أوبل «كورسا» الجديدة: سيارة صغيرة متكاملة بوجه أميركي

جنرال موتورز أجرت لها عملية جراحية شاملة لتعزيز مكانتها الريادية في الأسواق العالمية

TT

عندما يسمع المرء باسم «جنرال موتورز» (جي إم) يتبادر إلى ذهنه فوراً بعض الاسماء الكبيرة واللامعة في عالم السيارات. اسماء مثل كاديلاك وبويك واولدز موبيل وبونتياك وشيفروليه، وربما غيرها من الاسماء الاقل شهرة وبروزاً. ورغم ان بعض هذه الاسماء ابتعدت عن الاسواق غير الاميركية، او في طريقها إلى الابتعاد، فانها اقترنت كلها بالسيارات والمركبات الكبيرة الفارهة ذات الاناقة الكبيرة، مما يصعب على المرء ان ينساها، او ينسى بعض ملامح طرزها الكلاسيكية التي قد يتناقل ذكرها الابناء عن الآباء. لكن جنرال موتورز منذ فرضت نفسها على الاسواق الاوروبية اولاً عبر ماركة اوبل الالمانية الشهيرة وتوأمها فوكسهول في بريطانيا، ثم لاحقاً ساب في السويد، بدأت تفكر بمنطق السيارات الصغيرة التي درجت عليها اوروبا منذ امد بعيد، والولايات المتحدة نفسها نوعاً ما منذ امد قصير، وذلك في ضوء تقلبات اسعار النفط والطاقة، وازدحام شوارع المدن بالسيارات والمركبات من كل الانواع.

من هنا جاءت «كورسا» الجديدة التي تنتمي إلى الجيل الثالث من سيارات اوبل فوكسهول. اذ دأبت جنرال موتورز منذ سنوات على مراقبة تسويق الانواع المختلفة من السيارات الاوروبية التي تنتجها، خاصة بعد ادخال التحسينات المختلفة والمستمرة عليها مع السنين، ثم قر رأيها على اختيار «كورسا»، واجراء ثورة شاملة عليها بعدما لاحظت شعبيتها المتزايدة، لا سيما عند قطاعات الشباب ومتوسطي الاعمار والجنس اللطيف. من هنا يلحظ الداخل على مقصورة السيارة الجديدة منذ الوهلة الاولى انها سيارة اميركية مائة بالمائة. مع ان حجمها متواضع جداً، كما انها واسعة رحبة من الداخل رغم صغرها الخارجي.

ثم هناك اللمسات الاميركية المتعددة المضفاة عليها التي لا تخفى على الناظر، مثل الاجهزة المختلفة التي تجدها في السيارات الاميركية الكبيرة عادة كالراديو متعدد الموجات، والستيريو وموزع الاصوات، ومغير اقراص «السي دي»، وهاتف «جي إس إم» الخلوي المركب في اللوحة الامامية، والاضاءة متعددة الزوايا، والتهوية الكومبيوترية الادارة، ومنظم السرعة التطوافية (كروز كونترول) الاوتوماتيكي الملخص في ازرار صغيرة مثبتة على المقود، وحاضنات الاكواب والكؤوس الموزعة هنا وهناك، وجميع الاضافات الاخرى التي تكتشفها تباعاً مع محاولة تأقلمك مع السيارة الصغيرة هذه ذات الوجه والشكل الجديدين تماماً.

نعم ان الناظر إلى هذه السيارة الصغيرة من الخارج ايضا يجد نفسه امام سيارة اميركية كاملة الاوصاف، ولكن بحجم صغير... وذات نعومة زائدة. وكأنما ارادت جنرال موتورز ان تنهي المشوار كله، فقد وفرت هذه المركبة الجميلة بخيارات متعددة للمحركات حسب طلب الزبون. واذا كان هذا الاخير متطلبا، شأنه شأن الاميركي الذي يعتبر السيارة امتداداً لمسكنه ووسائل الراحة فيه، فقد وفرت الشركة الصانعة ايضا خيار تزويد السيارة بنظام ملاحة الكتروني عبر الاقمار الصناعية يعمل بدقة بالغة حتى حدود المترين، رغم بساطته المتناهية وخلوه من التعقيدات الكبيرة التي تجدها عادة في الانظمة من هذا النوع المجهزة بها السيارات الكبيرة مثل الكاديلاك الاميركية واللكزس اليابانية. وفعلاً يجد السائق في نظام الملاحة الالكتروني هذا مساعداً كبيراً له يغنيه عن استخدام الخرائط عن طريق توجيهه بواسطة الصوت والنظر باسلوب واضح جداً، اذ ركبت الشاشة الصغيرة في مكان مناسب على لوحة العدادات الامامية بحيث يسهل النظر اليها من جميع الاتجاهات والزوايا.

