع القوي هو أن منحنيات الانخفاض في آبار النفط الصخري تتسم بالحدة. ومن المتوقع أن تصل إلى ما بين 81 - 90 في المائة في 24 شهرا الأولى من الإنتاج. يعني ذلك أنه يجب حفر آبار جديدة باهظة التكلفة باستمرار للحفاظ على معدل الإنتاج الحالي. توصلت الدراسة إلى أنه من الممكن القول في هذه المرحلة إن النفط الصخري لا يملك على المدى البعيد تأثيرا عكسيا على المملكة العربية السعودية. وقد أضيف إلى ذلك، ربما يكون له عدد من التأثيرات الإيجابية، نظرا لأنه يضع حدا أدنى لأسعار النفط، ويزيد من فترة الاعتماد على النفط. هناك احتمالات نفطية أخرى، ربما تتحدى الريادة السعودية. من بينها الآبار البحرية العميقة، والنفط الرملي من كندا الذي ساهم بنسبة 14 في المائة من ورادات الولايات المتحدة في عام 2013. والنفط الثقيل.

أما بالنسبة للغاز، فربما يختلف الأمر. من المتوقع أن ترتفع إمدادات الغاز بنسبة نحو 65 في المائة فيما بين عامي 2010 و2040. ومن المتوقع أن تشكل إمدادات الغاز غير التقليدي نحو نصف هذه الزيادة. جدير بالذكر أن الغاز المصاحب، الذي يمثل 20 في المائة من تلك الزيادة، يشهد انخفاضا سريعا، إذ تصل النسبة ما بين 79 و95 في المائة بعد 36 شهرا من الإنتاج، مما يعني وجوب استبدال 50 في المائة من القدرة الإنتاجية سنويا. ويجب أن يتم ذلك في ظل أسعار منخفضة للغاية. ولكن الأسعار بدأت بالفعل في الارتفاع. أما عن التأثير على صناعة البتروكيماويات الأميركية، فمن المتوقع أن تحقق استفادة كبيرة من زيادة إنتاج الغاز الزهيد. وسوف يتم الحصول على قدرات جديدة كبيرة في الولايات المتحدة، مما سيحد من ربحية صناعة البتروكيماويات السعودية، وربما يحث بعضا من الشركات على دراسة التوسع في عملياتها في الولايات المتحدة للاستفادة من وفرة الغاز وسعره الزهيد.

* خبير اقتصادي سعودي