تقرير: الطلب القوي والطاقة الإنتاجية الضيقة يبقيان أسعار النفط مرتفعة

توقعات باستمرار تأزم السوق النفطية للسنتين المقبلتين وزيادة أوبك في الإمدادات لن تكفي لوحدها في تلطيف السوق

TT

توقع تقرير متخصص ان تستمر سوق النفط في حالة تأزم في السنتين القادمتين لعدة أسباب، مضيفا ان الاحتدام الأخير الذي نشب في الشرق الأوسط سبّب تجدد الارتفاع في سعر النفط ولكن ـ وفقا للتقرير ـ لن يكون للنزاع تأثير على الأسعار في السياق الطويل.

وترقب التقرير الشهري الذي اعده فريق ابحاث النفط العالمي في شركة ميريل لينش ان يحوم سعر النفط حول متوسط قدره 25 دولاراً للبرميل الخام غربي تكساس الوسيط (WTI) و23.50 دولار لخام برنت في عامي 2001 و2002. يتعارض هذا التكهن مع الأكثرية الواسعة التي ترى ان سعر النفط سيتراوح بين 17 و18 دولاراً لخام المقياس الاميركي حتى وان كانت منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك) اتفقت مؤخراً على رفع الانتاج من اجل التخفيف من حدة النقص في الامدادات العالمية، لأن هذا لوحده ـ وفقاً للتقرير ـ لن يؤدي الى تلطيف مهم في سوق النفط ولن يُثني بعض اركان اعضاء اوبك عن نشدان ذلك.

وجاء سرد التقرير لواقع سوق النفط كما يلي:

تحوّل في النظرة: حدود السعر الجديدة وفي الواقع نعتقد ان ثمة تحولا في النظرة قد ظهر في اسواق النفط ويبدو ان كثيرين لم يشعروا به حتى الآن. هناك بعض اركان الدول الاعضاء في اوبك ـ على الخصوص السعودية والامارات العربية المتحدة ـ ترغب في اسعار تزيد عن الحدود التي تتراوح بين 17 و22 دولاراً لسعر خام المقياس الاميركي الذي كان سائداً بين 1986 و1995. في رأينا ان سعراً يتراوح بين 22 و28 دولاراً للبرميل (لخام المقياس الاميركي) هو اكثر واقعية. هذه الحدود تُفضلها اركان دول اوبك وتقع تحت العتبة التي تبتدئ منها معاناة الدول الصناعية السبع، يحلّ توقعنا في وسط هذه الحدود اي 25 دولاراً للبرميل.

لماذا نتوقع ان تبقى اسواق النفط متأزمة بينما يتنبأ الجميع بتحسن هذه الاحوال؟ الجواب سهل. حتى ولو بقي النمو الاقتصادي العالمي معتدلاً في السنتين القادمتين، يُرجّح ان يفوق الطلب العالمي على النفط ما يضيفه المنتجون من غير الاعضاء في اوبك، ربما هناك امر اكثر اهمية وهو ان اوبك نفسها ستقترب من استعمال كل طاقتها الانتاجية.

طاقة أوبك الفائضة ضيقة يبدو ان الطاقة الفائضة ضمن اوبك هي ضيقة. تسعة من اصل احد عشر عضواً من بلدان اوبك تستعمل حالياً اقصى طاقتها. يبقى لدى السعودية والامارات فقط متسع مهم من الطاقة الانتاجية الفائـضة ويظل العراق عنصرا خطيرا في الامد القصير. اذا بدأ العراق في وقف انتاجه مؤقتا حسبما اقترح صدام حسين في المدة الاخيرة وراحت بلدان اوبك الاخرى في التعويض عن النقص الحاصل، حينئذ تكون دول اوبك قد استعملت طاقتها الانتاجية الفائضة ان فترة غيابية ينتهجها العراق الذي يصدر بين 2 و2.4 مليون برميل يومياً يمكن ان ترفع الاسعار الى ابعد من 41.15 دولار للبرميل وهو أعلى سعر سبق ان بلغه النفط في حرب الخليج عام 1990.