المزايا الجديدة واذا كان للبعض في الماضي بعض المآخذ على الموديل السابق من «كورسا» فإن الطراز الجديد يبدو قد برئ منها.

الجيل الثالث من «كورسا» الذي سيدخل الاسواق الاوروبية في غضون الاسابيع القليلة المقبلة قبل ان يقتحم الاسواق الاخرى تباعاً، حرصت جنرال موتورز فيه على تخصيص كل سوق بفئات معينة من المحركات حسب مواصفاته المحلية. إلا ان القاسم المشترك بينها سيبقي المساحة الرحبة من الداخل (اربعة ركاب علاوة على السائق براحة تامة) بعد اطالة قاعدة العجلات حتى 2491 ملم، فضلا عن هيكل مجلفن تماما لمنع الصدأ مصمم خصيصا لتعزيز عامل الامان والسلامة وذلك بفضل المعادن وخلائطها المستخدمة التي زيد فيها عامل التوتر بنسبة 33%.

ولا بد من الحديث هنا عن الشكل الانسيابي للسيارة الذي خفض عامل مقاومة الهواء لتبلغ في الطراز الجديد 32.0. وتعزز كل ذلك مجموعة من ستة محركات، اربعة منها تعمل بالبنزين باربعة صمامات، واثنان ديزل «ايكو ايكويتك» منخفضا الاستهلاك على صعيد الوقود، يعمل احدهما بالشحن التوربيني وبالحقن المباشر للوقود. ويستهلك احدهما 7.4 ليتر من الوقود كل 100 كيلومتر في حين يستهلك الاخر سعة ليتر واحد مؤلف من ثلاث اسطوانات 6.5 ليتر من وقود الديزل كل 100 كلم بقوته او قدرته.

الحصانية التي تبلغ 58 حصاناً (43 كيلو واط) فقط. بيد ان اقوى نماذج «كورسا» هو «كورسا جي اس اي» الرياضي المزود بمحرك بنزيني سعة 8.1 ليتر الذي يولد 125 حصاناً (92 كيلو واط) من الطاقة الصافية والقادر على دفع السيارة إلى سرعة 200 كيلو متر في الساعة.

ولا بد من القول هنا ان جميع محركات «كورسا» البنزينية، بما في ذلك المحرك سعة 2.1 ليتر (75 حصانا)، و4.1 ليتر (90 حصانا) تلبي شروط IV EURO المتعلقة بغازات العادم ، التي لن تنفذ قبل عام 2005.

ايزيترونيك تأتي جميع فئات «كورسا» بانظمة نقل سرعات اوتوماتيكية او يدوية، لكن مشتري «كورسا» سيتوقفون بشكل خاص امام نظام «ايزيترونيك» الذي سيمكنهم اختياره مقترناً بغيار اوتوماتيكي ايضا. اذ يكفي ان يدفع السائق عصا تبديل السرعة إلى اقصى اليسار لاختيار النمط الاوتوماتيكي العادي.

لكن ما هو الـ «ايزيترونيك»؟

انه نظام مستمد من تقنيات سباق الجائزة الكبرى (الجراند بري) لسيارات «الفورمولا 1». اذ يكفي ان يكبس سائق السباق على زرين في عجلة القيادة ليبدل السرعة صعوداً او نزولاً، متجاوزاً بذلك الضغط بقدمه على دواسة المعشق او الفوصل (الكلتش). وللعلم فان شركات اخرى صانعة كبورشه مثلاً تطبق هذا الاسلوب في سياراتها الرياضية التي تتيح توفير ثوان من السرعة، فضلاً عن انها تجعل السائق يركز على استخدام عمليات اقل خلال حرارة السباق، طبعاً يأتي هذا النظام تحت مسميات مختلفة، مثل «تريترونيك» في بورشه، و«شيفترونيك» في بعض الطرازات الايطالية، و«ايزيترونيك» في «كورسا» الذي يأتي على شكل عصا عادية تدفع إلى الامام لتغيير السرعة صعوداً حتى خمس سرعات، وإلى الخلف لتغيير السرعة نزولا. لكن «الشرق الأوسط» التي جربته على الطرق الاوروبية الريفية وجدته اداة للتسلية اكثر منه وسيلة فعالة لانجاز افضل. وقد فضلت عليه النظام الاوتوماتيكي، وحتى اليدوي، لا سيما عند تجربة الطراز الرياضي «كورسا جي اس اي» المجهز بمحرك 8.1 ليتر ذي الـ 125 حصاناً وتبقى الاشارة إلى ان «ايزيترونيك» متوفر فقط في السيارات المجهزة بمحرك 2.1 ليتر، ذي الـ 16 صماماً.

