جنرال موتورز تتحدى السيارات الأوروبية الفاخرة في عقر دارها

كاديلاك تجري عملية شد وجه وتدخل ميدان التقنيات والتطوير من الباب العريض

TT

قررت جنرال موتورز كبرى شركات صناعة السيارات الخروج من «قوقعتها» الاميركية، والانتقال بزخم الى اقتحام قطاع السيارات الفخمة والرياضية في قلب اوروبا وبعض الاسواق الآسيوية، منافسة مرسيدس بنز وليكزس وبي ام دبليو واودي وجاكوار، التي استحوذت حتى الان على هذه الاسواق. كذلك تنوي جنرال موتورز ادخال شيفرولي«كورفيت» ايضا الى هذه السوق لمنافسة السيارات الرياضية الاخرى، الامر الذي سنتحدث عنه في حلقة لاحقة ان شاء الله.

الذي يشجع جنرال موتورز على خوض هذا التحدي هو انها تملك اسما شهيرا طالما استحوذ على مخيلة الناس في الماضي البعيد والقريب، الا وهو كاديلاك، وفي الولايات المتحدة بالذات عززت صناعة السينما في هووليوود صورة هذه السيارة الفخمة التي كان نصف زعماء العالم يستعملونها في تنقلاتهم الرسمية.

والناس الذين عاصروا بداية القرن وعقوده الاولى لا يزالون يتذكرون لدى مشاهدتهم الصور والافلام الاخبارية في السينما، كاديلاك الجنرال الصيني شيانج كاي شيك المكشوفة التي كان يستعرض بها قواته «الوطنية» المتواجهة مع الشيوعيين، وحاليا تقبع هذه السيارة في متحفه الشهير في تايبيه عاصمة بلده تايوان (فورموزا سابقا).

الكاديلاك كانت في يوم من الايام حلم الجميع صغارا وكبارا، وهذا ما تحاول جنرال موتورز ان تبني عليه وتستثمر، لكن اعادة تعزيز هذه الصورة القديمة تطلب اجراء العديد من التحسينات الجذرية في المظهر والاداء والتقنيات التي برع فيها الالمان واليابانيون في العقود الاخيرة.

من هنا بدأ مهندسو جنرال موتورز ومصمموها توجههم الجديد في عملية شاملة «لشد وجه» كاديلاك، بعدما شاخ بعض الشيء، مستهلين سعيهم بمحرك «نورث ستار» ونظام الدفع التابع له، الذي شكل في الواقع حجر الزاوية الذي دارت حوله سائر التحسينات الاخرى خلال العقد الاخير.

ونحن الآن في عام 2000، ولنتحدث عن كاديلاك الجديدة هذه بكل طرزها، حتى تلك التي تستهدف السوق الاوروبية التي هي اقل طولا من مثيلاتها الاخريات ببعض البوصات لكي تلائم الطرق الاوروبية، وان احتفظت بسائر المواصفات الاخرى، مثل قوة المحرك ومظاهر البذخ والترف، والرفاهية المفرطة.

لقد ارادت كاديلاك ان تحيي تراثها القديم لناحية كونها من اكثر السيارات ثباتا على الطرقات، وقد عكفت فعلا منذ سبع سنوات على تطوير هذا المفهوم بشكل مستمر مستهدفة النقاط والعوامل التي سنتعرض لها تباعا.

مزايا وتطويرات في عام 1993 طورت جنرال موتورز نظام تعليقها الشهير RSS ونظام التوجيه الحساس كجزء من نظام محرك «نورث ستار»، اذ يقوم جهاز التعليق هذا باستخدام جهاز كومبيوتر سريع يقرر متطلبات تخميد اثر المطبات مرة في كل «ميلي ثانية» (واحد من الالف في الثانية)، وتطبيقها فورا مما يوفر ركوبا ناعما سلسا في الظروف العادية، وتجرى هذه العملية على كل عجلة بمفردها، فضلا عن هيكل المركبة ككل. كما ان عجلة القيادة الحساسة بنظام «ماجنا سيتر» تستجيب لكل احوال القيادة السريعة والبطيئة، وتزيد من متعة القيادة، سواء على الطرق الوعرة بعض الشيء، او الملساء. وفعلا جربت «الشرق الأوسط» هذا النظام الذي يدعى CVRSS بالسرعة العالية التي تتجاوز الـ 140 كيلومترا في الساعة على طريق ذات مطبات فكان رد الفعل مرونة فائقة وقدرة عالية على المناورة عند لف المنحنيات والمنعطفات.

