أسعار النفط ترتفع مع إصرار النعيمي على حصة «أوبك» السوقية

وزير البترول: الأقتصادي السعودي قادر على تحمل تذبذبات مؤقته في أسعار النفط

علي النعيمي خلال الأجتماع الأخير لأوبك (رويترز)
TT

وزيران من جهة واحدة يقولان تصريحات مشابهة في الأسبوع نفسه، ولكن السوق ترتفع مع أحدهما، وتنخفض مع الآخر، وهذا دليل على مدى الاضطراب الذي تعيشه السوق.

هذا ما حدث الأسبوع الحالي عندما انخفض سعر النفط بشدة ليصل «غرب تكساس» إلى ما تحت 55 دولارا، و«برنت» تحت 60 دولارا، عقب تصريحات وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي الأحد الماضي بأن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لن تتنازل عن حصتها السوقية وتخفض إنتاجها لتدعم الأسعار.

وارتفع نفط «برنت» نحو دولارين تقريبا أمس في بداية جلسات التداول ليصل إلى 63.5 دولار للبرميل رغم تصريحات وزير البترول السعودي علي النعيمي القوية التي قال فيها: «في وضع مثل هذا، فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، قيام المملكة أو (أوبك) بأي إجراء قد ينجم عنه تخفيض حصتها في السوق وزيادة حصص الآخرين في وقت يصعب فيه السيطرة على الأسعار، فنخسر السوق ونخسر الأسعار معا».

ولا تزال السوق متخبطة؛ إذ إن «برنت» عاود الهبوط مع اقتراب نهاية جلسات التداول في لندن ليرجع تحت 61 دولارا ويتذبذب عند هذا المستوى. ولا يزال هناك اعتراض كبير من كثير من المتعاملين في السوق بأن هبوط الأسعار إلى مستويات 60 دولارا ليس بالأمر المقبول، لأن المخاطر الجيوسياسية مع ليبيا ما زالت قائمة بعد هبوط إنتاجها بنحو 500 ألف برميل يوميا في أسبوع واحد بعد المواجهات بين الحكومتين المتصارعتين هناك على الحقول والموانئ النفطية.

وكان النعيمي يعي جيدا أن السوق مضطربة وأن التذبذب الحاد في الأسعار لا علاقة له بأساسيات العرض والطلب، عندما قال أمس في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية: «يجب ألا ننسى الدور السلبي الذي يقوم به المضاربون في السوق البترولية الدولية، حيث يدفعون الأسعار إلى هذا الاتجاه أو ذاك، لتحقيق عوائد مالية، مما أسهم في تذبذب الأسعار بشكل حاد».

ومنذ يونيو (حزيران) الماضي تراجع خام القياس العالمي «مزيج برنت» من نحو 115 دولارا للبرميل ليقترب من 60 دولارا، وهو ما يشكل ضغطا على المالية العامة لمصدري الطاقة حول العالم. وكان «برنت» قد بدأ في التعافي قليلا أمس من أدنى مستوياته في 5 سنوات التي بلغها هذا الأسبوع، حيث أجبر هبوط أسعار النفط على مدى 6 أشهر مزيدا من شركات الطاقة على تقليص استثماراتها في زيادة الإنتاج.

* حالة مؤقتة وعابرة

* وقد يكون النعيمي محقا في ما يتعلق بتذبذب الأسعار الحاد الذي شهدته السوق أخيرا، لكن هل لديه تفسير حيال الأسباب التي جعلتها تهبط في الأساس؟

وعزا النعيمي انخفاض أسعار الخام إلى «تضافر عدة عوامل في وقت واحد» من بينها تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وزيادة الإمدادات البترولية من عدة مناطق، لا سيما تلك ذات التكلفة العالية من خارج دول منظمة «أوبك»، في وقت يتباطأ فيه نمو الطلب العالمي على البترول بشكل أكبر مما كان متوقعا.

وأجاب النعيمي في تصريحاته على سؤال آخر يشغل بال الجميع سواء من المواطنين في بلاده أو في باقي الخليج أو حتى المستثمرين والمسؤولين في شركات البترول العالمية، وهو: هل ستبقى الأسعار منخفضة فترة طويلة أم إن هناك بصيص أمل في أن تعود للارتفاع؟ بأن هبوط أسعار النفط «حالة مؤقتة وعابرة» وأن من الصعب أن تأخذ المملكة أو «أوبك» أي إجراء قد ينجم عنه تخفيض حصتها في السوق وزيادة حصص الآخرين.

وأضاف النعيمي أنه متفائل بشأن مستقبل سوق النفط وأن بإمكان الاقتصاد والصناعة السعودية تحمل تذبذبات مؤقتة للنفط وأن السعودية ماضية في سياستها المتوازنة بشكل راسخ وقوي.

وقال النعيمي: «إنني متفائل بالمستقبل، فما نواجهه الآن ويواجهه العالم يعتبر حالة مؤقتة وعابرة، فالاقتصاد العالمي، وبالذات اقتصادات الدول الناشئة، سيعاود النمو باضطراد، ومن ثم يعود الطلب على البترول للنمو هو الآخر».

