أميركا: دراسة تؤكد نمو الاقتصاد بشكل أسرع في ظل الرؤساء الديمقراطيين

امتدت على مدى 64 عاما وشملت 16 ولاية رئاسية

TT

في ورقة بحثية جديدة «مستفِزة» أعدها الاقتصاديان ألان بليندر ومارك واتسون؛ درسا بنحو دقيق أداء الاقتصاد في عهد الرؤساء منذ الأربعينات، وكانت تدور تساؤلاتهم الرئيسة حول: رؤساء أي حزب حققوا أداء اقتصاديا أفضل؟ ولماذا؟

واللافت أن جوابهم عن السؤال الأول كان واضحا، وهو أن الاقتصاد الأميركي ينمو سريعا، ويحقق تقدما يفوق كثيرا مقاييس الاقتصاد الكلي الأخرى، عندما يكون رئيس الولايات المتحدة ينتمي إلى الحزب الديمقراطي وليس الجمهوري.

لقد نظر الباحثان إلى متوسط متغيرات الاقتصاد الكلي الرئيسة على مدى 64 عاما (أي ما يصل إلى 16 ولاية لمدة أربع سنوات) في الفترة التي تمتد من عهد الرئيس هاري ترومان وصولا إلى الرئيس أوباما. وفي الغالب ركز كل من السيد بليندر والسيد واتسون على الفارق السنوي بنسبة 1.8 في المائة في النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، وكان هذا - على مدار الدراسة كاملة - هو النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، الذي يبلغ متوسطه 3.33 في المائة سنويا. وفي حين أنه في ظل الرؤساء الديمقراطيين حقق الاقتصاد نموا بنسبة 4.35 في المائة، فإنه حقق نموا بنسبة 2.54 في المائة في ظل الجمهوريين.

شهد الاقتصاد أيضا في عهد الرؤساء الديمقراطيين، حالة ركود في عدة أرباع سنوية؛ حيث زادت المهام وزادت ساعات العمل، كما حقق الاقتصاد أيضا انخفاضا كبيرا في معدل البطالة، وحققت الشركات أرباحا أعلى، مقارنة بنظرائهم من الجمهوريين. وكانت عائدات سوق الأسهم أعلى بكثير في عهد الديمقراطيين أيضا، ولكن نظرا لأن أسواق الأسهم كانت متقلبة للغاية، فلم يكن الفارق كبيرا من الناحية الإحصائية.

يذكر أنه منذ مارس (آذار) 2009، وصل مؤشر «ستاندارد آند بورز» لقياس أسعار الأسهم، إلى ما نسبته إلى 160 في المائة.

وعندما أضفت إلى ذلك المتغير الخاص بي، ورغم كونه متغيرا سنويا فقط، فلم أستطع مطابقة التواريخ مع مدد ولايات الرؤساء وكذلك مطابقتها مع ما توصل إليه السيد بليندر والسيد واتسون؛ فمنذ عام 1947، نما متوسط دخل الأسرة الحقيقي بنسبة 1.6 في المائة في عهد الرؤساء الذين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، بينما وصلت النسبة إلى 1.1 أثناء فترة ولاية الرؤساء المنتمين إلى الحزب الجمهوري (لم يكن الفارق كبيرا).

تعد هذه النتائج جديرة بالملاحظة، ومن شأنها أن تثير التساؤل الذي بذل فيه كلا الباحثين جهدا كبيرا في ورقتهما البحثية وهو: ما الذي يفسر هذه الفوارق؟

لقد بدآ بحثهما بطريقة معقولة من خلال عرض بعض التفسيرات المنطقية التي أخفقت في تفسير سبب هذا الفارق. لا يرث الرؤساء الديمقراطيون الاقتصادات الأفضل، بل على النقيض من ذلك، إنهم يرثون الاقتصادات الأسوأ، على الأقل من خلال مقياس النمو في الناتج المحلي الإجمالي. كما أخفق الكونغرس أو المجلس الاتحادي الاحتياطي في تفسير سبب تلك الفجوة. وينطبق الأمر ذاته على الميزانية والسياسة الضريبية. لم يكن السبب في ذلك أن الديمقراطيين أنعشوا الاقتصاد من خلال الإنفاق بالعجز (الإنفاق على المديونية)؛ فالعجز في الميزانية المعدلة دوريا كان في الواقع أقل في عهد الديمقراطيين.

وقد ازداد الإنفاق العسكري بشكل أكبر في ظل الإدارات الأميركية التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، مقارنة بالجمهوري (تذكر الرئيس ترومان في كوريا وويندون جونسون في فيتنام)، ولكن توصل السيد بليندر والسيد واتسون إلى أن مثل هذا الإنفاق يمثل نسبة ضئيلة جدا من الناتج المحلي الإجمالي ليفسر الكثير (وهذا الأمر صحيح، فقد انغمس رونالد ريغان في «الكينزية العسكرية»، بينما حدث في عهد آيزنهاور انخفاض شديد في «المجمع الصناعي العسكري»).

