المكسيك أداء اقتصادي يحقق نموا مطردا ويقلل نسبة التضخم والديون الخارجية

المكسيك تسدد 3 مليارات للبنك الدولي قبل استحقاقها

TT

مع بداية هذا الاسبوع حققت البورصة في المكسيك قفزات كبيرة في مؤشراتها مشيعةً أجواء بالغة الايجابية والتفاؤل في أوساط المستثمرين، وما كان ذلك ليحدث عن فراغ من دون شك، فقد اعلنت المكسيك الاسبوع الماضي انها تمكنت من تسديد ثلاثة مليارات من الدولارات مما عليها من ديون لصندوق النقد الدولي وقبل أوانها، والذي خطط لتسديده خلال الفترة ما بين سبتمبر (ايلول) الحالي وشهر مارس (آذار) من عام 2005، واضعة المكسيك في مركز الضوء عالمياً وإقليمياً، سواء من حيث اهتمام خبراء الاقتصاد والمختصين أو من حيث المصداقية التجارية في تعاملاتها مع مؤسسات النقد العالمية والتجارية. ولذا كان منطقياً أن تكون الاجواء مفعمة بالتفاؤل سواء للمستثمرين أو للرئيس (فيسنتي فوكس) والذي سيتسلم إدارة شؤون البلاد قريباً للفترة الرئاسية القادمة. وننشر أدناه دراسة مستفيضة تتطرق لمختلف جوانب الاقتصاد المكسيكي ومستوى النجاحات التي حققها من خلال تطبيق الخطة الخمسية للاعوام 1995 ـ 1999.

وضعت الخطة الاقتصادية، التي طبقتها الحكومة المكسيكية خلال فترة ادارتها الحالية، مهمة رئيسية لها هي الالتزام بالسياسة المالية الرامية الى خفض التضخم قدر المستطاع.

ففي نهاية العام 2000 وهو موعد انتهاء الادارة الحالية من تأدية مهمتها، يصل معدل نمو الناتج الاجمالي المحلي الى نسبة تتراوح بين (4.5 و5) في المائة، محققاً ثباتاً في معدل النمو يبلغ متوسطه حوالي 5 في المائة. وهو ما يماثل أعلى نسبة نمو للفترة المماثلة خلال العشرين سنة الماضية، وحافظ النشاط الاقتصادي على نفس المستوى العالي الاداء في وقت تنامت فيه قوة التصدير والاستثمار الخاص واللذين بلغا معدلات عالية ضمن الانتاج المحلي الاجمالي وفق النسب ( 32.7 و19.7 ) في المائة على التوالي.

وتم توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل وبذلك انخفض معدل البطالة لاقل مستوى له منذ عام 1985.

وخلال الاعوام الماضية اظهر التضخم معدلات انخفاض بالغة الوضوح لتصل الى أقل من 10 في المائة. وقد انخفض معدل الفائدة الحقيقي والقياسي الى حد كبير في الوقت الذي حافظ معدل التبادل النقدي على استقراره. وعند النظر الى جوانب الخطة الخمسية لاعوام 1995 ـ 2000 لمعاينة مستوى اداء كل قسم فيها، نرى أن أهم مايسجل لهذه الخطة هو معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الذي حافظ على معدل نمو يتراوح بين (4.5 ـ 5 ) بالمائة وهو الافضل على مدى العشرين سنة الماضية لنفس الفترة، بالرغم من انه عانى خلال عام 1995 من تأثير ضربة قوية تمكن من تفاديها، وتحقيق نسبة ارتفاع في مستوى دخل الفرد ومايحصل عليه من الناتج الاجمالي ليتجاوز مستواه السابق الذي كان عليه عام 1994، ليصل الى ما نسبته 13 بالمائة خلال عام 1999.

وعلى صعيد التجارة الخارجية فلم يكن الاداء جيداً وكان هناك خلل في ما يتعلق بالتوازن التجاري إذ شهدت التجارة عجزاً خلال 1995 ـ 1999 وصل الى ماقيمته 149.2 مليون دولار بمقابل 575.7 مليون دولار للفترة بين 1988 و1994.

وجدير بالذكر فأن المكسيك تعتبر ثامن دولة في التصدير وثاني اكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بعد كندا وبذلك تتفوق على اليابان التي تليها في الترتيب.

كما ان لدى المكسيك اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وكندا واسرائيل ودول اميركا اللاتينية التسع. وشكلت الصادرات غير النفطية مانسبته 81 بالمائة من اجمالي الصادرات خلال اعوام 1988 ـ 1994 ولكنها شهدت ارتفاعاً بلغ91 بالمائة لاعوام 1995 ـ 1999.

وكنتيجة لتحسن التعاملات الخارجية للاقتصاد المكسيكي فقد ارتفع الاحتياطي الخارجي الى 34 مليار دولار عند نهاية الربع الاول الماضي.

وبقدر تعلق الامر بمعدل سعر الفائدة وسعر الصرف الخارجي فقد شهدا فترات تصعيدية خلال اعوام 1997و1998و1999 وذلك بالتزامن مع الازمة المالية الآسيوية وبعض الاحداث الدولية في روسيا والبرازيل والتي دفعت بمعدلات الفائدة الى مستويات اعلى، ولكن طبقا لاحتياطيات الخطة الاستراتيجية لمثل تلك التقلبات فقد عادت تلك المستويات الى المستوى الحالي عند حاجز 15 في المائة.