من جهة ثانية لزيادة عوامل الامان. جهزت «كورسا» الجديدة بهيكل سفلي (شاسيه) من نوع «دي اس ايه» الذي يعني «السلامة الديناميكية» والذي يوفر قيادة امينة ونشيطة وقدرة افضل على التشبث بالطريق. ثم ان سلسلة الدفع والقيادة، فضلا عن التعليق الامامي الجديد يوفران ركوباً هادئاً سلسا بعيداً عن الاصوات والارتجاجات.

ولعل من اهم المميزات الجديدة ان تغيير الزيت يجرى كل 30 الف كيلومتر فقط، مما يعني اطالة الفترات بين مواعيد الخدمة والصيانة حتى مداها الاقصى. وهذا شيء جديد تحاول شركات صناعة السيارات المنافسة تطبيقه ايضا لانه يوفر على السائق كثيراً من المشاغل وهدر الوقت.

ثم ان ضمانة المحافظة على الهيكل من الانثقاب بفعل الصدأ تمتد إلى 12 سنة، مما يعني تخفيضا ملموساً لتكلفة التأمين المرتفعة هذه الايام. في اي حال رغم التغيير الجذري في هيكل «الكورسا» وتجهيزاتها المتعددة، فإن الصانعين حرصوا على المحافظة نوعا ما على هويتها الاصلية مع اضفاء لمسات النضوج عليها سواء كانت من فئة الثلاثة ابواب او الخمسة. فقد عدل مكان المصباحين الخلفيين ليتجانسا مع النافذة الخلفية بشكل متناسق وجميل. كما زيدت المسافة الفاصلة بين العجلتين الاماميتن (1429 ملم) والخلفيتين لاعطائها مظهراً رياضياً، التي وفرت ايضا مسافة اضافية من الداخل قدرها 80 ملم عند مستوى الاكتاف. ثم ان قاعدة العجلات الطويلة تؤمن ايضا فسحة واسعة للركاب في المقاعد الخلفية.

مستلزمات الامان والسلامة رغم صغر السيارة فان معدات السلامة والامان تشمل وسائد الوقاية الهوائية في الامام والجانبين للسائق، والراكب الذي الى جانبه، مع الاحزمة لخمسة ركاب.

ثم هناك مسندا رأس في المقعدين الاماميين اللذين يتفاعلان مع قوة الصدمة. كذلك هناك نقاط تثبيت لمقعدين للاطفال في القسم الخلفي من المركبة، فضلا عن ستائر من الاكياس الهوائية لحماية الاطفال والصغار التي ستتوفر في عام 2001.

على صعيد استهلاك الوقود استطاع المهندسون ان يحسنوا اكثر من اداء «كورسا» وهذا رغم شهرتها العريضة كواحدة من افضل السيارات اقتصادا في استهلاك المحروقات. ولعل الفضل في ذلك يعود إلى عامل تحسين مقاومة الهواء الذي يبلغ 32.0، وهو عامل منخفض جداً في سيارة من هذه الفئة.

ثم ان التحسينات الاخرى التي اجريت على المحركات البنزينية، لتصبح اكثر تآلفاً مع البيئة في نفث العوادم، ساعد عامل الاقتصاد ايضا.

يبقى القول ان «كورسا» القديمة تباع في 80 بلداً حول العالم وتعتبر عن جدارة واحدة من انجح طرز اوبل. فهي تنتج في 11 مصنعا في القارات الخمس بتسعة نماذج مختلفة من الهياكل.

ومنذ بدأ انتاجها في عام 1993 خرجت إلى الطرقات اكثر من تسعة ملايين وحدة منها.

وعليه فإن الرهان الان هو على نجاح «الكورسا» الجديدة في رفع حجم المبيعات هذه. لكن الطراز المجهز بمحرك 8.1 ليتر لن يدخل اسواق الشرق الاوسط، كونه يعمل على الوقود الخالي من الرصاص، في حين تعمل الطرز الاخرى غير المديزلة على نوعي الوقود: بالرصاص ومن دونه، مما يتيح لها دخول اسواق دول مثل لبنان والاردن والمغرب ومصر وسورية، وبعض البلدان الخليجية، مع ان الاخيرة تفضل عادة السيارات الاكبر حجما.

ولا بد من القول هنا ان «الكورسا» اجمالاً شعبية جداً لدى النساء اللواتي يفضلن قيادتها على السيارات الاخرى من الفئة والحجم ذاتهما. ففي عام 1999 مثلاً، كانت نسبة 63 بالمائة من مشتري «كورسا» في المانيا من النساء.

اخيراً.. تأمل جنرال موتورز من السيارة الجديدة الجميلة فعلاً مردوداً كبيراً سواء في حجم المبيعات، او حجم الاداء، لان العالم يتغير بسرعة، والصورة القديمة ينبغي ان تختفي دائمابسرعة حالما تظهر، كما قال احدهم من العاملين في ميدان التصميم.

=