وبدلا من ذلك، وجد كل منهما أنه يمكن أن يعزو نصف هذا الفارق السنوي بنسبة 1.8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، إلى الفوارق في نمو الإنتاجية، والأزمات النفطية المتزامنة، والأوضاع الدولية الأفضل، وثقة المستهلكين الأكثر تفاؤلا (قليلا).

والآن، قد تتساءل ما علاقة ذلك بالزهور في حديقة زوجتي. تكمن العلاقة في الآتي: نظرا لأنني لم أستطع أن أحظى بالثناء على زهور لم أقم بزراعتها، فإن الرؤساء الديمقراطيين لا يمكنهم أن يحظوا بالثناء، بشكل شرعي، جراء تلك العوامل؛ فالإنتاجية والأزمات النفطية والأوضاع العالمية الأفضل، من الأفضل إدراجها تحت كلمة «الحظ».

وبالطبع، هذا الأمر من الممكن أن يخضع للنقاش، فمن الممكن تأليف روايات عن كيفية تأثير الرؤساء على هذه المتغيرات، ولا سيما ثقة المستهلكين (رغم أنني دائما ما أرى أن الحالة المزاجية للمستهلكين ترتبط بأسعار البنزين، ولذا قد تتعلق بأسعار النفط). ويمكنني القيام بذلك بسهولة: فقد انخرط جورج دبليو بوش في صراعات كبيرة أثرت بدورها على الإمدادات النفطية، بينما قام أوباما بالتقليل من الصراعات، وأشرف - على الأقل - على التطور الواسع لإنتاج الطاقة المحلية.

وكما هو مألوف، فالرؤساء أنفسهم سيطالبون دائما بتوجيه الثناء لهم بسبب أي عمل جيد حدث أثناء إدارتهم.

ولكن مثلما قد يكون من الصعب حدوث ذلك في مثل هذه الأوقات المتحيزة، فلا أود معارضة ذلك. في الواقع، عند تحليل البيانات - التي أجريت بموجبها الآلاف من الجداول والرسوم البيانية التي توضح التغييرات بمرور الوقت - لا أتذكر قيام أحد بمقارنة الفترات الرئاسية، وذلك لأنهم غارقون في دورة الأعمال؛ أي الطفرات والإخفاقات التي تعد أكثر وضوحا الآن والتي تعد المحرك للاقتصاد.

وبالتأكيد، تتضمن المواضيع الرئيسة في الأعمال الخاصة بي أن السياسة المالية التوسعية تحتل أهمية كبيرة في استجابة لحالات الركود، كما أن الاستثمار في البضائع العامة له تأثير إيجابي وطويل الأمد على الإنتاجية والنمو. ولكن تحديد مثل تلك الفوارق بين الرؤساء يعد أمرا مستحيلا، كما أنه من الناحية التاريخية نجد أن كلا من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء فعلوا الكثير سواء فيما يتعلق بالسياسة المالية التوسعية أو الاستثمار في البضائع العامة. ولم يكن تأثير التصرفات المتخذة من جانبهم على الاقتصاد أمرا يسيرا؛ فاستثمارات «الطريق السريع» التي أجراها آيزنهاور لا يمكن أن تساهم بالتأكيد في زيادة الإنتاجية التي كانت في عهد كيندي.

ولذا، ما الذين يتعين القيام به؟

أولا: حقيقة أن نصف هذه الفجوة لا يزال غير مبرر تعني أن السؤل لا يزال مطروحا إلى حد كبير؟ لا يزال هناك الكثير من الفروق التي تحتاج إلى تفسير.

ثانيا: في حين أنه ربما لا توجد إجابة مقنعة عن هذا السؤال على مدار التاريخ، فقد يمكن التوصل لإجابة على المدى القريب؛ فالحقيقة أن السياسة المالية السيئة - من خلال الخفض الكبير للعجز بينما لا يزال الاقتصاد ضعيفا - ألحقت الضرر بحالة الانتعاش الحالية، وهو أمر مهم ويمكن معرفته. ورغم ذلك، فإن حالة من الغموض تسود أيضا؛ فحالة التقشف الأخيرة هي في الغالب من عمل الجمهوريين، ولكن لجأ الرئيس أيضا في بعض الأحيان إلى هذه الفكرة.

وفي النهاية، يتضح تماما أن الاقتصادات المتقدمة والمعقدة تحتاج إلى حكومات فيدرالية تعمل بكفاءة، ويمكنها إجراء تشخيص ووصف دقيق للأوضاع؛ إنها بحاجة إلى حكومات يمكنها استيعاب المعلومات الواقعية والتعامل مع ما تواجهه من تهديدات وما لديها من فرص. هناك حاجة لوجود مثل تلك الحكومات بغض عن النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس ديمقراطيا كان أم جمهوريا، كما أن حقيقة أننا ليس لدينا مثل هذه الحكومة الفيدرالية في الوقت الراهن تشكل - بلا شك - أمرا مهمّا للغاية وتثير القلق بشكل كبير.

* خدمة «نيويورك تايمز»