دمشق تدرس كسر احتكار حكومي للقطاع المصرفي دام أكثر من 37 عاما

TT

دمشق ـ رويترز: اكد وزير الدولة السوري لشؤون التخطيط عصام الزعيم ان السلطات السورية المختصة تدرس حاليا مسألة اقامة مصارف خاصة في اطار سياسة الانفتاح والاصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الحكومة منذ تسلمها مهامها منذ نحو سبعة اشهر. وفي حال اقرار انشاء بنوك خاصة، فان ذلك سيعني كسر احتكار الحكومة للقطاع المصرفي الذي تمتلكه وتديره منذ ما يزيد على 37 عاما عندما تم تأميمه مع القطاعات الاخرى بعد تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في سورية عام 1963.

واشار الزعيم الى ان سورية يمكن ان تتجه للترخيص للمصارف اللبنانية للعمل في سورية بعد ان تم السماح لها بالعمل في المناطق الحرة بسورية اخيرا. واكد الوزير ان الاولوية تعطى الآن الى اصلاح النظام المصرفي الحكومي ضمن رؤية اقتصادية شاملة.

وقال ان انشاء المصارف الخاصة هي مسألة مطروحة للنقاش «فالنظام الاقتصادي السوري نظام تعددي... ولكن حتى الآن كان القطاع الخاص مستبعدا من القطاع المصرفي، اذ كانت هناك وما زالت قطاعات مقصورة على القطاع العام منها البنوك والتامين واعادة التامين». وأضاف ان «السماح للبنوك الخاصة بالعمل يعني توسيع حيز التعددية لتشمل القطاع الخاص البنكي. ومن وجهة نظري الشخصية الاولوية الاولى هي اصلاح النظام المصرفي القائم وان يحدد دوره المستقبلي في الاقتصاد السوري وفي عملية التنمية قبل ان نبحث في أي مسلك اخر يتعلق بمن يشارك في امتلاك هذه البنوك القطاع الخاص السوري ام المختلط او العربي».

واشار الى ان الترخيص لمصارف سورية خاصة او مشتركة سيكون تجسيدا لتوسيع التعددية الاقتصادية الى القطاع المصرفي وان الترحيب بمصارف عربية سيكون مرتبطا بانضمام سورية ومساهمتها النشيطة في اقامة منطقة التجاره الحرة العربية.

واكد وزير الدولة لشؤون التخطيط عصام الزعيم ان سورية لا تسعى الى تخصيص قطاعها العام في الوقت الحاضر، وانما تعمل على اصلاحه في الوقت الذي تستمر فيه بدعم وتشجيع القطاع الخاص الى جانب القطاعات الاخرى.

وقال في حديث شامل لرويترز حول السياسات الاقتصادية للحكومة السورية وخطط الاصلاح التي تقوم بها في كافة المجالات، انه يتم اجراء دراسات شاملة من اجل اعادة تاهيل القطاع العام لكي يلعب دورا ايجابيا في مسيرة التنمية الاقتصادية.

وقال الزعيم: لا توجد في الوقت الحاضر اية نية لدى الدولة لخصخصة منشآت القطاع العام، لكن العمل قد انطلق باتجاه اصلاح القطاع العام وتنشيطه ليصبح اكثر ربحية وانتاجا ولكي لا يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني.

واشار الوزير الى ان دولا نامية كثيرة لجأت الى خصخصة منشآتها العامة او بعضها. وان هذا ينطبق هذا على الدول العربية التي اخذت ببرنامج وضعه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. أما في سورية فلا يوجد مثل هذا التوجه. وقال أما بالنسبة لسورية فالخيارات المعتمدة لدى الدولة والقيادة السياسية في الحزب والدولة هي انه لا خصخصة في القطاع العام الصناعي.

هناك طبعا من يرى بانه ربما يكون هناك استثناء يتناول بعض الانشطة التي يمكن الاستغناء عنها ولكن الفكرة الاساسية التي ان أخذنا بها هي اننا نحتاج الى اصلاح القطاع العام وليس الى ازالته.

واضاف الوزير «نحن اذاً نحتاج الى تطوير القطاع العام لا الى خصخصته. ان القطاع العام يتطلب اصلاحه وتطويره».

والزعيم الذي تسلم منصبه في الوزارة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ميرو التي بدأت عملها في شهر ابريل (نيسان) الماضي يعتبر من كبار مخططي السياسة الاقتصادية الدوليين، حيث عمل لسنوات طويلة كخبير وباحث لعدد من منظمات الامم المتحدة الهامة التي كانت تعنى بمنطقة الشرق الاوسط والعالم.

