السعودية ـ فرنسا: الدعوة إلى شراكة اقتصادية حقيقية

مصدر: توتالفينا ـ إلف واثقة من فرصة الدخول إلى قطاع الغاز والطاقة السعودي

TT

السؤال المركزي الذي طرح في المنتدى الاقتصادي ـ السعودي في فرنسا يوم امس كان التالي: لماذا العلاقات الاقتصادية الفرنسية ـ السعودية وتحديدا الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الاقتصاد السعودي وكذلك المبادلات التجارية بين الطرفين ليست بمستوى العلاقات السياسية التقليدية والممتازة بين باريس والرياض؟

من حيث المعطيات، تقوم بين المملكة العربية السعودية وفرنسا منذ عام 1995 شراكة استراتيجية تشمل كافة ميادين التعاون الثنائي. وهذه النقطة بالذات ذكر بها السفير السعودي في فرنسا فيصل الحجيلان وعاد اليها نظيره الفرنسي في الرياض برنار بوليتي الذي اكد ان الشراكة الاستراتيجية «لا تعني قطاعا دون آخر وانما اهميتها ان ترسي تماسكا وتناظرا في كل القطاعات».

غير ان هذا المنطلق ان صح في الاطار السياسي او الدفاعي فانه لا يزال بعيدا عن المطلوب في المجالين الاقتصادي والتجاري. فمن حيث الاستثمارات المباشرة فان المؤسسات والشركات الفرنسية تحل في الموقع السادس وتأتي فرنسا بعد دول مثل المانيا او ايطاليا. ولجهة المقارنة فقط فان الاستثمارات الاميركية في السعودية تزيد 11 ضعفا عن الاستثمارات الفرنسية. كذلك فان الصادرات الفرنسية الى السوق السعودية التي بلغت العام الماضي 1179 مليون دولار تعطي فرنسا المرتبة السادسة. وهذا التماثل في الرتبة بين الاستثمارات والمبادلات دفع المستشار الاقتصادي للسفارة الفرنسية في الرياض هيرفيه بيكيه الى القول ان ثمة «علاقة احصائية» بين الامرين وفي ذهنه انه اذا ارادت المؤسسات الفرنسية ان تزيد حصتها في السوق السعودية فلا طريق امامها سوى الاستثمار المباشر والاستفادة من الفرص الضخمة ومن اللحظة التاريخية التي يمر فيها الاقتصاد السعودي.

الامير عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود محافظ الهيئة العامة للاستثمار الذي جاء الى باريس على رأس وفد هام من القطاعين العام والخاص، تنكب لهذه المهمة، من خلال مداخلات عديدة شارحا طبيعة التغيرات الجارية في الاقتصاد السعودي لجهة فتح الابواب امام الاستثمارات الاجنبية ومركزا كذلك على الفرص المهمة التي توفرها السوق السعودية. واذا كان الامير عبد الله بن فيصل لا يريد ان يتوقف كثيرا عند الماضي مركزا اهتمامه على مستقبل العلاقات الاقتصادية والاستثمارية الفرنسية ـ السعودية فانه مع ذلك دعا الشركاء الفرنسيين الى الاستفادة من هذه اللحظة المثالية، خصوصا ان الامور تسير بسرعة. وما لم يقله الامير قاله اخرون: اذا لم تتخل المجموعات الفرنسية عن ترددها، فان المجموعات الاخرى الاميركية اليابانية والاوروبية لنا تترك لها مكانا او ستكتفي بالهامش.

قد يكون من الصعب امتناع مستثمر اجنبي بخوض غمار الاستثمار في بلد ما دون التأكد من ربحية هذا الاستثمار. وهذا ما ركز عليه هيرفيه بيكيه بقوله ان الظروف والبيئة الاستثمارية وخصوصا مسألة العائد والربحية متوفرة في السعودية. وتساءل بيكيه: كيف يمكن ان نقترح الى شركات غير فرنسية تستثمر في السعودية وتحقق ارباحا في حين ان الشركات الفرنسية لا تزال مترددة؟ واستطرد بيكيه قائلا: «ان ضعف الاستثمار الفرنسي في السعودية لا يعكس موقع فرنسا على الخريطة الاستثمارية الدولية ولا طموحها». وساق المسؤول الفرنسي مجموعة من الحجج لاقناع المترددين. واولها انه يجب الاستثمار في السعودية لان هذا البلد يملك اكبر اقتصاد في المنطقة وله الموقع للاول على الخرىطة البترولية. والحجة الثانية ان السعودية توفر الشروط الثلاثة الضرورية للاستثمار وهي الاستقرار السياسي والبيئة الاقتصادية الملائمة (سيطرة على التضخم، وثبات العملة وسوق واسعة وحماية المستثمر). واستشهد بيكيه بقانون الاستثمار الاجنبي الجديد الذي يكفل حماية المستثمر. اما الحجة الاخيرة فتكمن في ان المناخ الاقتصادي العام في السعودية يتحسن وهو بالتالي اكثر ملاءمة للمستثمرين.

غير ان هذه الحجج يمكن ان تخطئ اهدافها ما لم ترافقها نقلة في مفهوم التعاون الاقتصادي. وفي رأي رئيس غرفة التجارة الفرنسية ـ العربية فان هذه العلاقة يجب ان تقوم على «الشراكة» وليس فقط على الصفقات او العقود. وقد شرح السفير الفرنسي في الرياض برنار بوليتي معنى «الشراكة» بقوله انها «تستلزم انخراط المؤسسات الفرنسية في علاقات على المدى البعيد وهي تستدعي كذلك نقل التكنولوجيا والتأهيل والاستفادة في الخبرات المتبادلة واستثمارات مشتركة وخلافها. وكان الامير عبد الله بن فيصل قد اعرب عن استياء السعودية من مشاريع التكافؤ الاقتصادي التي تنفذها الشركات الفرنسية في المملكة داعيا الى الاستفادة مما توجده مشاريع الاوفست من فرص للتعاون الاقتصادي. وهذه النقطة بالذات عاد اليها السفير الفرنسي ليدعو الشركات الفرنسية لتعميق حضورها منطلقة من الفرص المتاحة من خلال الاوفست. ودعا السفير الفرنسي كذلك الى تخطي الاحكام المسبقة وعدم الركون الى القول ان الشركات الاميركية تسيطر على السوق السعودية اذ انها سوق مفتوحة للتنافس.

واذا كانت الدعوة التي اطلقها السعوديون في باريس سواء من المسؤولين ام اطراف القطاع الخاص الى الاستثمار في كافة القطاعات الاقتصادية والاستفادة من الخصخصة وفتح عدد من القطاعات بوجه رأس المال الاجنبي، فان الاهتمام كان منصبا على معرفة ما اذا كانت السعودية ستعطي مجموعة توتالفينا ـ الف فرصة الدخول في القطاع الغازي والطاقة السعودي. ووفق مصدر فرنسي مطلع، فان ثمة قناعة بان المجموعة الفرنسية ـ البلجيكية البترولية واثقة من انها ستكون من بين الشركات التي سيتم اختيارها على اللائحة الضيقة (short list) غير ان المصدر ذكر لـ«الشرق الأوسط» ان ثمة تخوفاً من ان تعطى المجموعة المذكورة عروضا «على الدرجة الثانية» في حين تحصل الشركات الاميركية على عروض الدرجة الاولى. في اي حال قال المصدر ان الدخول الى السوق النفطية والغازية السعودي «هدف رئيسي» للشركة بالنظر الى الامكانيات الضخمة للسعودية في هذا المجال واهمية الوجود فيها تهيؤا لفرص لاحقة.