ويساهم في هذا الركوب السلس نظام التعليق الحساس جدا، الذي يتفاعل مع الظروف المستجدة على الطريق، اضافة الى الاشياء الاخرى المعروفة التي نجدها الآن في سائر السيارات الحديثة الاخرى، مثل مانع الانزلاق الكبحي والدفعي ونظام التحكم بالدفع، يساند كل ذلك هيكل سفلي (شاسيه) يتفاعل مع سلسلة التشغيل والدفع مع «نورث ستار» القادر بدوره على التفاعل مع الانظمة الاخرى، خاصة بعد تجهيزه بنظام «ستابلي تراك» الذي يعزز من ثباته عند المنحنيات وفي ظروف القيادة العصبية والمناورات الطارئة.

وقد اصبحت هذه النظم الجديدة كافة قياسية في طرازات كاديلاك مثل «سيفيل إس تي إس» و«إس إل إس» و«ديفيل دي تي إس» و«ديفيل كونكورد»، واختيارية في بعض نماذج «ديفيل» الأخرى.

من جهة اخرى، ساعدت كل هذه العوامل على تعزيز قدرة عجلة القيادة على التوجيه الدقيق للمركبة والحؤول دون أي قصور عند لفّ السيارة عند المنعطفات بشكل أقل من اللازم، أو زيادة حدة هذا اللف اكثر من المطلوب أيضاً.

وظهر ذلك واضحاً لدى قيادة طراز كاديلاك «سيفيل إس تي إس ـ آي ـ يايس كار» في المضمار السريع كما هي السيارة المستخدمة في سباقات لومان للتحمل 24 ساعة لتصدر السيارات المتسابقة في بداية الانطلاق، وتلك السيارات المجهزة بمحرك «نورث ستار»، المعزز بشحن توربيني الذي يولد قوة 350 حصاناً، وبالتالي بلوغ سرعة قصوى تصل إلى 260 كيلومتراً في الساعة، وهي من أفضل سيارات الصالون الرياضية في كاديلاك، وربما افضل من الماركات الأخرى. والمعلوم أن هذه المركبة مع سائر مجموعتها عند سيارات «إس تي إس» الرياضية مجهزة بعجلات واطارات قياس 18 بوصة التي تضاعف من حسنات نظام التعليق الجديد الذي تحدثنا عنه آنفاً، فضلاً عن تجهيزها بنظام صمّامات جديد ومعدات متطورة للتحكم والسيطرة.

السيارات المستقبلية وتطبيقاتها الراهنة الا ان قمة التحسينات هنا متوقعة في عام 2002 على شكل نظام متطور جداً لتخميد أثر المطّبات. وقد عرض هذا النظام المسمى «ماجني رايد» لأول مرة في معرض جنيف للسيارات خلال العام الحالي كجزء من تجهيزات نموذج «ايماج» المفهومي المستقبلية.

وكانت جنرال موتورز قد اعلنت في حينه ان سيارة كاديلاك «سيفيل إس تي إس» في عام 2002 ستكون اول مركبة في العالم مجهزة بـ «ماجني رايد» الذي سيكون عبارة عن نظام تعليق يعتمد على سائل مغناطيسي شبه نشط مهمته تخميد أثر المطبات بتحكم مغناطيسي يقوم فوراً بتغيير معدل لزوجة السائل للتجاوب مع حركة المركبة.

ويقول الخبراء ان هذا النظام الجديد يعد بتوفير ركوب ناعم سلس لم يسبق ان اختبره ركاب السيارات قبلاً، وبالتالي تعزيز قدرة القيادة على الطرق الوعرة.

طوّر هذا النظام بالاشتراك مع شركة «دلفي» «اتوموتيف سيستمز»، وهو سيحل حال إتمامه محل نظام «CVRSS» الحالي الذي لم يدخل الخدمة الفعلية مع كاديلاك الا في السنوات الأخيرة، وذكر احد مهندسي كاديلاك خلال حديث مع «الشرق الأوسط» ان الـ «ماجني رايد» يشكل قمة التكنولوجيا في هذا المضمار.

