إصلاح الاقتصاد السعودي: نظرة خارجية (1 من 2)

بقلم مايكل فيلد

TT

الاتجاهات القديمة تعرفت على المملكة العربية السعودية والخليج في السبعينات. كان وقتا مثيرا. كانت تجري عملية انتقال للثروة لم يسبق لها مثيل من العالم الصناعي الى النامي. وكان المستقبل ينتمي الى منتجي السلع ولا سيما منتجي النفط.

وفي اوروبا واميركا كان يبدو ان الجميع يحاولون معرفة المزيد عن «الخليج» والسفر الى هناك، والتعامل تجاريا معه، والارتباط به بطريقة او اخرى. وبالنسبة للعديد من الشركات اصبحت المنطقة اكبر اسواقهم. وفي فترة من الفترات في السبعينات، قدر البعض ان هناك مشاريع انشائية في السعودية اكثر من تلك الموجودة في الولايات المتحدة. ومن الناحية المادية، تم تحقيق تعهدات تلك الفترة. فالمدن السعودية وبنيتها الاساسية والمرافق المتوفرة لشعبها قد تبدلت. ولكن التفاؤل والاثارة والاحساس بالتقدم السريع قد ولى. وبدلا من ذلك اصبح لدى المملكة وجيرانها الشعور بأنها اصبحت بعيدة عن مواكبة التطورات، وانهم اكثر فقرا مما اعتادوا عليه. وارتبطت شعوبهم بأفكار واتجاهات السبعينات ـ لاسباب مفهومة ـ بينما تغير باقي العالم. فقد استمر السعوديون وعرب الخليج في الاعتقاد بأهمية المواد الخام كمصدر للثروة، وفي سيطرة حكوماتهم وشعوبهم على اقتصادياتهم. بينما كان باقي العالم اكثر اهتماما بالصناعات المعتمدة على المهارات والاقتصاد الكوني حيث تلعب ملكية الودائع دورا اقل اهمية من الانتاجية.

ويعتقد معظم سكان الخليج ان اسعار النفط يجب ان تعود الى ماكانت عليه من ناحية القيمة الحقيقية للاسعار على ما كانت عليه 1973 ـ 1989، وكأن تلك الاسعار كانت اسعارا حقيقية.

واتذكر قبل عامين انني كنت في مجلس وزير سعودي متقاعد في احدى الليالي وأشرت الى ان النفط تاريخيا كان رخيصا. واضفت ان العديد من اقاليم انتاج النفط الصغيرة والكبيرة قد تطورت منذ منتصف الثمانينات وان هذه الاقاليم الجديدة تلبي نصف احتياجات مطالب العالم المتزايدة من النفط. وشرحت ان التغيرات التكنولوجية قد خفضت تكلفة العثور على انتاج النفط في اماكن اخرى من العالم، وهو الامر الذي يجعل الحقول الصغيرة اقتصادية ويمكن الشركات من استخراج المزيد من الحقول من الاسلوب التقليدي باستخراج ثلث النفط الموجود فقط.

ونتيجة ذلك انه على الرغم من وجود فترات من انخفاض وارتفاع الاسعار في المستقبل، فإن على الخليج ان يتوقع استمرارية هذا النموذج في اواخر الثمانينات ومنتصف التسعينات.

وكان رد فعل من كانوا يستمعون الى ما قلته، لم يمكن التشكيك في الحقائق - بالرغم من ان ذلك كانت معلومات جديدة بالنسبة للكثير منهم ـ ولكن بإقتراح انني لم اكن مهذبا. وهو الامر الذي كان اكثر وضوحا بين الشباب.

والسبب هو ان ما كنت اقوله يشير الى ان مستويات معيشة كل من كان في المجلس ستستمر في التدهور. ان النفط يقدم لاي دولة ذات كميات كبيرة من الانتاج وعدد محدود نسبي من السكان ريعا. وهو يشبه تماما الشخص الذي يعيش من ريع دخل خاص.

