دراسة خليجية ترجح الشراكة الاقتصادية لمستقبل أفضل لصناعة البتروكيماويات السعودية

TT

على الرغم من حالة التذبذب التي كانت سمة مميزة لصناعة البتروكيماويات العالمية خلال خمسة عشر عاماً الماضية، فان صناعة البتروكيماويات السعودية حافظت على مسار نمو تصاعدي متواصل، تجسد من خلال تحقيق معدلات ربحية عالية كانت حافزاً لاضافة مشاريع جديدة وتوسيع قاعدة الانتاج ودخول الاستثمارات الخاصة بقوة في هذا الميدان. وفي ضوء هذه المعطيات فان هناك اسباباً عدة ترجح بأن مسار النمو الايجابي لهذه الصناعة سيستمر في المستقبل المنظور.

ويقول الدكتور عبد الوهاب السعدون من منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في دراسة اجراها مؤخراً إن صناعة البتروكيماويات تمثل حجر الزاوية في استراتيجية تنويع الموارد الاقتصادية في السعودية التي تهدف الى تقليل الاعتماد المكثف للاقتصاد السعودي على عائدات البترول والانتقال به من اقتصاد احادي المورد الى اقتصاد متعدد المورد.

وأشار السعدون الى ان احد اهم الخطوات في هذا الاتجاه كانت تتمثل في تأسيس الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لتأخذ على عاتقها مهمة تصنيع البتروكيماويات الأساسية والوسيطة. وحددت الدراسة الاتجاهات المستقبلية لصناعات البتروكيماويات السعودية القصيرة والمتوسطة المدى التي ستسلكها تلك الصناعة من خلال مؤشرات عدة، من ابرزها نمو كبير في الطاقات الانتاجية، حيث ان منتجي البتروكيماويات السعوديين ماضون قدماً في خططهم لاضافة طاقات انتاجية جديدة تقدر بنحو 10.7 مليون طن خلال الاعوام 1998 ـ 2003، وسيبلغ الانتاج السنوي للبتروكيماويات في السعودية نحو 27.1 مليون طن بحلول عام 2003، مرتفعاً من حجمه الحالي البالغ نحو 16 مليون طن في السنة. وهذه الزيادة في حجم الانتاج السعودي تمثل نمواً سنوياً مقداره 13 في المائة وهي نسبة عالية في المقاييس العالمية، بالاضافة الى انتاج اكبر للبتروكيماويات الأساسية وبتوزيع اكثر توازناً، حيث من المتوقع ان يرتفع اجمالي انتاج السعودية من اللقائم الأساسية من 7.56 مليون طن في السنة عام 97 الى نحو 13.1 مليون طن سنوياً بحلول عام 2002، علاوة على ايجاد مشاريع مشتركة اكثر، من خلال الدخول مع شراكة عمل مع شركات عالمية رائدة في مجال تصنيع وتسويق البتروكيماويات، حيث تم الاعلان عن خطط لاقامة عدد كبير من المشاريع المشتركة مع كبريات الشركات الكيماوية الاميركية والأوروبية خلال الفترة 1998 ـ 2002 باجمالي استثمارات تبلغ للمشاريع المشتركة نحو 6.170 مليار دولار. وضخامة هذا الرقم تعتبر مؤشرا على ثقة المجتمع الدولي بمستقبل الاقتصاد السعودي من جهة، وثقة تلك الشركات بمستقبل صناعة البتروكيماويات السعودية من جهة اخرى.

ويرى الدكتور السعدون ان من المتوقع ان تبقى المشاريع المشتركة خياراً استراتيجياً للشركات البتروكيماوية السعودية للتعويض عن نقاط ضعفها والبناء على نقاط قوتها من خلال الدخول في شراكة عمل مع شريك اجنبي تتطابق استراتيجيته مع استراتيجيات الشركات السعودية، وبما يوفر دوراً اكبر للقطاع الخاص، حيث شكل النقص الحاد في العائدات البترولية في الفترة الاخيرة حافزاً للسعودية لاعطاء استثمارات القطاع الخاص دوراً اكبر في الانشطة الاقتصادية بصورة عامة، وبالتوافق مع التوجهات العالمية نحو الخصخصة وتحرير التجارة الدولية.

وفي ما يخص صناعة البتروكيماويات السعودية من المتوقع ان يأخذ هذا التوجه صيغة تخلي الحكومة عن بعض الاسهم التي تمتلكها في «سابك» الى القطاع الخاص او تشجيع الاستثمارات المباشرة للقطاع الخاص في المشاريع البتروكيماوية، وهناك مشاريع بتروكيماوية ستقام حتى نهاية 2002 باستثمارات تبلغ نحو 10 مليارات دولار، ومن المتوقع ان يأتي القسم الاكبر من هذه الاستثمارات من القطاع الخاص السعودي.