كيف يعمل تحديداً؟

يقوم جهاز كومبيوتر بقراءة المعطيات والبيانات التي يرسلها جهاز التعليق مسبقاً عن حالة الطريق فيستجيب لها جهاز «ماجني رايد» فوراً عن طريق إرسال إشارات كهربائية إلى ملفات الكترومغناطيسية مركبة في اجهزة التخميد.

وهذه الاشارات هي التي تتحكم بلزوجة السائل. وبالتالي تحدد درجة المقاومة والتخميد للمطبات وشدتها.

والمعلوم ان المخمدات هذه التي طورت لنظام «ماجني رايد» تغيير مستوياتها بمعدل الف مرة في الثانية الواحدة، وبالتالي معدلات اللزوجة، وهي معدلات سريعة جداً لم يسبق الوصول اليها قبلاً في الانظمة الاخرى الحديثة المعتمدة حالياً التي تعمل من دون سائل.

ويكفي القول ان نظام «ماجني رايد» هذا اختير عام 1999 واحداً من أفضل 100 اختراع من قبل مجلة «بوبيولر ساينس» Papular Science الاميركية الشهيرة في عالم الهندسة.

واليوم تعمل كاديلاك، عبر نموذج «إيماج» المفهومي المتحدر أصلاً عن نموذج «ايفوك»، الرودستر المستقبلية الرياضية، على تطوير فلسفتها في ما يتعلق بقطاع سيارات السيدان (الصالون) المفرطة في الرفاهية والفخامة التي تعمل بالدفع على العجلات الأربع.

فـ «إيماج» هذه ستكون سيارة رسمية يقودها السائق خلال الأسبوع، وسيارة للنزهات والترويح في العطلات ونهاية الأسبوع يقودها صاحبها متمتعاً بمزاياها العديدة التي تفوق كل ما وفرته مركبات كاديلاك حتى الآن.

إنها صورة الكاديلاك للقرن الجديد سيارة قوية سريعة نشيطة ذات خطوط واضحة وحادة، ومحرك «نورث ستار» المجهزة به سيكون هو الآخر معززاً بشحن توربيني، ولكن يولد قوة 425 حصاناً هذه المرة موزعة على العجلات الأربع بفضل ناقل اوتوماتيكي جديد بخمس سرعات. أما الهيكل المصنوع بكامله من الالومنيوم فسيكون منافساً مباشراً لسيارة أودي «آيه ـ 8»، بل متفوق عليه بفضل العجلات قياس 20 بوصة المدخَّل في خلائطها المنغنيز.

الإنترنت على عجلات ورغم ان الإنترنت ووسائل الاتصالات المتعددة ستدخل بعض طرازات كاديلاك الراهنة العام المقبل، إلا ان «ايماج» قادرة على ان تشكل بمفردها اضافة إلى ذلك مكتباً متحركاً كامل التجهيز عند الحاجة بفضل وسائط الاعلام المتعددة التي تعمل جميعها من دون الحاجة في معظم الأحيان إلى استخدام اليدين.

ولعل اجمل ما فيها أنها ستكون مجهزة أيضاً بعدسات تلفزيونية تغني عن المرايا للرؤية إلى الخلف، وإلى الجوانب. ويعزز ذلك كله «نظام الرؤية الليلية» Night Vision الذي جهّزت له حالياً بعض طرازات كاديلاك، والذي سيعمل في الـ «ايماج» باتجاهين، إلى الامام والخلف تفادياً للحوادث.

بقي أمر آخر، وهو أن الـ «ايماج» ستكون شبيهة في احد الجوانب بالمقاتلات الحربية الحديثة، اذ يتاح فيها عرض البيانات والمعلومات، وحتى البريد الالكتروني، على الزجاج الأمامي من دون الحاجة إلى ان يرفع السائق نظره عن الطريق أمامه. ثم ان تغير السرعات وبعض الوظائف الاخرى ستكون بواسطة سلك أي على غرار طائرات اليوم العصرية التي تعتمد على الكومبيوتر Fly Bywire بدلاً من الاجهزة الميكانيكية المتحركة، ومثل هذه التجهيزات المتطورة والملاحة عبر الاقمار الصناعية، وغيرها من الالعاب والتسليات الالكترونية واجهزة الفيديو والموسيقى، تتطلب مساهمة عصرية من شركات شهيرة متخصصة مثل «أي بي إم» و«دلفي» و«بوز» للقيام باعمال حصرية مخصصة فقط لكاديلاك، أي انها ستحتفظ بحق استخدامها دون غيرها لفترة محددة من الزمن.