* لا دوافع سياسية

* وكان النعيمي قد عارض بشدة في اجتماع «أوبك» الشهر الماضي أن تقوم دول «أوبك» بتخفيض إنتاجها من أجل الحفاظ على حصتها السوقية أمام التوسع الكبير في الإنتاج من خارج المنظمة، خاصة من الولايات المتحدة، حيث ساهم النفط الصخري في رفع الإنتاج الأميركي بنحو 3.5 مليون برميل بين عامي 2011 و2014 ليصل إجمالي إنتاجها من النفط الخام إلى 9.1 مليون برميل وتقترب بذلك من تجاوز إنتاج السعودية.

وبسبب معارضته خفض إنتاج «أوبك»، وهو مما أدى إلى هبوط الأسعار 20 في المائة عقب الاجتماع، واجه النعيمي والسعودية اتهامات من جهات كثيرة بأن القرار كان هدفه الأساسي سياسيا بهدف ضرب الاقتصادين الروسي والإيراني.. إلا أن النعيمي أكد أن المعلومات والتحليلات غير الصحيحة، التي يتم تداولها بين الحين والآخر، «مثل ربط القرارات البترولية بأهداف سياسية، هذه التحليلات الخاطئة سوف تنكشف بلا شك، ويتضح خطؤها، مما يساعد على عودة التوازن إلى السوق».

ولا يزال الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يلمحون في تصريحاتهم أخيرا أن هبوط أسعار النفط أمر سياسي بالكامل.

وانضم إليهم أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال في مؤتمر صحافي مطول استغرق 3 ساعات ونصف مع وسائل الإعلام الروسية والعالمية أنه شخصيا لا يستبعد أن تكون السعودية والولايات المتحدة «متواطئتين» لتخفيض أسعار النفط.

ولا يوجد عند بوتين تصور واضح حيال الهبوط؛ إذ إنه لم يستبعد أمس أيضا أن يكون الهبوط نتيجة لحرب على الحصة السوقية بين منتجي النفط التقليديين، ومنتجي النفط الصخري. وقال بوتين إن عليهم تجهيز الاقتصاد الروسي وتنويعه أكثر لتقبل سيناريو وصول الأسعار إلى 40 دولارا «حيث لا يعلم أحد إلى أي مدى ستهبط».

وأوضح النعيمي بالتحديد ما يحصل في السوق من صراع بين المنتجين، قائلا: «حصة (أوبك) وكذلك المملكة العربية السعودية في السوق العالمية، لم تتغير منذ عدة سنوات، وهي في حدود 30 مليون برميل يوميا لـ(أوبك)؛ منها نحو 9.6 مليون برميل يوميا إنتاج المملكة، بينما يزداد إنتاج الآخرين من خارج (أوبك) باستمرار».

وأضاف: «في وضع مثل هذا، فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، قيام المملكة أو (أوبك) بأي إجراء قد ينجم عنه تخفيض حصتها في السوق وزيادة حصص الآخرين، في وقت يصعب فيه السيطرة على الأسعار فنخسر السوق ونخسر الأسعار معا».

وقال الوزير دون الخوض في تفاصيل إن دول «أوبك» سعت خلال الشهر الماضي من أجل تعاون دول منتجة أخرى خارج المنظمة لكن هذه المساعي لم تكلل بالنجاح.

* الاقتصاد السعودي في مأمن

* وأكد النعيمي في تصريحاته أمس على أنه بإمكان اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم تحمل تذبذب الأسعار، وقال: «الاقتصاد والصناعة السعودية قادرة على تحمل تذبذبات مؤقتة في دخل المملكة من البترول، خصوصا أن تذبذب الأسعار في أسواق السلع ومن ضمنها البترول، هو أمر طبيعي». وتابع: «المملكة ماضية في سياستها المتوازنة بشكل راسخ وقوي، معتمدة على قيادة حكيمة واقتصاد متين وصناعة بترولية عالمية قوية».

كان وزير المالية إبراهيم العساف قال في تصريحات يوم الأربعاء الماضي إن الحكومة ستواصل في 2015 اتباع سياسة مالية تسير عكس الدورات الاقتصادية رغم تحديات الاقتصاد العالمي. وأضاف العساف أن الحكومة ستواصل الإنفاق على مشاريع تنموية ضخمة والبرامج التنموية، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

وقال النعيمي: «أحب أن أشير إلى أن المملكة لديها اقتصاد متين، وسمعة عالمية ممتازة، وصناعة بترولية متطورة، وعملاء يصل عددهم إلى نحو 80 شركة، في غالبية دول العالم، واحتياطيات مالية ضخمة».

وأضاف: «كما أن المملكة قامت بمشاريع ضخمة في البنية التحتية، وبتطوير الصناعات البترولية، والتعدينية، والبتروكيمائية.. وغيرها، بشكل متين، خلال السنوات العشر الماضية».