واوضحت الدراسة أن هناك تحديات ومخاطر مستقبلية لصناعة البتروكيماويات السعودية من ابرزها استمرارية الميزة التنافسية، وانخفاض معدل التكاليف الثابتة (اقتصاديات الانتاج الكمي)، وانخفاض معدل التكاليف المتغيرة (تكاليف المواد الأولية والوقود)، بالاضافة الى الأزمة الآسيوية، حيث ان نجاح صناعة البتروكيماويات السعودية في اقامة وحدات انتاج كبيرة الحجم كان يقابلها صغر حجم السوق المحلي، الأمر الذي دفع باتجاه تبني استراتيجية «التصنيع للتصدير»، وتشير تقديرات ما بعد الأزمة الآسيوية الى ان التوسعات المخطط لها في دول جنوب شرقي آسيا، ستؤدي عند اكتمالها الى ان تحقق بعض تلك الدول الاكتفاء الذاتي من خلال الانتاج المحلي، ونتيجة لتلك التوسعات الضخمة تشير المراجع الى ان ثلاث دول آسيوية على الاقل (ماليزيا، الفلبين، تايلاند) ستتحول من دول مستوردة للبتروكيماويات الى دول مصدرة لها بعد العام 2000، وعلى الرغم من وجود احتمال كبير لحصول ذلك، فان التوقعات الحالية تشير الى ان دول آسيا ستظل مستوردة للبتروكيماويات في المستقبل المنظور، والسبب وراء هذه التوقعات ان اسواقاً كبيرة ضمن آسيا لم تتأثر كثيراً بالأزمة المالية التي عصفت بدول المنطقة، وتأتي في مقدمتها اسواق الصين والهند.

وأشارت الدراسة الى ان عجز ميزان العرض والطلب في عام 2005 في كلا البلدين، سيكون لصالح الطلب الذي سيبلغ في الصين وحدها نحو 8.5 مليون طن من البولي او الليفنيات السلعية فقط، وفي اتجاه موازٍ فان دول اوروبا التي بلغت حصتها حوالي 10 في المائة من مبيعات البتروكيماويات السعودية عام 1996، قد تصبح سوقاً مهمة للمبيعات الخليجية في المستقبل، يحددها موقف المنتجين الذين يملكون ميزة تنافسية وقدرة على تسويق منتجاتهم في الاسواق المستهدفة بأسعار منافسة.

واستنتجت الدراسة الى ان صناعة البتروكيماويات السعودية اصبحت في الوقت الحاضر منتجاً عالمياً للبتروكيماويات السلعية، حيث تقدر حصتها من اجمالي الانتاج العالمي للبتروكيماويات بنحو 5 في المائة. ومن المتوقع ان تنمو تلك الحصة خلال العام المقبل عندما تبدأ وحدات تكسير الايثان الجديدة العمل عام 2001. وعندها ستكون حصة صناعة البتروكيماويات السعودية ما بين 7 ـ 8 في المائة من اجمالي الطاقات العالمية لانتاج جلايكول الايثلين والبولي ايثلين، فيما ستبلغ في حينها حصتها من الطاقة العالمية لانتاج جلايكول الايثلين نحو 20 في المائة. ومن هنا يمكن القول ان مستقبل هذه الصناعة سيكون مشرقاً اذا تمكنت من الحفاظ على قدرتها التنافسية، ولكن على الرغم من ذلك فانه لا يمكن اهمال ما ستواجهه هذه الصناعة من تحديات مستقبلية على المدى البعيد والمتوسط، ولعل من اهم التحديات المستقبلية التي قد تكون سبباً في عدم تحقق هذه التوقعات، التشريعات والتطورات التقنية التي لها اثر كبير في تكاليف الانتاج. بالاضافة الى ذلك، فان حالة التراجع التي تمر بها صناعة البتروكيماويات العالمية في الوقت الحاضر، تشكل ضغوطاً كبيرة على صناعة البتروكيماويات السعودية ذات الطابع التصديري. وهذا الامر يحتم على منتجي البتروكيماويات السعودية تحسين الانتاجية من خلال اعادة هيكلة الصناعة واقامة تحالفات عمل في مجالات الانتاج والتسويق وما بين منتجي البتروكيماويات الأساسية والتحويلية النهائية.

وعلى الرغم من المصاعب والتحديات، فمن المتوقع ان يكون بمقدور صناعة البتروكيماويات السعودية مواجهة تلك التحديات من خلال ايجاد آليات للتعاون والتكامل بين «سابك» ومنتجي البتروكيماويات من القطاع الخاص الذين تتنامى استثماراتهم بشكل ملحوظ في مجال انتاج البتروكيماويات الأساسية والوسيطة. وعندما يتحقق التكامل المنشود سيكون بمقدور منتجي البتروكيماويات في السعودية المحافظة على حصصهم في الاسواق العالمية وتنميتها وتخفيض تكاليف الانتاج، وبالتالي ضمان تحقيق نجاحات تجارية وتقنية في القرن الواحد والعشرين وما بعده.