وما زالت حكومة ميرو التي تعهدت باجراء اصلاحات اقتصادية وادارية تعمل منذ تسلمها مهامها من اجل تنفيذ وعودها، وذلك من خلال القوانين والمراسيم التي صدرت اخيرا او من خلال المشاريع او الخطط التي يتم اقرارها.

وتنتهج سورية مبدأ التعددية الاقتصادية الآن. حيث يوجد القطاع الخاص والقطاع العام والقطاع المشترك والقطاع التعاوني وهي تعمل جنبا الى جنب رغم ان جهودا كبيرة بذلت من اجل تعزيز دور القطاع الخاص المحلي والعربي والاجنبي، وذلك من خلال القانون رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته.

ويعد القطاع العام في سورية كسائر القطاعات العامة بالدول النامية قطاعا خاسرا ويكلف الحكومة مبالغ طائلة نظرا لتكدس منتجاته التي تقدر قيمتها بالملايين من الدولارات في المخازن دون امكانية تصريفها محليا او خارجيا.

واكد الزعيم انه يوجد عدد من منشآت القطاع العام التي تحقق ربحا لا يستهان به. لكنه اضاف ان عددا اخر منها يعاني الخسارة. ولكنه قال ان «هذه الخسارة لا تدفعنا الى تصفية المؤسسات العامة وانما الى اصلاحها فهي ضرورية للدولة وضرورية للشعب، لكن الاصلاح يتطلب في الوقت نفسه تفعيل القطاع العام اقتصاديا لاحداث بعض التوسعات الضرورية فيه ونعني بها توسعات تستهدف زيادة القيمة المضافة لزيادة فرص الربح في المنشآت الاقتصادية العامة».

واورد الوزير مثلا على ذلك قائلا «اذا عززت اندماجا بما يسمى الاندماج الرأسي في الصناعة، أي زدنا عدد العمليات المعالجة الصناعية للمادة نفسها وجددنا وطورنا التقنية فان تحقيق الارباح سيمكن الدولة من ان تصبح قادرة على ادارة الصعوبات».

وقال الزعيم «ان سورية ستتمكن من معالجة مشكلة العمالة الفائضة في القطاع الصناعي من خلال اعادة تاهيل القطاع العام وتوسيعه وتطويره، ذلك انه اذا كنا نحتاج الى اضافة مراحل للمعالجة الصناعية الى ما هو قائم من انشطة صناعية في القطاع العام، فاننا سنحتاج الى عمالة، فلهذا سنستخدم الفائض من العمالة الحالية بعد تأهيله».

واشار الوزير ردا على سؤال اخر الى ان الحكومة تسعى حاليا من اجل انشاء سوق مالية ذات خصوصية معينة تتناسب مع السوق السورية واحتياجاتها ضمن اطر معينة تحدد من يستطيع ان يدخل هذه السوق. وقال «انا اعتقد ان سورية بحاجة لتعبئة مدخراتها، اذ اننا نعاني من ضيق القنوات اللازمة لتحويل مدخراتنا الى استثمارات وتعبئة المدخرات تتم بعدة سبل اهمها الاستثمار المباشر وانشاء شركات مساهمة او محدودة المسؤولية واللجوء الى المصارف للاقتراض ولتمويل الاستثمارات واللجوء الى السوق المالية لتقوم بتوفير او اعادة توزيع الاموال لصالح الشركات الاكثر ربحية».

واضاف «المهم في المسألة ان نبت فيمن يدخل سوق المال او سوق الاسهم هل يدخل أي مصرف او مستثمر عربي كان ام اجنبي. نعتقد اننا في ظروفنا الحالية لا نستطيع ان نفتح الابواب على مصراعيها للسوق المالية، خاصة ان الطلب المتاح عليها محدود حيث لا توجد شركات حاليا تتطلب الاستعجال باقامتها والشركات القائمة والقادرة على الدخول بها محدودة للغاية».

وتحدث الوزير عن موضوع الدين العام الذي كان يشكل سابقا احدى المشكلات الاقتصادية القائمة، فاشار الى ان الحكومة تتحكم الآن بالدين الخارجي وتقوم بخدمته على نحو منتظم وناجح. وقال «لقد تحسن اداؤنا وخدمتنا لديوننا ونحن نفي معظم ديوننا بصورة منتظمة وما تبقى من دين خارجي لم يجر الاتفاق على جدولته».

وتقول مصادر اقتصادية ان سورية نجحت في اعادة جدولة ديونها للبنك الدولي ولالمانيا وايران وعدد اخر من الدول الا ان مسألة الديون التي كانت مترتبة للاتحاد السوفياتي والتي ورثتها روسيا لم تحل بعد. ويقوم مسؤولون من البلدين ببحث مسألة هذه الديون التي تقدر قيمتها بما يترواح بين 10 و12 مليار دولار والتي نتجت عن توريد السلاح لسورية قبل تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991.