تحول تاريخي.. الأسهم السعودية «طلبات بلا عروض»

تراجعات حادة قادت المؤشر العام لخسائر تبلغ نسبتها 37 %

TT

في تحول تاريخي، تحولت سوق الأسهم السعودية من ارتفاع حجم الشركات المعروضة على النسبة الدنيا دون طلبات تذكر، كما حدث يومي الأحد والاثنين الماضيين، إلى شركات مطلوبة على النسبة القصوى دون عروض، كما حدث يوم أمس الخميس، مما يعكس أن مستويات الثقة في تعاملات السوق بدأت في العودة من جديد، عقب تصريحات وزيري المالية والبترول.

ومنذ الثواني الأولى لتعاملات سوق الأسهم السعودية يوم أمس الخميس، افتتح مؤشر السوق على ارتفاع يبلغ حجمه نحو 450 نقطة، قبل أن ينجح المؤشر في زيادة مكاسبه إلى 681 نقطة في الدقائق الأخيرة من التعاملات، وسط ارتفاع نحو 150 شركة بالنسبة القصوى من الارتفاع، أو بمكاسب تجاوزت الـ8 في المائة.

وتصدر سهم شركة «سابك» مشهد الشركات المطلوبة على النسبة القصوى من الارتفاع عند 10 في المائة دون أي عروض تذكر، بعد مرور أقل من ساعتين على بدء التداولات، وسط ارتفاع كبير شهده المؤشر العام للسوق، الذي بلغت نسبته نحو 8.9 في المائة.

وأرجع مختصون خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أمس، ارتفاع مؤشر سوق الأسهم السعودية بحدة، يوم أمس، إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أهمها التصريحات المطمئنة التي أدلى بها وزيرا المالية والبترول، إضافة إلى تحسن أسعار النفط خلال اليومين الماضيين بصورة ملحوظة، ووصول المكررات الربحية للسوق السعودية مع افتتاح تعاملات الثلاثاء الماضي إلى مستويات «جاذبة» للمستثمرين.

وعطفا على هذه التطورات، أغلق مؤشر سوق الأسهم السعودية مع ختام تعاملاته الأسبوعية يوم أمس الخميس عند مستويات 8320 نقطة، وسط ارتفاع معظم أسهم الشركات المتداولة بالنسبة القصوى عند 10 في المائة، فيما أغلقت نحو 80 شركة مدرجة على «طلبات دون عروض». وقلصت الارتفاعات القوية التي حققها سوق الأسهم السعودية أمس نحو 7.8 في المائة من خسائره التي مني بها خلال الأسبوع الحالي، حيث شهدت تعاملات السوق منذ يوم الأحد الماضي تراجعات حادة للغاية، وهي التراجعات التي تزيد حدتها على تراجعات السوق في الأسبوعين الماضيين.

وأمام هذه التطورات، يأمل المستثمرون في السوق السعودية أن تنجح الشركات المدرجة في تحقيق مستويات ربحية تشغيلية مقنعة للربع الأخير من العام الحالي، حيث ستبدأ الشركات عقب نحو 13 يوما في الإعلان عن النتائج المالية للربع الأخير من هذا العام، وهي نتائج الربع الأخير للعام الحالي.

وفي السياق ذاته، قفزت السيولة النقدية المتداولة في سوق الأسهم السعودية يوم أمس الخميس إلى مستويات 11.2 مليار ريال (2.98 مليار دولار)، وهي نسبة ترتفع بمقدار 42 في المائة عن متوسط السيولة النقدية المتداولة في الأيام الأولى من تعاملات هذا الأسبوع، مما يدل على وجود أوامر شراء جديدة حاولت اقتناص الفرص الجاذبة في السوق السعودية.

وتعليقا على هذه التطورات، أكد فهد المشاري، الخبير الاقتصادي والمالي، لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس، أن التصريحات المطمئنة لوزيري المالية والنفط السعوديين كان لها دور بارز في إعادة جزء من الثقة إلى نفوس المستثمرين في سوق الأسهم السعودية. وقال المشاري خلال حديثه «تعاملات السوق مرت بأيام صعبة في الفترة الأخيرة، فقد خلالها المؤشر العام نحو 37 في المائة من أعلى قمة حققها، الآن السوق تقلص جزءا من خسائرها، وأتمنى أن تواصل خلال تعاملات الأسبوع المقبل هذه الإيجابية التي بدأت عليها».

ولفت المشاري في الوقت ذاته إلى أن ارتفاع خام برنت فوق مستويات 60 دولارا مجددا عزز من فرصة انتعاش أسهم شركات البتروكيماويات السعودية، مضيفا «كما أن إعلان شركة (سابك) أول من أمس عن توزيع أرباح نقدية مجزية، دليل واضح على أن الاستثمار في السوق المالية السعودية بات جيدا بعد انخفاض القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة بصورة حادة للغاية خلال فترة وجيزة».

من جهة أخرى، توقع الدكتور غانم السليم، الخبير الاقتصادي والمالي، أن يستقر مؤشر السوق السعودية بين مستويات 8 و9 آلاف نقطة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، في حال استقرار أسعار النفط هي الأخرى. وقال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس «عقب صدور نتائج الشركات ستكون هنالك تغيرات في مراكز المستثمرين، وأعتقد أننا سنشهد نموا في نتائج معظم الشركات المدرجة».

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أكد فيه الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، وزير المالية السعودي، أن الوزارة أنهت إعداد ميزانية الدولة للعام المالي المقبل، وقال «عُرضت الميزانية على المجلس الاقتصادي الأعلى تمهيدا لعرضها على مجلس الوزراء في القريب العاجل». وأضاف العساف خلال تصريح له أول من أمس «على الرغم من أن الميزانية أُعدت في ظل ظروف اقتصادية ومالية دولية تتسم بالتحدي، فإن السعودية ومنذ سنوات طويلة اتبعت سياسة مالية واضحة تسير عكس الدورات الاقتصادية، بحيث يستفاد من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة في بناء احتياطيات مالية وتخفيض الدين العام، مما يعطي عمقا وخطوط دفاع يستفاد منها وقت الحاجة، وقد نُفّذت هذه السياسة بنجاح كبير عندما تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008 وما تبعها من انخفاض كبير في الإيرادات في عام 2009، حيث كانت المملكة حينها من أقل الدول تأثرا بتلك الأزمة».

وأوضح وزير المالية السعودي أن هذه السياسة ستستمر في الميزانية المقبلة وما بعدها، مما سيمكّن الحكومة من الاستمرار في تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة والإنفاق على البرامج التنموية، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى تغطية الاحتياجات الأمنية والعسكرية، متوقعا تحقيق نمو اقتصادي إيجابي نتيجة لهذا الإنفاق والدور الحيوي للقطاع الخاص السعودي.

وتأتي هذه المستجدات في وقت تعتبر فيه ميزانية السعودية لعام 2014 أضخم ميزانية يجري اعتمادها على الإطلاق في البلاد، وذلك بنحو 855 مليار ريال (228 مليار دولار) إيرادات، والمبلغ ذاته جرى اعتماده مصروفات (أعلى معدلات إنفاق يجري اعتمادها)؛ إذ قدّرت البلاد متوسطات أسعار النفط لعام 2014 عند مستويات 85 دولارا للبرميل، بمتوسط إنتاج يومي يراوح بين 9 ملايين و9.7 مليون برميل يوميا، وهي في نهاية المطاف أرقام قريبة من ميزانية الدولة للعام الماضي (2013)، التي أظهرت في نهاية المطاف فوائض مالية محققة بلغت نحو 206 مليارات ريال (549 مليون دولار).