هولاند يضغط على أوباما بشأن بنك «بي إن بي باريبا»

أكبر مصرف فرنسي يواجه غرامة أميركية بعشرة مليارات دولار

TT

لن تكون أوكرانيا والوضع في سوريا والأزمات الأخرى في العالم وحدها على جدول المحادثات بين الرئيسين الفرنسي والأميركي مساء اليوم في أحد المطاعم الباريسية المعروفة، بمناسبة مجيء باراك أوباما إلى فرنسا للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء بقيادة الجنرال أيزنهاور على شواطئ منطقة نورماندي عام 1944. فثمة موضوع «مزعج» سيفرض نفسه على الرئيسين. ولم تخف المصادر الرئاسية الفرنسية، أول من أمس، أن فرنسوا هولاند «سيثيره» مع ضيفه لأنه يتناول إحدى أهم ركائز النظام المصرفي والمالي الفرنسي، والمتمثل في عزم السلطات القضائية والمالية الأميركية فرض غرامة تصل إلى عشرة مليارات دولار على بنك «بي إن بي باريبا» لمخالفته قوانين الحظر الأميركي على التعامل مع إيران والسودان وكوبا بين عامي 2001 و2009.

المخاوف الفرنسية الرسمية والمصرفية تنبع من كون المصرف المذكور هو أكبر المصارف الفرنسية قاطبة والأكثر ربحية والأشد صلابة، وبالتالي فإنه الركن الأهم في النظام المصرفي الفرنسي الذي لم يتخط بعد كل عثراته، ومنها الخسارة الكبيرة التي ألمت ببنك «سوسيتيه جنرال» بسبب تعاملات ومضاربات جيروم كيرفيل التي كلفت البنك المذكور 4.8 مليار يورو من الخسائر.

غرامة العشرة مليارات جاءت في خبر لصحيفة «وول ستريت جورنال». لكنه لم يؤكد بشكل رسمي لا فرنسيا ولا أميركيا. وسلطات البنك تؤكد أنها ما زالت على «تواصل» مع السلطات المصرفية والقضائية الأميركية التابعة لولاية نيويورك للتفاوض على قيمة الغرامة، أي لمحاولة خفضها. ويحظى البنك بدعم الدولة الفرنسية بأعلى هيئاتها، إذ إن وزير الخارجية اعتبر الغرامة «مبالغا فيها». وقال لوران فابيوس «إنه من الطبيعي أن تكون هناك غرامة إذا ارتكب خطأ، لكن العقوبة يتعين أن تكون عادلة ومتناسبة (مع نوعية الخطأ). لكن الأرقام المتداولة لا تشير إلى أنها منصفة». وذهب فابيوس إلى حد التلميح بعرقلة اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي إذا نفذ الجانب الأميركي تهديده.

أما وزير الاقتصاد ميشال سابان فقد أعلن أن باريس «مستعدة لحماية مصالحها الأساسية بشدة» أي سلامة وصلابة النظام المصرفي، حيث يحتل البنك المذكور المرتبة الأولى على صعيد القيمة السوقية. وأضاف سابان في تصريح لصحيفة «لي زيكو» الاقتصادية أن الحكومة «لا تدافع عن مصرف اعترف بارتكابه مخالفات، لكنها تدافع عن استقرار النظام المصرفي الفرنسي وللتأكد من قدرته على الاستمرار في تمويل الاقتصاد بشكل سليم».

لكل هذه الأسباب، فإن اجتماع هولاند - أوباما سيكون له تأثير كبير على مصير الملف، رغم أن قرار التغريم سيتخذ في نيويورك وليس في واشنطن، مما يعني محدودية قدرة التدخل لدى الرئيس أوباما.

الحقيقة كما ينظر إليها في باريس هي أن الطرف الأميركي يريد أن يجعل من حالة «بي إن بي باريبا» مثالا رادعا لمن تسول له نفسه مخالفة القوانين الأميركية. والحال أن البنك الفرنسي لم يرتكب خطأ على الأراضي الأميركية، بل تكمن غلطته في أنه استخدم الدولار الأميركي في معاملاته المالية مع البلدان الثلاثة الخاضعة لعقوبات اتحادية أميركية وبالتالي يحق للسلطات الأميركية معاقبتها. وحالة البنك الفرنسي قريبة من حالة بنك «إتش إس بي سي» وبنك «ستاندرد تشارترد». الأول اضطر لدفع 1.9 مليار دولار لأنه التف على العقوبات المفروضة على إيران، كما أنه قام بتبييض أموال لكارتل المخدرات المكسيكية على الأراضي الأميركية. أما الثاني، فقد غرم مبلغ 670 مليون دولار لتعامله مع إيران. وفي الحالتين، تبدو الغرامة المخطط لفرضها على البنك الفرنسي لا تقاس بسابقتيها.

إدارة «بي إن بي باريبا» كانت احتاطت للمسألة في ميزانيتها لعام 2014، إذ رصدت للغرامة مبلغ 1.1 مليار دولار. لكن إذا اضطرت لدفع كامل قيمة الغرامة التي تساوي قيمة أرباح عام كامل من التعاملات، فإنها ستجد نفسها في وضع صعب لجهة قيمة الموجودات الخاصة وقدرتها على الاستمرار في توفير القروض إن للشركات والأفراد بسبب القواعد المصرفية الواجب احترامها أو للمساهمة في تمويل الاقتصاد الفرنسي. أما إذا اختار البنك المذكور رفض التعاون ورفض الدفع فإنه سيخسر رخصته الأميركية كما سيخسر قدراته على التعاطي مع صناديق الاستيداع الأميركية.

وفي كل الحالات، فإن أسهم البنك ستتدحرج، وهي بدأت في ذلك منذ الأسبوع الماضي. وتفيد توقعاته بأن أرباحه للعام الحالي يمكن أن تصل إلى 6 مليارات يورو، وبالتالي سيعاني عجزا يزيد على المليار يورو، مما يعني حرمان المساهمين من عائدات الأسهم التي يحملونها وتراجع سمعة وترتيب المصرف. هذه الأسباب تبرر مخاوف السلطات الفرنسية التي تقلق لانعكاسات معضلة «بي إن بي باريبا» على مجمل الحالة الاقتصادية، وستغرس شوكة إضافية في قدم الحكومة التي لا تحتاج لصعوبات إضافية بالنظر لما تواجهه من مصاعب في مواضيع العجز والبطالة وارتفاع الضرائب وكلها عوامل تؤثر على شعبية الرئيس الفرنسي وشعبية حكومته.