وشكلت عوائد النفط بالاضافة الى العوائد المتأتية من فرض ضرائب على الهيدروكربون والجازولين والديزل والمدفوعة من قبل شركة البترول المكسيكية (بيمكس) كل ذلك شكل ما مجموعه 33.4 في المائة من الميزانية لعام 2000 وبالاستفادة من الارتفاع الحالي في اسعار النفط.

وشهد موضوع الديون الخارجية تحسنا كبيرا اذ انخفض بما مقداره 50 في المائة من ما نسبته 32.4 في المائة في عام 1994 الى 16.1 عام 1999. وفي حين خصص ماقيمته 8.3 بالمائة عام 1995من عوائد التصدير الى التخفيف من الفوائد المترتبة على الديون الخارجية فقد انخفضت هذه النسبة الى 5 في المائة فقط عام 1999، ليستقر مقدار الديون الخارجية عند نسبة 60 في المائة من عوائد التصدير السنوية.

ان العوامل التي ادت الى تدهور الاقتصاد عام 1994 غير موجودة اليوم وهذا مايضع المكسيك على طريق اكثر تسهيلا لانتقال الى الادارة الجديدة وفقا لمقومات وحقائق اقتصادية تتحكم بعملية الانتقال مثل: اطلاق نظام الصرف الحر لما فيه من امكانية لامتصاص التأثيرات الخارجية في السوق، واستقرار العجز عند مستوياته نظرا لتوفر احتياطي العملات الخارجية وذلك بالمقارنة مع مستوى العجز لعام 1994 والذي وصل الى 7 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي بمقابل 3.1 في المائة من الناتج المحلي الحالي المتوقع، مستفيدا من ماقيمته ثلاثة ارباع الاستثمارات الخارجية.

وفي حين شكلت نسبة الودائع المحلية نسبة 14.7 عام 1994 فمن المتوقع ان تصل نسبة تلك الودائع في الاجمالي المحلي الى نسبة 21.7 بالمائة وبما يشكل 84 بالمائة من حجم الاموال المستثمرة.

وضمن نفس الفترة من عام 1994 بلغت نسبة استحقاقات المكسيك للسوق الخارجية 30 مليار دولار، بينما ستبلغ على النقيض من ذلك لاعوام 2000 و2001 لتصل حوالي 4 مليارات دولار.

ويشمل حجم الدعم المالي لبرنامج 2000 ـ 2001 على المصادر التالية: 1.540 مليون دولار من صندوق النقد الدولي ضمن الترتيبات الاحتياطية.

6000 مليون دولار من البنك الدولي للمشاريع المقرة في اعوام 2000 ـ 2001.

4200 مليون دولار من بنك التنمية الدولي.

8000 مليون دولار من إيكسيم بنك الاميركي على شكل قيمة بضائع وخدمات.

6700 مليون دولار للطوارئ ضمن اتفاقية نطاق دول اميركا الشمالية.

وعلى صعيد الاسعار ففي شهر يونيو (حزيران) سجل مؤشر اسعار المستهلك ارتفاعا قدره 0.37 في المائة وهو اقل نسبة للتضخم في خلال الاشهر الخمسة الاولى من هذا العام مقارنة بالثماني والعشرين سنة الماضية. وتشكل هذه النتائج مؤشراً ينسجم مع ما يتوقع له من معدل ارتفاع الاسعار السنوي المخطط لكل العام والبالغ 10 في المائة.

لقد احتل الاقتصاد المكسيكي مكانة متقدمة مستفيدا من الظروف الايجابية لثبات وتائر نمو الاقتصاد. ولم يكن ليتحقق ذلك لولا اعتماد خطة اقتصادية ثابتة بمواجهة العجز وتحسين الاداء المالي واطلاق نظام الصرف الحر وعلى هذا الاساس فقد جرى التخفيف من الاثار المدمرة للاقتصاد والتي لا تنبع من اساسيات الاقتصاد المكسيكي وعوامله المكونة الداخلية، لا بل اثبت الاقتصاد المكسيكي انه قادر على التعاطي مع مختلف الاضطرابات والهزات التي تؤثر في السوق المحلية في العادة.

وبالاضافة الى مظاهر القوة الاساسية في الاقتصاد المكسيكي، هناك عدة حقائق ستساعد على تهيئة ظروف الانتقال التدريجي الهادئ الى الادارة الجديدة، من ذلك مثلا نمو الودائع المحلية وانخفاض الاعتماد على الودائع الخارجية، وجرى التغلب على مقدار العوز بطريقة مثالية مريحة تضيف لسمعة المكسيك الدولية، كما انخفض مؤشر عدد الشركات المفلسة، وازداد الاحتياطي النقدي ليصل معدلا لم يسبق له مقرونا بقوة البرنامج النقدي المكسيكي وهذا مايبعث بالفعل على الثقة بمستقبل الخطة الاقتصادية ومدى قدرتها على تحقيق نتائج باهرة.