اقتصاديون لبنانيون: الانتعاش الاقتصادي مرتبط بالحكومة الجديدة وتنفيذ التخصيص

التوقعات بعودة الحريري تحرك أسهم «سوليدير»

TT

استبقت سوق المال والقطع في بيروت النتائج السياسية للانتخابات النيابية وفي مقدمها شكل وطبيعة الحكومة الجديدة، فشهدت تحركات جزئية تركزت بشكل خاص على أسهم شركة «سوليدير» في بورصة بيروت وإيصالات الايداع العمومية التابعة للشركة المصدرة في الأسواق الدولية بحيث اقترب سعر السهم اول من أمس الاول من سقف 8 دولارات وسط طلب بلغ حوالي 500 الف سهم، فيما شهدت سوق القطع تراجعاً نسبياً في الضغط على الليرة اللبنانية من دون أن تقابله وفرة في عروض الدولار، مما جعل السوق تتوازن تلقائياً عند مستويات متوسطة للأسعار.

وأجمع خبراء ماليون واقتصاديون على أرجحية العامل النفسي الذي حرك الطلب على أسهم شركة «سوليدير» من دون غيرها، بالنظر إلى ارتباط تجميد الكثير من المشاريع الاستثمارية والإنشائية للشركة بالخلافات السياسية المستعرة خلال السنتين الماضيتين بين أهل الحكم وتيار رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي اطلق وتبنى مشروع إعادة بناء وإعمار وسط بيروت التجاري عبر الشركة واستطاع استقطاب رساميل ومشاريع كبرى في نطاقها خلال فترة توليه الحكم بين العام 1992 و1998.

واكد الخبراء ان العامل النفسي يبقى محدوداً في انعكاساته ومداها الزمني ما لم يتعزز بوقائع فعلية تحوله الى عامل موضوعي ولا سيما ان عمق الازمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان منذ سنوات والتي جعلت مؤشر النمو يتراجع بشكل دراماتيكي ليبلغ حدود الصفر ويتجاوزه سلباً العام الماضي وهذا العام، لا يمكن أن تتم معالجتها إلا عبر رؤية اقتصادية متكاملة يتم تنفيذها على مراحل، مع الأخذ في الاعتبار تعاظم الدين العام الذي تجاوز 23 مليار دولار وخدمة هذا الدين التي تستهلك مجمل ايرادات الموازنة والذي يشكل المحور الأساسي لهذه الأزمة.

ويعتبر المحللون الاقتصاديون ان التوقعات بعودة الرئيس رفيق الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة أحدثت تبدلاً نسبياً في حركة الأسواق، لكن العوامل الأهم التي يمكن الركون اليها لتأكيد هذا التبدل ومدى تناميه تتعلق أكثر بطبيعة الحكومة الجديدة وبرنامجها الاقتصادي، مع تأكيد أهمية إعادة تثبيت التوافق الوطني بين مختلف القوى والشرائح السياسية من خلال هذه الحكومة لإرساء استقرار سياسي جديد يفتح الطريق أمام الحلول الاقتصادية الممكنة، وفي مقدمها تسريع برامج التخصيص للقطاعات العامة المؤهلة وكسر الحلقة المفرغة التي تربط بين الدين العام وعجز الموازنة.

ويعلق الاقتصاديون اهمية اضافية، وخاصة على منحى التطورات الاقليمية المتعلقة بعملية السلام والتي يقع لبنان واقتصاده في صلب تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة والتي يستحيل عزلها عن الرؤية المتكاملة لمعالجة الازمة الاقتصادية، ولا سيما ان ملفات عملية السلام تشمل بشكل اساسي المستقبل الاقتصادي للمنطقة وطبيعة الادوار والعلاقات المشتركة من دون اغفال ملف التوطين الذي شكل مادة فاعلة في الخطاب السياسي للانتخابات النيابية الأخيرة.

وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور جو سروع لـ «الشرق الاوسط» ان «الحديث عن عودة الحريري كان المحرك الاساسي لاسهم شركة «سوليدير»، لكن ذلك لا يندرج ضمن العوامل الموضوعية الايجابية لان لا احد يملك عصا سحرية للخروج من الازمة الاقتصادية العميقة التي نعاني منها. ويجب انتظار بعض الوقت لتحديد المنحى الذي ستسلكه التطورات السياسية والتي ستحدد بدورها شكل وطبيعة الحكومة الجديدة، مع تأكيد اهمية الوصول الى توافق وطني شامل يشكل قاعدة الانطلاق للبرنامج الاقتصادي الانقاذي، خصوصا ان تفاقم الخلافات السياسية خلال العامين الماضيين ساهم الى حد كبير في تعميق الازمة الاقتصادية وفي اجهاض او تأخير تنفيذ وسائل المعالجة».

وتوقع مدير الخزينة في «بنك بيروت» نجيب سمعان، ان تستمر موجة الطلب على اسهم شركة «سوليدير» في الاسواق المحلية والدولية بمعدل 500 الف سهم يومياً، مما سيسمح بارتفاع السعر الى ما بين 9 و9.5 دولارات «لكن اي تقدم اضافي سيبقى رهناً بنتائج المشاورات السياسية بشأن الحكومة الجديدة وإمكان حصولها على دعم سياسي من قبل الاطراف الفاعلة على قاعدة التوافق الوطني».

وافاد سمعان ان الاجواء الايجابية بدأت تمتد بشكل محدود الى سوق القطع وسوق سندات الخزينة وسندات «اليوروبوند» المصدرة في الاسواق المالية المحلية والدولية، حيث تراجع الطلب بشكل ملموس على الدولار من دون أن يتحول الى وفرة في العرض، كما بدأت ترد استفسارات عن السندات الحكومية الدولية للآجال القصيرة لكنها لم تبلغ مستوى طلب الشراء، وذلك مرتبط حكماً بمسار التطورات السياسية.