بوادر توتر في علاقة الحكومة مع رجال الأعمال في مصر

اتهامات متبادلة بين الطرفين تنذر بترشيد «الامتيازات الحكومية» للمستثمرين

TT

ظهرت بوادر قوية على الساحة الاقتصادية في مصر خلال الأيام الأخيرة تنذر بتوتر العلاقات بين الحكومة ورجال الاعمال بعد حالة الانسجام التي استمرت 9 سنوات منذ بدء برنامج الاصلاح الاقتصادي عام 1991.

ومن دلالات هذا التوتر الانتقادات التي وجهها الاجتماع الطارئ الذي عقدته جمعية «مستثمري 6 اكتوبر» الصناعية واتهام نحو 200 مستثمر من اعضاء الجمعية الحكومة بالتراجع عن تعهداتها للمستثمرين، ودللوا على ذلك بتشدد البنوك الوطنية في اجراءات منح القروض للمستثمرين وتهديدها للبعض الآخر باقامة دعاوى جنائية ضد المتوقفين عن السداد في المواعيد المحددة، وقال د. هاني سرور رئيس جمعية «مستثمري 6 اكتوبر» ان الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة تعمدت التباطؤ في فحص طلبات رجال الاعمال الراغبين في الحصول على قروض من البنوك الوطنية بعد تردد اشاعات في الوسط المصرفي عن هروب الكثير من رجال الاعمال، أخرهم رامي لكح المدين بأكثر من مليار جنيه لبعض البنوك المصرية، والذي لم تحسم قضيته بعد حسب مصادر البنك المركزي المصري.

ورفض سرور تعميم لفظة «محتالين» على رجال الاعمال، وقال ان منهم «الصالح والطالح» كعادة كل المجتمعات، وشن هجوما عنيفا على وزير الاقتصاد المصري د. يوسف بطرس غالي بسبب رفضه عقد لقاء عاجل مع المستثمرين لحل مشاكلهم الاستثمارية. وكان غالي قد نفى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» ان يكون تعمد عدم لقاء المستثمرين وأعلن ترحيبه باللقاء في أقرب فرصة ممكنة، مشيرا الى تمسك الدولة بالقطاع الخاص كشريك أساسي في عملية التنمية الاقتصادية، كما بادر د.عاطف عبيد رئيس الوزراء أول من أمس بعقد اجتماع عاجل مع بعض رجال الاعمال لمعرفة «تحفظات» بعض المستثمرين على توجهات الحكومة نحو دعم المناخ الملائم لجذب الاستثمارات.

وتكشف القراءة المتأنية لعلاقة الحكومة برجال الاعمال في السنوات الأخيرة عن اظهار الحكومات المتعاقبة بدءا من حكومة عاطف صدقي ثم حكومة كمال الجنزوري وأخيرا حكومة عاطف عبيد الحالية نيات مخلصة لتفعيل أكبر لدور رجال الاعمال، واقتنعت الحكومة منذ بدء برنامج الاصلاح الاقتصادي بأهمية توزيع الادوار بينها وبين القطاع الخاص وتعميق مشاركة المستثمرين في العملية التنموية ولتتفرغ الحكومة لمهام اشمل على المستوى الاستراتيجي بما يوفر التكامل والتناغم لتحقيق الاهداف الاقتصادية للدولة.

ويرجع التوتر بين الطرفين الى رغبة المستثمرين في زيادة معدلات الاعفاءات الضريبية والجمركية للمشروعات الاستثمارية والتصديرية، وقد راعت الدولة الموازنة بين طرفي «المعادلة الصعبة»، وهي توفير مناخ ملائم وجاذب للاستثمارات من خلال اعفاءات ضريبية وجمركية ومتنوعة في مقابل تحقيق موارد سيادية للدولة من خلال الضرائب الرسوم المفروضة على النشاط الاستثماري لتغطية النفقات العامة للدولة، وقد أدت هذه المعادلة في نجاح الاقتصاد المصري الى حد كبير في ضبط عجز الموازنة عند 1 في المائة من اجمالي الناتج المحلي وخفض معدل التضخم الى 5.5 في المائة تقريبا وكذلك انخفاض الديون المحلية والخارجية بنسبة تصل الى 50 في المائة.

وحسب تقرير حديث لجمعية رجال الاعمال المصريين، يطرح المستثمرون عدة مطالب على حكومة عاطف عبيد من بينها تخفيض الرسوم الجمركية والضريبة على مستلزمات الانتاج وتفادي مشاكل نظامي رد الرسوم والادخال المؤقت في المنافذ الجمركية والغاء شرط خطاب الضمان بأصول المنشأة والاكتفاء بخطاب تعهد بضمان المصدر نفسه واكتفاء مصلحتي الجمارك وضرائب المبيعات بشهادة الاستخلاص الجمركي وصورة شهادة الصادر الجمركية وعدم الاصرار على وصول أصل هذه الشهادات من المنافذ التصديرية.

كما يطالب المستثمرون باعفاء جميع العمليات التصديرية من كل الرسوم والدمغات والمصروفات الادارية التي تطرحها الجهات الحكومية المختلفة مع تخفيض أسعار الضريبة الموحدة والغاء رسم تنمية الموارد على المنتجات ومستلزمات الانتاج.

وامام هذه المطالب العديدة التي لو استجابت لها الحكومة سوف يزيد العجز في الموازنة لأن زيادة الاعفاءات تعني بالضرورة نقص الايرادات السيادية من الضرائب والجمارك، وتحاول الحكومة «المواءمة» بين مصلحة الدولة ومصلحة القطاع الخاص، إذ قامت باتخاذ اجراءات بتعديل بعض التشريعات التي تعوق الاستثمار ومنحت اعفاءات ضريبية لبعض المشروعات في المناطق النائية تصل الى 20 عاما، لكن كما تقول مصادر بوزارة الاقتصاد المصرية فان الحكومة لن تستطيع ان تقدم «تنازلات» أكثر للمستثمرين، خاصة ان ما قدمته الحكومة للمستثمرين لن يسفر عن نتائج ملموسة وهو ما يؤكده توقف الصادرات عن 5 مليارات دولار، في حين تصل الواردات الى 18 مليارا مما يعني زيادة العجز في الميزان التجاري الى 13 مليار دولار سنويا.