في غضون ذلك، يستبعد ان يزداد انتاج النفط في الأمد القصير جدياً خارج اوبك، على سبيل المثل، في بلدان كالولايات المتحدة وبحر الشمال. ان نظرة الى الماضي تفسّر السبب. ففي الفترة الممتدة بين 1955 و1973، ان خفض مستويات الاستثمار في انتاج النفط لدى البلدان خارج اوبك، جعلها تتنازل عن قوتها في تحديد الاسعار الى بلدان اوبك، حيث ازدادت حقول النفط بحميّةٍ عظيمة. وفي السبعينات عندما ارتفعت اسعار النفط الى حد كبير، اخذ منتجو البلدان التي هي خارج اوبك باللحاق وزادوا الانفاق على مشاريع اضافية للانتاج. بيد ان التأخر الزمني المهم في اللحاق بين الاستثمار في الوسائل الانتاجية وبين الانتاج الفعلي، استغرق سبع سنوات، حينما تمكنت امدادات الدول خارج اوبك من الضغط على الأسعار العالية التي سادت في السبعينات.

ان التخلّف الزمني سيكون اقصر الان. مع ذلك سنكون بحاجة الى ثلاث سنوات على الاقل حتى تؤدي زيادة الاستثمار في امكانيات الدول خارج اوبك الى زيادة في انتاج النفط ينجم عنه ضغط على الاسعار. واذا تطلعنا صوب عام 2005، لوجدنا ان الاضافات السنوية في امدادات البلدان خارج اوبك يُحتمل ان تزيد بمعدل وسط يبلغ 750.000 برميل في اليوم. ويجدر ذكره هنا ان وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة استشارية مستقلة، تتنبأ حتى بزيادة اقل.

وكما نرى الحالة الآن، من المرتقب ان يكون النمو الاجمالي للطلب على النفط بواقع 1.8 مليون برميل في اليوم في عامي 2001 و2002. فاذا استطاع المنتجون خارج اوبك ان يؤمنّوا بين 500.000 و750.000 برميل، فالباقي يجب ان تنتجه اوبك. وهذا سيُمكّن بلدان اوبك من زيادة حصتها في السوق العالمية التي تبلغ حالياً 37% وستعطيها درجة كبيرة من التحكم في اسعار النفط العالمية. وفي الواقع، يمكن، في حال انحدر السعر الى أدنى من 25 دولاراً للبرميل (مقياس غربي تكساس) في الاشهر القادمة، ان تعود السعودية وتلغي الزيادة في الانتاج التي قرّرتها مؤخراً.

حان وقت إعادة تقييم القطاع النفطي كل هذا يُشير الى مستقبل يتّسم باستقرار في اسعار النفط او ارتفاعها في الاشهر والسنوات القادمة. حتى ولو ان بيع 30 مليون طن من الاحتياطي الستراتيجي الاميركي الذي حصل مؤخرا يؤدي الى انفراج قصير في الامدادات الضيقة، لكن يُستبعد ان يستفيد منها المستهلكون. هذا لأننا سنشهد تقييداً مماثلاً عند التوغل في مجاري الانتاج حيث المصافي تعمل بملء طاقتها.

ماذا يعني ذلك كله للمستثمرين؟ نعتقد ان التحول الجذري في اسعار النفط في الأجل المتوسط، ينبغي ان يحفّز المستثمرين على النظر الى القطاع بطريقة مختلفة تماماً. ان حقبة تمتد بضع سنوات من اسعار النفط المرتفعة واتساع الهوامش في سائر مراحل الانتاج بسبب تضييق الطاقة الانتاجية والمواصفات المتشددة للمنتوجات، من شأن ذلك ان يُشكل أساساً لربحية فوق المعدل الوسطي وبالتالي تسارعاً في ارتفاع اسعار الأسهم. نعتقد ان هذا الامر يدعو الى اعادة تقييم جوهرية لهذا القطاع.