ان المعيشة اعتمادا على دخل خاص امر في غاية السعادة، ولكن عندما يأتي الدخل من ودائع منكمشة سينخفض الطلب عليها في النهاية، فليس من الحكمة للمجتمع الاعتقاد انه يمكنه الحياة بهذه الطريقة الى الابد. ويمكن ايضا القول انه ليس من الحكمة لدولة ان يعتمد دخل حكوماتها على بيع نوع واحد من المنتجات التي تقع اسعارها وحكم انتاجها خارج نطاق سيطرتها. ومن الافضل على المدى الطويل، بالنسبة للحكومة وجود دخل من الضرائب يقع تحت سيطرتها ـ وإن كان المرأ يعلم لماذا يفضل السكان الذين ستفرض عليهم الضرائب عدم التفكير في هذا الامر. والصفة الثانية اللافتة للنظر في التفكير الشعبي في الخليج والسعودية هي الاعتقاد في الاقتصاديات القومية لثلاثين عاما خلت. والفكرة ان هذه الدول - وباقي الدول العربية - عليها محاولة الاستقلال الاقتصادي. وكان هذا التفكير هو الذي قاد الى الاستيلاء التدريجي على ارامكو وسعودة المصارف الاجنبية في السبعينات. كما ادت الى الحد، في جميع الدول العربية، من انواع الودائع التي يحتفظ بها الاجانب.

ويكمن وراء هذه الفكرة الاعتقاد، الراسخ في الدول العربية الفقيرة والغنية، ان الاجانب يردون استغلال الثروة العربية ـ سواء كان ذلك على شكل النفط او الارض او المنتجات الزراعية. وربما كان هذا الاعتقاد مبررا في مراحل انتشار المد الاستعماري، ولكن بالرغم من ان اثاره لاتزال موجودة، فلم يعد صحيحا. وبصفة عامة تنظر الشركات الغربية للعالم العربي على انه منطقة صعبة، وليس بالضرورة منطقة مربحة تستثمر فيها اموالك.

ويبدو لي ان هذا الاعتقاد العربي ينبع من النظرة الشائعة بأن ثروة البلاد امر ثابت لا يتحرك، مثل كومة الذهب. واذا تم السماح لاجنبي بالحصول على بعض العملات فسيتبقى القليل امام ابناء البلد. وفي الواقع فإن الثروة هي عملية ديناميكية ابتدعها النشاط الانساني ـ وكلما ازداد حجم النشاط، سواء كانت موارد خارجية او طنية، فإنها تخلق مزيدا من الثروة لمصلحة الجميع. وأدت سياسات البلاد المقيَدة الى تلقي السعودية خمسة مليارات دولار استثمارات اجنبية مباشرة في الخمس وعشرين سنة الماضية. وهو رقم ضئيل. كما انه احد الاسباب وراء معدلات النمو البطيئة في المملكة.

واذا وضعنا في الاعتبار تقلب اسعار النفط، فإن معدل النمو السعودي الحقيقي بين عامي 1992 و 1999 تراوح بين الصفر و 2%. وهو اقل من معدل نمو السكان، الذي بلغ 3.9% . وأدى ذلك الى ان المواطن السعودي، في المتوسط، اصبح افقر بوضوح عما كان عليه في الثمانينات.

ان الاقتصاد السعودي استمر معتمدا على الاستهلاك والاستثمار في الانفاق الحكومي لايرادات النفط. وقد نمى القطاع الخاص بدرجة كبيرة، ولكنه ليس كبيرا بدرجة تسمح لها بالقيام بدور الحكومة كمحرك لتنمية البلاد.

ومعظم الاعمال الخاصة بطيئة وغير قادرة على المنافسة ـ نتيجة، جزئيا، للافتقاد للمنافسة الاجنبية. فلدى الشركات افكار بدائية بخصوص المحاسبة. والعديد منها لايرى الفائدة من وراء تحميل انفسهم تكلفة «غير ضرورية» بالاستثمار في الصيانة المناسبة لودائعم او دفع مرتبات جيدة لجذب المديرين القادرين. والنتيجة هي خدمات سيئة للزبائن ومعدلات منخفضة للابداع.

ولا يمكن للمملكة الاستمرار في ادارة امورها كما فعلت حتى الان. فمعدلات الاسكان المتزايدة منذ اواخر السبعينات تعني وجود مد من الشباب يقترب من دخول سوق العمل.

وتقدر البطالة بين السعوديين بحوالي 14%، و 20% بين الرجال الذين تتراوح اعمارهم بين 20 الى 29 سنة. وفي السنوات القليلة القادمة تشير الاحتمالات الى ان واحدا فقط من كل ثلاثة او اربعة سعوديين سيتركون التعليم للبحث عن عمل.

الاولوية التي تواجهها الحكومة هي مواجهة هذا الاتجاه. ففي الخطة الخمسية السابعة بين عامي 2000 و 2005، حددت الحكومة هدفا بخلق اكثر من 800 الف فرصة عمل جديدة للسعوديين. ولكنها تعرف انها لن تستطيع القيام بذلك بدون تغيير شامل في السياسات الاقتصادية.